أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4973
صحافة : واشنطن بوست: تهميش اتفاقيات أبراهام للفلسطينيين غذّى غضبهم ويحوم فوق حرب غزة الحالية!!
12.02.2024

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعده إيساك ستانلي بيكر، حلّل فيه أثر سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب بملاحقة اتفاقيات التطبيع مع دول عربية، وتغيير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأنها السبب في تغذية الغضب الفلسطيني.
ونقل عن مسؤولين سابقين وحاليين قولهم إن هجمات “حماس” كانت مدفوعة بما أحدثته اتفاقيات التطبيع على القضية الفلسطينية وتهميشها. وأشار بداية لتصريحات السفير الإسرائيلي رون ديرمر، الذي استقبله ترامب في مقرّه ببرج ترامب، عام 2016، وسأله عن إمكانية تحقيق السلام، فردّ ديرمر أن السلام مع الفلسطينيين غير ممكن، ولكن هناك إمكانية لتحقيقه مع دول عربية. وهو ما أدى لتغيير ترامب سياسته الخارجية والتركيز على الدول العربية التي رضيت بعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، متخلية عن شرط تحقيق الدولة الفلسطينية. وأشار ديرمر إلى لقائه مع ترامب في بودكاست مع الكاتب الكندي جوردان باترسون، وأكد صحته شخص آخر على معرفة بالحديث.
وأثمرت الجهود اتفاقيات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. وكانت الاتفاقيات، التي عقدت في آخر أيام إدارة ترامب، هي توقيعه في السياسة الخارجية، ولكنها همّشت الفلسطينيين، وربما سرع منظور علاقات سعودية- إسرائيلية من هجوم “حماس” في تشرين الأول/أكتوبر.
ونقلت الصحيفة عن عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” قوله إن اتفاقيات أبراهام كانت “واحداً من الأسباب” لهجوم 7 تشرين الأول، و”عرقلت وعقدت كل الإستراتيجيات والاتفاقيات وحرمت الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني”، مضيفاً أن الهجمات “وضعت الموضوع الفلسطيني على الأجندة الدولية”.
ويرى الكاتب أن الإستراتيجيات التي دفعت باتجاه اتفاقيات أبراهام تلقي ظلاً على الطريقة التي يمكن من خلالها لترامب معالجة الأزمة العميقة في الشرق الأوسط، لو قرر الناخبون الأمريكيون إعادة انتخابه، حيث سيحل محل الالتزام الأيديولوجي من بايدن تجاه إسرائيل مدخل تعاقدي وبعلاقات قوية مع إسرائيل، وتنتج عنه تحالفات وتسويات لا يمكن التكهن بنتائجها.
وتكشف الاتفاقيات عن الطريقة التي استخدم فيها ترامب سلطته الواسعة على السياسة الخارجية، حيث أبدى قلة صبر وغلّب مصالحه الشخصية، وحوّل الملف إلى صهره جاريد كوشنر، تاجر العقارات ومدير صحيفة سابق، الذي وصف ملفه للشرق الأوسط بأنه يشبه صفقة عقارات، حسب شخص مطلع على التعليقات. ونفى متحدث باسم كوشنر التعليقات، ولكنه أكد أن كوشنر كسر الجمود في العلاقات العربية- الإسرائيلية، ومنع إسرائيل من ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية، وحافظ على حل الدولتين. واعتمد في كل هذا على مدخل غير تقليدي مزج فيه العلاقات التجارية ببحثه الواسع. وتم التوصل إلى اتفاقيات أبراهام بطريقة سرية ومنفصلة عن الإجراءات المعروفة في الخارجية الأمريكية، ولم يشارك فيها ترامب كثيراً لأنها لم تكن ترضي طموحاته بصفقة القرن في المنطقة، وحلمه بالحصول على جائزة نوبل. وملأ الفراغ الصقور في إدارته الذين استخدموا المخاوف العربية من تهديد إيران والانفصام في المواقف الشعبية الداعمة لفلسطين والدولة الملكية العربية الراغبة بتحقيق منافع من الاتفاقيات مع إسرائيل وحلفائها الغربيين.
وقال ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق: “لا يشبه الأمر أن هذه الدول قرأت هيرتزل وقررت أن تغير طرقها”، في إشارة لثيودر هيرتزل، و”كل هذه الدول أرادت شيئاً من أمريكا”. وجزء مما تطلبه السعودية كثمن للتطبيع مع إسرائيل، هو طريق نحو الدولة الفلسطينية، أي انحراف عن طريق إدارة ترامب، ما يعني وضع الإدارة الأمريكية في تصادم مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الرافض لفكرة الدولة الفلسطينية.
وستحدد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المسار الذي ستمضي به الإدارة في التعامل مع الإرث المزيج لاتفاقيات أبراهام التي رحب بها نقاد ترامب الأشداء، لكن تداعياتها الحالية ظاهرة.
ويقول السناتور الديمقراطي عن كونيكتيكت كريس ميرفي: “أعتقد أن اتفاقيات أبراهام كانت مهمة جداً، ولكن الكارثة التي نعيش فيها اليوم هي تذكير بأنك لا تستطيع تأمين إسرائيل من خلال العمل الدبلوماسي مع الدول السنية”. وأضاف ميرفي أن عمل نتنياهو مع البيت الأبيض في ظل ترامب ” كان بناء على اعتقاد أنهم يستطيعون دفع الفلسطينيين للاستسلام”، و”أعتقد أننا نعيش تداعيات فشل تلك السياسة”.
وعندما تولى ترامب الرئاسة عام 2016 لم تكن لديه خبرة في السياسة الخارجية ولا تعقيدات النزاع في الشرق الأوسط، ولم يكن يعرف عن الخطة العربية التي تقدمت بها السعودية، والتي اشترطت التطبيع بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وألهمت المبادرة السعودية المبادرات الأمريكية للتسوية، وفي الوقت الذي استقبل فيه ترامب ديرمر بناطحة السحاب العملاقة، كان وزير الخارجية جون كيري يحضر لترك منصبه كوزير للخارجية، ولخص الأمر بالتالي: “لن يكون سلام منفصل ومتقدم مع الدول العربية بدون عملية فلسطينية وسلام فلسطيني”.
ولم تكن أفكار ترامب قوية مثل كيري، لكنه كان مهتماً بالحصول على جائزة نوبل، لأن باراك أوباما حصل عليها، واعتقد أن حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يمنحه الفرصة، حسب قول مساعد له. ووجد مجموعة من المانحين والدبلوماسيين ليعطوه دروساً عن النزاع، منهم إيساك بيرلمتر، الملياردير الإسرائيلي الأمريكي، وصاحب مارفل السابق، وهنري كيسنجر، وديرمر أيضاً، ووزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي.
وفي هذه الأثناء واجه ترامب مجموعة من المعوقات، منها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والذي تعهد به للملياردير والمانح اليهودي للحزب الجمهوري شيلدون أديلسون.
ووجد الرئيس طريقة لإدارة ملف الشرق الأوسط، وهي تسليمه لصهره كوشنر، اليهودي الأرثوذكسي، وابن عائلة لها علاقات عميقة مع اللاعبين في المنطقة. وتعرّفَ على نتنياهو عندما كان شاباً، حيث قضى رئيس الوزراء المقبل أياماً في بيت العائلة، ونام في غرفة كوشنر.
وخلال الحملة الرئاسية لترامب، التقى كوشنر مع ديرمر الحليف القوي لنتنياهو والناقد الشديد لأوباما بسبب اتفاقية إيران. وقال في خطاب بجامعة بنسلفانيا إنه اختار الدراسة فيها بعد قراءته كتاب ترامب “فن الصفقة”.
وتوسعت دائرة كوشنر أبعد من إسرائيل، فقد تعرّفَ على الشيخ محمد بن زايد، الرئيس الإماراتي الحالي، ومستشار الأمن القومي الإماراتي من خلال المستثمر في نيويورك إريك غيرسون. ومن خلال المستثمر توماس باراك، صديق ترامب، تعرف على يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن.
وبحسب كوشنر، رحبت به العائلات الحاكمة في الخليج بأذرع مفتوحة. وكتب في مذكراته: “في العالم العربي، السياسة هي مسألة عائلية وبين أفراد العائلة ولأجيال”، و”وجدوا فيّ كصهر للرئيس، وابن عائلة تجارية شيئاً مألوفاً ومطمئناً”.
وبعد زيارة ترامب إلى السعودية وإسرائيل، في عام 2017، قام كوشنر بزيارات عدة للمنطقة، وخلال لقاء عقد بالقرب من البحر الأحمر، والتقى فيه القادة السعوديين والإماراتيين، أخبر أنه يستطيع تغيير دينامية الشرق الأوسط لو أقنع إسرائيل بخطة تضم دولة فلسطينية كثمن للتطبيع. ولو رفض الفلسطينيون الخطة، فإنهم مستعدون للتفكير في بدائل أخرى.
وتشكّلت خطة كوشنر على مدى عامين، وسط توتر في العلاقات بين ترامب والفلسطينيين بسبب نقله السفارة الأمريكية للقدس ومحاولات نتنياهو وضع بوابات إلكترونية على الأقصى.
الصحيفة: تم اقتراح البحرين من قبل ولي العهد السعودي، حيث تستخدم السعودية الجزيرة المملكة كساحة تجريب للمبادرات. وعندما شاهد ولي العهد الخطة علّق بأنها تبدو من عمل مئات المستشارين في شركة ماكينزي
وقال فريدمان: “قلت لترامب: لن تعقد صفقة مع هذا الرجل [محمود عباس]”، و”تعامل مع الدول العربية”. واعترفَ ترامب أنه همش القيادة الفلسطينية. ورأى ومساعدوه أنهم يستطيعون التلاعب بالأعراف الدبلوماسية، بعدما لم تتحول الاحتجاجات بشأن نقل السفارة إلى القدس إلى تظاهرات واسعة كما توقعوا.
وعن السبب الذي تجاوزت فيه إدارة ترامب الفلسطينيين وهي تعدّ لاتفاقيات أبراهام قال مسؤول إن “نقل السفارة كان مرحلة تجريبية”. وفي الوقت نفسه، عندما زار روبرت سي أوبراين مبعوث الرهائن الإمارات لشكر محمد بن زايد على مساعدته في إطلاق رهينة أمريكي في اليمن، عبّر ولي العهد في حينه عن رغبة بأسلحة أمريكية لمواجهة خطر إيران. وأشار جون راكولتا، السفير الأمريكي في أبو ظبي، إلى أن الرئيس يمكنه مساعدة الإماراتيين بتسهيل صفقة أف-35، والتي يريد الإماراتيون شراءها.
وفي غرفة معيشة بقصر كوشنر، عام 2019، أخبر العتيبة صهر الرئيس أن بلاده مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأقام البلدان علاقات سرية منذ وقت، ولكن بدون اتفاقيات كتلك الموقعة مع مصر والأردن.
وجاءت اتفاقيات أبراهام بعد فشل خطة ترامب الأولية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت الخطة تقوم على جزئين، الأول اقتصادي، وتضمن عقد مؤتمر في البحرين لتشجيع الاستثمار في المناطق الفلسطينية.
وتم اقتراح البحرين من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تستخدم السعودية الجزيرة المملكة كساحة تجريب للمبادرات. وعندما شاهد ولي العهد الخطة علّق بأنها تبدو من عمل مئات المستشارين في شركة ماكينزي.
الجانب الثاني من الخطة هو سياسي، حيث وعد بدولة فلسطينية متقطعة واعتراف بالمستوطنات. وقادت محاولات نتنياهو الاستفادة من سوء التواصل مع ترامب إلى اجتماعات لتسريع ضم مستوطنات الضفة الغربية، ما دفع الإدارة لمنع حدوث هذا، ما قاد لبروز فكرة التطبيع التي طرحها العتيبة على كوشنر، وكتابة السفير الإماراتي مقالة في “يديعوت أحرونوت” للحديث مباشرة للإسرائيليين.
وتسارعت الوتيرة نحو التطبيع، حيث تبعت البحرين الإمارات. أما السودان والمغرب، فقد اقترحت إسرائيل التطبيع معهما. ووافق السودان، كثمن لشطبه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولم يكن لإسرائيل أي دور في المغرب، حيث أخبرت به قبل يوم من الإعلان، في 10 كانون الأول/ديسمبر 2020.
ويرى باحثون أن الدول التي وقّعت اتفاقيات تطبيع لم تكن أبداً في حالة حرب مع إسرائيل، كما هو الحال مع مصر والأردن، كما أن هذه الدول تقيم علاقات سرية وتعاوناً بمستويات مختلفة مع إسرائيل. ورغم الأثر الذي تركته اتفاقيات التطبيع على سمعة الدول التي اعترفت بأكثر من 56 عاماً من احتلال إسرائيل للفلسطينيين، فإن السمعة لم تكن قضية لقادة الخليج، وكما قال مسؤول بارز سابق: “كان من الواضح لنا خلال زيارة المنطقة أن وزارة الخارجية تهتم بالفلسطينيين أكثر من اهتمام القيادة العربية”. وقال شخص آخر إن دبلوماسيين من الخليج ومسؤولين سابقين في إدارة ترامب حضروا عشاء في واشنطن بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض، حيث علّقَ دبلوماسي أن القضية الفلسطينية مهمة جداً لطلاب الجامعات الأمريكية أكثر من الدول العربية. ربما كان هذا موقف لا يعرف وضع الشارع العربي. فحتى قبل هجمات “حماس”، أشارت استطلاعات لمواقف سلبية من اتفاقيات أبراهام، وزادت المواقف حدّة بعد الغزو الإسرائيلي لغزة.
وقال رجل أعمال إن قادة دول الخليج يشعرون بالعصبية من حزم إيران ومسار السياسة الأمريكية والإسرائيلية. ولهذا يقومون بحماية أنفسهم من خلال توثيق العلاقات مع الصين وروسيا في مجال الطاقة والتكنولوجيا والأمن. وقال الشخص: “وهناك أكبر اختراق صيني لم أره من قبل”.
وبالنسبة لدعاة التطبيع، فحقيقة استمراره وعدم قطعه هو الدرس الحقيقي من الحرب الحالية. ويقولون إن الاتفاقيات ليست بدون نكسات أو ثمن. ولكن ثمن التطبيع زاد، وخاصة مع السعودية.