أحدث الأخبار
الثلاثاء 19 آذار/مارس 2024
1 2 3 4 5 6 71120
نزل البحيرة.. "فندق مقلوب" ومهجور يرفض التونسيون هدمه!!
22.02.2024

تونس - يفرد “نزل البحيرة” في أول شارع محمد الخامس وسط تونس العاصمة جناحيه في تصميم معماري فريد من نوعه ومخالف لما هو سائد في العمارة الأوروبية الحديثة بتونس.
ويطل النزل على بحيرة مدينة تونس ويشكل إلى جانب برج “نزل أفريقيا” و”نزل الهناء” بالشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة المحاذي له، رمز التحديث لتونس في فترة ما بعد الاستقلال عام 1956.وعرف النزل بتمسية “الفندق المقلوب”، وهو يعد بشكله الهرمي المعكوس أحد المعالم القليلة في العالم التي تجسد الهندسة المعمارية العكسية أو تيار “العمارة القاسية” التي سادت لفترة محدودة في النصف الثاني من القرن العشرين.ويضم النزل الذي صممه المهندس المعماري الإيطالي رافايل كونتيجاني وتم بناؤه بين عامي 1970 و1973، أكثر من 400 غرفة نوم، جرى توزيعها على 10 طوابق.ووفقا لما ذكره متخصصون مطلعون على تاريخ الفندق، فقد شيد المبنى الأيقونة على دعامة 190 خرسانة بعمق 60 مترا، وهو يشكل كتلة واحدة بطول عشرة طوابق. كما يحتوي الفندق على سلالم بارزة في كل طرف تشكل شكلا هرميا مقلوبا.الفندق يعد بشكله الهرمي المعكوس أحد المعالم القليلة في العالم التي تجسد الهندسة المعمارية العكسيةويعتقد البعض في تونس أن جورج لوكاس مخرج فيلم “حرب النجوم” الذي صوّر أجزاء منه في جنوب تونس، قد استلهم من شكل بناية النزل في تصميم مركبة حربية أشبه بدبابة عملاقة أطلق عليها اسم “ساند كرولر” (زاحفة الرمال).
ومع أن شهرة الفندق بلغت ذروتها في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث استقطب العديد من المشاهير في العالم، إلا أنه اليوم يواجه مصيرا مجهولا منذ أغلق أبوابه في العام 2000 بسبب نزاع بين الورثة. كما يتهدده خطر الهدم.ويكافح نشطاء في العمارة في تونس من أجل الحيلولة دون إصدار السلطات البلدية قرارا بهدمه.وتقول صفاء شريف المتخصصة في المعمار الأوروبي الكلاسيكي ورئيسة جمعية “بناءات وذكريات” لوكالة الأنباء الألمانية “يمثل نزل البحيرة رمزا في ذاكرة التونسيين لذلك نسعى للحفاظ عليه وعلى شكله المعماري الفريد من نوعه. وهو من المباني القليلة في العالم التي لا تزال تجسد العمارة القاسية”.وتضيف صفاء “تقدمنا بطلب إلى السلطات وإلى المعهد الوطني للتراث من أجل المحافظة على المبنى. حتى الآن نجحنا في ضمان حماية المبنى. لكن هذا نصف الحل”.وتعمل المنظمة على التوصل إلى حل مستقبلي مستدام للنزل بما يسمح ببقائه واستغلاله اقتصاديا، من خلال تنظيم حملات لزيادة وعي العامة بقيمته التاريخية.وفي العام 2011، فازت الشركة العربية للاستثمارات الخارجية، “لافيكو” بصفقة شراء المبنى. وأعلنت الشركة في البداية عن خطط لتطوير النزل وإعادة تهيئته. لكن تم إرجاء هذه الخطط وسط تكهنات برغبة الشركة بهدم المبنى وإعادة بنائه بشكل كامل.واستند مهندسون في هذا الخيار إلى أن الحفاظ على التصميم القديم وإعادة تهيئته قد لا يكون متاحا تقنيا كما أن كلفته قد تكون أعلى من تكلفة الهدم وإعادة البناء.
لكنّ منظمة “بنايات وذكريات” ونشطاء من المجتمع المدني مدافعين على التراث، عارضوا هذه الخطوة بشدة وأطلقوا عريضة على مواقع التواصل الاجتماعي لمنع السلطات من إصدار قرار بهدم أحد أكثر البنايات أهمية في البلاد وفي ذاكرة التونسيين.واعتمدت المنظمة في حملتها على الصلة المزعومة بين النزل ومركبة “ساند كرولر” في فيلم حرب النجوم.وقال المهندس المعماري صحبي غورجي، الذي تم تعيينه من قبل مجموعة استشارية، بهدف عرض خطط ممكنة لإنقاذ المبنى والحفاظ على تصميمه الأصلي “إن المالكين الجدد على دراية بالرمز الذي يحمله الفندق، ورغبة الناس في الاحتفاظ به”.ولكن غورجي لفت إلى أن البناء قد تعرض في أجزاء منه إلى التلف بسبب طول فترة الإهمال بالإضافة إلى أضرار ناجمة عن حريق اندلع بداخله في 2011، ما يجعل عملية ترميمه صعبة ومكلفة.وقالت صفاء شريف رئيسة جمعية “بنايات وذكريات” إن نتائج اختبار مستقل لمهندسين معماريين أشارت إلى أن هيكل المبنى ما يزال سليما، وبالتالي فإن إعادة تهيئته بتصميمه الأصلي ممكنة.
القندق يواجه مصيرا مجهولا منذ أغلق أبوابه في العام 2000 بسبب نزاع بين الورثة. كما يتهدده خطر الهدم وتعتقد المنظمة أن المستثمرين الجدد المستحوذين على النزل باتوا على وعي بهذه المسألة ولم يعد لهم خيار آخر سوى المضي قدما في خطط إعادة تهيئة شاملة للتصميم الحالي.وفي حال نجاح مشروع إعادة التهيئة، تأمل شركة “لافيكو” أن يستعيد نزل البحيرة إشعاعه في قطاع السياحة بتونس كتجربة جاذبة لهواة البنايات المقلوبة.ويمكن أن يتحول النزل إلى نسخة تونسية لتجارب أخرى مماثلة تعتمد النموذج العكسي بشكل كامل.ويعد مثلا “البيت المقلوب” في طرابازون التركية، أحد أبرز المعالم السياحية المثيرة والممتعة، في المدينة السياحية.ويعرف “البيت المقلوب” التركي الذي شيد في أواخر عام 2019 من قبل شركتي “بطل هوليدي” و”كرافت جلوبال”، بأنه مبنى فريد من نوعه وتم بناؤه بشكل مقلوب بالكامل، وهو مكان يقدم تجربة فريدة تجمع بين الترفيه والتسلية والتفاعل.وتقول الشركة السياحية المروجة لـ”المنزل المقلوب” وسط منطقة كاشوستو يومرا السياحية، إنه يجتذب 150 ألف زائر سنويا.كما يعتبر “البيت المقلوب” في النمسا من أغرب الوجهات السياحية ذات الإشعاع العالمي.
نزل البحيرة يمثل رمزا في ذاكرة التونسيين، وهو من المباني القليلة في العالم التي لا تزال تجسد العمارة القاسية وقالت صفاء شريف لـوكالة الأنباء الألمانية “هدفنا في تونس أن نبقي على نزل البحيرة كتحفة معمارية قيمة وفي نفس الوقت أن يتحول النزل إلى مشروع استثماري فعال”.
وعلى الرغم من غربة مبنى “نزل البحيرة” عن محيطه في تونس العاصمة، فقد مثّل لعقود أحد أبرز العلامات البصرية المميّزة للمدينة، وهو من الاستثناءات القليلة التي تخرج عن الوجوه المعمارية الثلاثة السائدة؛ المعمار الفرنسي الكولونيالي والعمارة العربية التراثية إلى جانب العمارات الحديثة المحيطة به.ومنذ سحب البُعد الوظيفي لـ”نزل البحيرة” كفضاء سياحي مع بدايات القرن الجاري بدأ حضور هذا المعلم يخفت في حياة المدينة لكنه لم يغب عن المخيّلة الجماعية، وكل إعلان عن نيّة هدمه يثير من حين إلى آخر موجات من الاحتجاج من المجتمع ومن المعماريين والفنانين، وهو ما حدث حين تداولت وسائل إعلام محلية نية بلدية تونس العاصمة التصريح بهدم المبنى وفي عام 2020، أطلقت كلّ من الفنانة التشكيلية منى سيالة ومهندسة الديكور منى جمال حملة “لا للهدم” لمحاولة إنقاذ مبنى فندق البحيرة من الهدم.وتتمثل هذه الحملة في رسم كلمة “لا للهدم” بالحروف العربية على واجهة النزل لتوعية التونسيين وحشد صفوفهم للتحرك ضد قرار الهدم.
ويقيم المحتجّون على نيّة هدم “نزل البحيرة” حججهم على القيمة الرمزية للمبنى، من ذلك إشارة الكثير من المعماريين إلى أن فرادة المبنى لا تتأتى فقط من جماليته الهندسية وهو الذي يأتي على هيئة مركب بحري ضخم يحاذي بحيرة تونس، بل أساساً لأنه يمثّل نموذجاً نادراً في المنطقة العربية لما يعرف في تاريخ العمارة الحديثة بتيار “البروتاليزم”، والذي يوجد تذبذب في نقله كمصطلح إلى العربية فيسمّى مرة بالمدرسة الخمومية ومرّات بالعمارة القاسية أو الوحشية.ويجد خيار الهدم مستندَه في تغيّر تصوّر المنطقة التي ينتمي لها “نزل البحيرة” فالعقود الثلاثة الأخيرة قد جعلت من الشارع الذي ينتمي له المبنى؛ شارع محمد الخامس، حاضنة للبنوك والفضاءات الكبرى مثل قصر المؤتمرات ومدينة الثقافة وعدد من الجامعات، وهي مبان نفعية يبدو المعلم السياحي دخيلاً عليها، ولا يخفى هنا أن القيمة العقارية للأرض التي يحتلها المبنى قد تضاعفت بشكل لافت خلال عقود، ناهيك عن أن توقّف العمل في الفندق لسنوات قد جعل من العسير إعادة استصلاح المبنى ليقوم بنفس أدواره السابقة.