أحدث الأخبار
الثلاثاء 19 آذار/مارس 2024
1 2 3 4 51120
خبراء في البيئة يدقون ناقوس الخطر لمنع الاعتداءات العشوائية على أشجار الأردن وغاباته!!
04.03.2024

عمان - داخل أحد منازل منطقة ناعور جنوب غرب العاصمة الأردنية عمان، يجلس أحمد أبو عالول أمام مدفأة الحطب الذي اشتراها مؤخرا ممسكا هاتفه النقال ويقلب إعلانات لبيع الحطب على تطبيق “السوق المفتوح”. ويقول أبو عالول لرويترز إنه قرر هذا الشتاء الاعتماد على مدفأة حطب مستعملة اشتراها بنحو 200 دينار (282 دولارا) بدلا من مدافئ الجاز والغاز، لأنها أقل كلفة وأكثر دفئا وتوزع الحرارة على غرفة الجلوس الكبيرة والغرف المجاورة.ويبين أن سعر طن الحطب يتراوح بين 100 دينار إلى 120 دينارا ويكفيه لموسم الشتاء كاملا، في حين أنه كان يحتاج إلى أربع اسطوانات غاز في الشهر بسعر سبعة دنانير للواحدة وأربعة جالونات من الجاز بسعر 15 دينارا للجالون الواحد.
وبينما يطمئن أبو عالول إلى تصريف العوادم الملوثة الناجمة عن حرق الأخشاب عبر أنابيب تمتد لخارج المنزل ولا تؤثر على صحة سكانه، فإن مصدر جلب هذه الأخشاب وتأثيرها على البيئة والغابات الحرجية في الأردن لا يجد لديه ذات الاهتمام. وقال “لا تزر وازرة وزر أخرى.. أنا لا أعرف مصدر الحطب ولا أسأل البائع لأن المهم هو أن اشتري لأدفئ بيتي”.
وأبو عالول واحد من بين العديد من الأردنيين الذين يلجأون للحطب بدلا من وسائل التدفئة الأخرى في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من اعتداءات غير قانونية على الأشجار والغابات تهدد التنوع الحيوي.ومع تزايد التخوف من أن يأكل الجفاف باقي المساحات الخضراء في الأردن، وأن يزحف التصحر لها في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع المعدل المطري، يدق خبراء في البيئة ناقوس الخطر لمنع تلك الاعتداءات.
ويحذر مدير وحدة الطبيعة في وزارة البيئة بلال قطيشات من أن أحد أبرز الأنشطة المهددة للغابات في الأردن هي تجارة الحطب غير المرخصة حتى مع تراجع نسبة الاعتداءات بنسبة كبيرة بعد التعليمات التي أصدرتها وزارة الزراعة بعدم بيع الحطب خارج المحافظة.لكن قطيشات يشير أيضا إلى أن ثمة تهديد آخر يتمثل في حرائق الغابات سواء المفتعلة أو الطبيعية لا سيما في محافظات الشمال لكثرة الغابات فيها من السنديان والبلوط. وأوضح أن تراكم النفايات نتيجة التنزه العشوائي يساهم بشكل كبير في تلك الحرائق خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة.ويقول قطيشات إن الاعتداءات المتكررة والأنشطة الجائرة التي تؤدي لفقد الغطاء النباتي وتدهور الموائل الطبيعية هي الخطر الأكبر برأيه وينتج عنه التصحر والتهديد بانقراض عدد من الكائنات الحية بخلاف تغير نسب الأمطار وزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وانجراف التربة.
وتشكل المناطق الصحراوية وشبه الجافة نسبة 80 في المئة من مساحة الأردن البالغة نحو 89 ألف كيلومتر مربع. ومن جانبه يرى إيهاب عيد، الخبير المتخصص في التنوع الحيوي، أن الأسباب المرتبطة بالاعتداء على المساحات الحرجية متعددة فإما للحصول على مصدر للتدفئة أو الاتجار بالأخشاب أو خلق مساحات فارغة لأعمال البنية التحتية سواء للمنازل أو الاستثمارات وغير ذلك الكثير.ويبين أن خطر هذه الاعتداءات متنوع أيضا، ففي ظل أن مساحة الغابات الطبيعية تشكل أقل من 0.5 في المئة من مساحة الأردن فإن أي اعتداء بغض النظر عن المساحة التي تسبب بها سيؤثر سلبا على مساحة الغابات في الأردن.وتشمل المساحات الشجرية في الأردن منطقة اليرموك في محافظة إربد في الشمال حيث غابات البلوط متساقط الأوراق أو الملول، وهي الشجرة الوطنية للأردن، أما في عجلون وجرش فتوجد غابات البلوط دائم الخضرة، وهناك غابات دبين في جرش التي تتميز بأشجار الصنوبر الحلبي الذي يمتزج مع أشجار البلوط والقيقب، وفي الطفيلة والشوبك توجد أشجار العرعر وأشجار الطلح حيث تمتد الأخيرة حتى محافظة العقبة جنوب المملكة.إلى ذلك يرى عيد أن من أخطر التأثيرات السلبية للاعتداءات على الغابات هو الحد من التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات، فمثلا يرتبط السنجاب الفارسي والدلق الصخري، وهو حيوان من فصيلة العرسيات، وعدد آخر من الأنواع الحيوانية بالغابات بينما ترتبط أعداد من نباتات الأوركيد بالنظام الغابوي.
ويبين أنه لا يقتصر الأمر عند التنوع الحيوي إذ يؤثر الاعتداء على الغابات على خدمات الأنظمة البيئية كونها تعتبر الملاذ للمتنزهين والسياح ودونها لن تتوفر بيئة مناسبة للاصطياف والاستجمام والتمتع بالطبيعة.ويلفت عيد إلى أن العديد من المشاريع الاستثمارية يستهدف المناطق الغابوية لما توفره من مناخ معتدل وطبيعة خلابة، محذرا من أن اختفاء الغابات سيكون له التأثير السلبي على الاقتصاد المجتمعي.ويشير إلى دور الغابات المهم في تثبيت التربة مما يمنع الانجرافات وبالتالي تخفيف الكلفة المالية الضخمة عن البلديات التي ستضطر في حال عدم وجود الغابات إلى تنظيف آثار الفيضانات للتخلص من الرسوبيات وغيرها.
ويقول إنه يجب ألا ننسى أن الغابات تمتص المياه مما يساهم في زيادة المخزون المائي في الخزانات الجوفية التي تعاني بشكل كبير من تراجع منسوبها ومستوياتها في دولة تقع ضمن أكثر الدول فقرا بالمخزون المائي.ويشير عيد إلى أن أثرا آخر للاعتداءات يتمثل في زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون مما يتسبب في تفاقم ظاهرة الاحترار المناخي.من جانبه، يرى عمر الشوشان رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن أن إدارة الغابات حاليا تمر بحالة ضعف مؤسسي ومالي، مطالبا بضرورة التنسيق بين الجهات المعنية في حماية الثروة الحرجية.وقال إنه تم العمل على إعداد سياسات وتشريعات متقدمة لكن لم يتم الأخذ بها من قبل الحكومة برغم الحاجة الماسة لتطوير القطاع وبالشراكة مع جهات دولية مختصة.وحذر الشوشان من عدم القدرة على وقف الاعتداء في ظل إمكانات هشة لا ترقى لمن يحمل صفة الضبط العدلية وهو ما يتطلب جهدا أمنيا استخباريا من الجهات المختصة وملاحقة الجناة قضائيا.ويقترح أن يتم إجراء تحول جوهري في إدارة قطاع الحراج بحيث يكون هناك دور مؤسسي للمجتمع المحلي في حماية الغابات وتوظيف أفضل للتقنيات الفنية والخبرات المؤهلة وبناء شراكات دولية للاستفادة من الصناديق التمويلية.
ويدعو الشوشان لإعداد نصوص تشريعية رادعة تجرم أي اعتداء على الثروة الحرجية بكافة أشكالها مع ضرورة فتح المجال للتعاون البحثي مع الجامعات ومراكز البحوث العلمية والأكاديمية لتعزيز الإدارة الفنية لقطاع الغابات، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في زيادة وصيانة الثروة الحرجية.وأكد على أهمية تنمية وعي المجتمع المحلي الذي يعيش في الغابات من حيث التعاون مع الجهات المعنية في الرقابة.وفي عام 2012 حررت مديرية الحراج في وزارة الزراعة منذ مطلع العام ما يزيد عن 55 مخالفة اعتداء على الأشجار الحرجية في محافظة اربد، تركزت معظمها في قرى بني كنانة وشطنا والكورة، بحسب ما أكده مدير مديرية الحراج محمد الشرمان.
وتشهد محافظات الشمال تحديدا عجلون وجرش وإربد إضافة إلى السلط، اعتداءات مستمرة جلها بغرض الاتجار، واستخدامها للتدفئة. وتتعدد أشكال الاعتداءات، بحسب الشرمان، بالقطع الجائر أو افتعال الحرائق بغرض سهولة الاعتداء عليها.كما تعرضت أشجار قرية شطنا في محافظة إربد لحملة قطع مبرمجة خلال نفس العام، حيث تم قطع العديد من الأشجار المعمرة بشكل عشوائي. وقد أثار قطع الأشجار في القرية الواقعة على سفح جبلي يعج بالأشجار المعمرة، استياء السكان خاصة أنها تعتبر المتنفس الرئيسي لهم.
وانتقد السكان غياب الرقابة والحراسة التي تفرضها وزارة الزراعة على المناطق الحرجية، مرجحين أن تكون عملية القطع تمت من قبل الرعاة، فيما يعرف بالتحطيب العشوائي. وليست الثروة الحرجية في محافظات الجنوب أفضل حالا إذ تشهد تدهورا كبيرا جراء التغير المناخي وزيادة الجفاف وقلة الهطول المطري تحديدا في محافظتي الشوبك والطفيلة، كما يؤكد الشرمان.ويتولى مراقبة الأشجار 700 طواف موزعين على كافة أنحاء الممملكة، وهو ما اعتبره الشرمان عددا قليلا مقارنة بحجم الاعتداءات، لافتا إلى ضرورة زيادة العدد إلى الضعف.وأرجع الشرمان زيادة نسبة الاعتداءات إلى عدم تفعيل قانون الزراعة وتحديدا في المواد المتعلقة بالحراج وتغليظ العقوبة على المعتدين، مشيرا إلى التساهل في تنفيذ العقوبات مع مكرري الاعتداء، مطالبا بجهود مشتركة ما بين جميع الأطراف لمحاربة هذه الظاهرة التي وصفها بالخطيرة وتهدد الاستقرار!!