أحدث الأخبار
الثلاثاء 16 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41121
الأشباح والعصافير تسكن البتراء!!
18.06.2020

يعيش سكان البتراء من السياح الذين يفدون إلى المدينة الوردية من مختلف دول العالم، لكنهم اليوم عاطلون بلا مورد رزق بعد أن أغلق الوباء المطارات، فهم اليوم لا يخشون على مورد رزقهم الذي تعطل لأشهر، بل يخشون أن تطول هذه الأزمة لسنوات وتظل البتراء كمدينة أشباح لا تسمع فيها إلا أصوات العصافير.
بترا (الأردن) – عند باب “الخزنة”، أشهر معالم مدينة البتراء الأثرية في جنوب الأردن، يقف نايف هلالات حارس الموقع وحيدا وحزينا، ويقول “للمرة الأولى في حياتي، أرى المكان خاليا هكذا. عادة (ما يكون) هناك الآلاف من السياح”.
وتعد البتراء المشهورة بعمارتها المنحوتة بالصخور والتي تقع على بعد 225 كلم جنوب عمان، الوجهة المفضلة للسياح الأجانب في الأردن. وقد اختيرت عام 2007 كواحدة من عجائب الدنيا الجديدة. لكنها اليوم أشبه بمدينة أشباح.
وشيدت المدينة الوردية (نسبة إلى ألوان صخورها) في عام 312 ق. م. كعاصمة لمملكة الأنباط العربية القديمة التي سقطت بيد الرومان في عام 106 ق. م. ويقول هلالات (42 عاما)، وهو أب لخمسة أطفال ويعمل في الموقع منذ عشرة أعوام، “في مثل هذا الوقت من كل عام، كان المكان يعجّ بالآلاف من السياح. كنا نضطر أحيانا إلى تنظيم صفوفهم وعملية إدخالهم كي لا يحصل تدافع… أما الآن فليس هناك غير أصوات العصافير”.
في آخر ممر “السيق”، وهو طريق ضيق تتسلل أشعة الشمس بين حافتيه الشاهقتين وكان يسلكه السياح المتوجهون إلى البتراء سيرا على الأقدام أو على ظهور الدواب أو العربات المجرورة بواسطة الدواب، يسير هلالات الذي اعتمر قبعة كاكية اللون يتوسطها علم الأردن، وحيدا ببطء جيئة وذهابا أمام “الخزنة”.
في أماكن الاستراحة المغلقة والخالية، يعلو الغبار الطاولات الخشبية، فيما تسمع من بعيد أصوات عمال يقومون بتعقيم الموقع. خارج محال بيع الهدايا التذكارية المغلقة، لا تزال القمصان القطنية التي تحمل صور الموقع معلّقة وقد بهتت ألوانها بسبب أشعة الشمس اللاهبة.
وغادر آخر السياح المملكة في 16 مارس قبل يوم من إقدام السلطات الأردنية على تعليق الرحلات الدولية وغلق المطارات حتى إشعار آخر.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت البتراء مهجورة، وأصبح نحو مئتي دليل سياحي و1500 صاحب راحلة (من الخيل أو الحمير أو الجمال) من سكان وادي موسى عاطلين عن العمل.
ويقول الدليل السياحي نعيم النوافلة (55 عاما)، وهو أب لستة أطفال، “ما حصل بالنسبة إلينا وإلى سكان هذه المنطقة أشبه بالكارثة. في السابق، كانت أعداد السياح ترتفع وتنخفض بحسب ظروف المنطقة، أما الآن فلا يوجد سياح نهائيا. هذا أمر لم يحصل من قبل”.
ويضيف النوافلة، الذي يعمل في الموقع منذ نحو ثلاثين عاما وكان يتقاضى نحو خمسين دينارا يوميا (حوالي 70 دولارا) لقاء عمله، “سئمنا الجلوس في المنزل، وإذا استمر الوضع هكذا (سيتحول الأمر إلى) مشكلة كبيرة. نحن الآن نصرف مدخراتنا”.
ويخشى أن تتأخر عودة السياح عاما أو عامين وأن “تكون إجراءات السفر المستقبلية منفرة” للسياح خصوصا “أن أغلبهم من كبار السن والمتقاعدين”. ويقول مفوض سلطة البتراء التنموي والسياحي سليمان الفراجات إن “نحو 80 في المئة من سكان إقليم البتراء البالغ عددهم نحو 38 ألفا يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السياحة كمصدر دخل لهم”.
وأحد هؤلاء نائل نواس (41 عاما)، وهو أب لثمانية أطفال ويملك حمارا كان يستخدمه في نقل السياح، وخصوصا كبار السن، ويكسب ما بين 30 و40 دينارا (40 و55 دولارا) يوميا. وتوقف عمله منذ منتصف مارس، وهو يعمل مؤقتا بائع ماشية.
وتساهم السياحة بحوالي 12 إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الأردني، ويقدّر عدد العاملين في القطاع بنحو مئة ألف شخص، في بلد وصل معدل البطالة فيه إلى نحو 19.3 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي.
ويؤكد الفراجات أنه حزين لأن هذا الوباء جاء بعد أن “سجلت البتراء رقما قياسيا في عدد السياح العام الماضي بلغ حوالي مليونا و135 ألف سائح، منهم مليون سائح أجنبي”.
ويبدو أن فنادق البتراء الـ45 وغرفها الثلاثة آلاف ستواجه أياما صعبة عند بدء الموسم السياحي.
في بهو فندق “لا ميزون” ذي الثلاثة نجوم والمبني من الحجر الأبيض والمحاط بأشجار صغيرة، جلس عامل الاستقبال وحيدا وقد وضع يدا على خده وعينه على المدخل.
ويقول مالك الفندق طارق الطويسي، “المصيبة أن هذا الوباء جاء (بالتزامن) مع ذروة موسمنا السياحي الذي يبدأ في فبراير”. ويضيف، “الحجوزات كانت تفوق (نسبة) 90 في المئة، وخلال أقل من أسبوع ألغيت كلها. نسبة إشغال الغرف في فندقي هي صفر الآن”.
ويأمل الطويسي الذي يشغل أيضا منصب رئيس جمعية فنادق البتراء أن “يعود السياح إلى البلدان التي لم تتأثر بالوباء كالأردن” الذي سجل حتى الآن 863 إصابة وتسع وفيات بفايروس كورونا المستجد.
وتضرر قطاع السياحة في الأردن الذي يقصده سنويا نحو خمسة ملايين سائح جراء الأزمة المالية العالمية عام 2007 ثم الربيع العربي والأوضاع الأمنية في سوريا والعراق.
وبحسب مدير هيئة تنشيط السياحة عبدالرزاق عربيات، “بعد أن بلغ دخل قطاع السياحة في الأردن 5.3 مليار دولار العام الماضي، تراجع إلى حوالي صفر بعد الإغلاقات”.
وأوضح عربيات في بيان الشهر الماضي أن لدى الهيئة خططا لإنقاذ الموسم السياحي، منها “تنشيط السياحة الداخلية”، معتبرا أن “النجاح الأردني في احتواء الأزمة يقدم فرصة للترويج للأردن بشكل أفضل في الأشهر المقبلة”.

1