أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4973
واشنطن بوست: باكستان.. عندما لا ينفع قمع الجنرالات ويخطئون الحسابات!!
12.02.2024

علقت صحيفة “واشنطن بوست” على نتائج الانتخابات الباكستانية بأنها دليل على أن السلطات الاستبدادية لا تحصل دائما على ما تريد. وقالت إن من الصعب جدا الفوز في الانتخابات وأنت في السجن، لكن هذا ما حصل على ما يبدو يوم الخميس في باكستان حيث حاول الجيش منع رئيس الوزراء السابق عمران خان الزعيم الشعبي من الترشح، ولكن خططه ارتدت عليه.
وتابعت الصحيفة القول إنه عادة ما يحصل الديكتاتوريون على ما يريدون من خلال سياسة القبضة الحديدية، لكن في هذه المرة لم ينجحوا، مما يعطي صورة عن محدودية القمع.
وتعيش باكستان حالة من التوتر بعد اعتقال لاعب الكريكيت الشهير الذي تحول إلى السياسة في آب/أغسطس. وقبل يومين من العملية الانتخابية صدر ضده حكمان إضافيان بالسجن، لكن حزبه “حركة الإنصاف” استحوذ على 93 مقعدا من 266 في البرلمان الباكستاني. وألقى خان السجين أو شبيه عبر الذكاء الاصطناعي خطاب النصر. ولا تؤهل المقاعد التي حصل عليها حزب خان لتشكيل الحكومة، لكنها كافية لإدخال باكستان في حالة من المقايضات الطويلة لتشكيل ائتلافات، وعلى الأرجح أطول من المدة التي تبعت الإطاحة بخان في عام 2022 وذلك بعد خلافه مع الجيش.
لا تؤهل المقاعد التي حصل عليها حزب خان لتشكيل الحكومة، لكنها كافية لإدخال باكستان في حالة من المقايضات الطويلة لتشكيل ائتلافات
وعلى مدى 75 عاما من عمر باكستان، حكم الجيش إما مباشرة أو من خلف الأضواء، حيث دفع أحيانا وقوض في أخرى الحكومات المدنية التي يراها مناسبة. إلا أن الجيش أخطأ في حساباته هذه المرة.
في تاريخ باكستان، لم ينه أي رئيس وزراء منتخب ولايته بالكامل. وكان المدنيون حريصين على عدم مواجهة القوة الأولى في البلاد، على الأقل مباشرة. لكن خان بعد الإطاحة به زاد تحديه وانتقد مؤسسة الجيش ودعا أنصاره للاحتجاجات الجماهيرية التي تحولت لعنف في بعض المرات. واعتقل الجيش قادة الحزب وداهم بيوتهم وتحرش بأقاربهم. واضطر الكثيرون منهم وتحت الإكراه لنبذ الحزب وابتعدوا عنه وعن خان. كما وتعرض الصحافيون للرقابة ومنعوا من ذكر اسم الزعيم المحاصر. ومنع الحزب من استخدام شعاره في الانتخابات، مضرب الكريكيت، وهي ضربة قوية للحزب حيث تعتبر نسبة الثلث من السكان أمية. واعتبر النقاد الانتخابات بأنها الأكثر مصداقية في تاريخ باكستان، إلا أنها ولهذا السبب أصبحت الأكثر منافسة. ولأول مرة لم يستطع مرشح الجيش المفضل زعيم حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف الحصول على غالبية المقاعد وحل ثانيا. وعزل شريف عن السلطة عام 2017 بعدما فقد دعم الجيش. وفي البداية رأى الجنرالات في عمران خان، روحا جيدة إلا أن شعبيته وسياسته الخارجية المفتوحة وعدم الرجوع إليهم أثارت غضبهم.
اعتبر النقاد الانتخابات بأنها الأكثر مصداقية في تاريخ باكستان، إلا أنها ولهذا السبب أصبحت الأكثر منافسة
وكرئيس وزراء، انحرف عمران خان عن مصالح الولايات المتحدة في الشؤون الدولية، إذ عشية غزو أوكرانيا التقى فلاديمير بوتين في موسكو. ولم يكن من الصعب ملاحظة عدم اهتمام الولايات المتحدة بالديمقراطية الباكستانية أو ما تبقى منها. وفي سؤال حول عمليات القمع الباكستانية قبل الانتخابات، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “هناك مجالات تطور في باكستان نرحب بها”.
وفي يوم الانتخابات أغلقت شبكات الهواتف النقالة ولأوقات طويلة وتم تأجيل الإعلان عن الانتخابات مما أثار الشكوك بشأن التلاعب بالأصوات. وشجبت وزارة الخارجية، يوم الجمعة، الهجوم على الصحافيين والقيود على الاتصالات والإنترنت. كما وعدت بالتحقيق في مزاعم التدخل بالانتخابات.
لكن هذا لا يكفي، فعلى إدارة بايدن في الأيام والأسابيع المقبلة إرسال رسالة قوية وواضحة إلى الجنرالات أن أي هجوم على نزاهة الديمقراطية الباكستانية سيكون بتداعيات على العلاقات الأمريكية – الباكستانية.
أيا كانت الحكومة الإئتلافية التي سيتم تشكيلها، ربما بزعامة شريف وبدعم من الأحزاب المعارضة لخان، فستعاني من غياب الشرعية
وأيا كانت الحكومة الإئتلافية التي سيتم تشكيلها، ربما بزعامة شريف وبدعم من الأحزاب المعارضة لخان، فستعاني من غياب الشرعية، فقد سجل الناخبون في باكستان وضد كل المعوقات عدم رضاهم وشكهم في الجنرالات والجماعات الوكيلة عنهم. وستعاني البلاد من عدم استقرار وسط أزمة اقتصادية خانقة وحاجة لحزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. وهي دروس عادة ما تتعلمها الولايات المتحدة بطريقة صعبة ومتأخرة: الرجال الأقوياء في الدول الأجنبية يعدون بالاستقرار ويمكن الاعتماد عليهم، لكن الاستقرار طويل الأمد لا يأتي عادة من خلال التدخل العسكري في السياسة. وفي حالة باكستان، فعدم استعداد الجيش التخلي عن السلطة لصالح المدنيين أو الناخبين، خلق سياسة محطمة والانتخابات الأخيرة هي تذكير.
وقال إيشان ثارور إن الجيش مع المؤسسة القضائية كانوا يسهلون الطريق لفوز مرشحهم المفضل، إلا أن النتائج أظهرت أن المشرعين الفائزين هم من حزب منع من المشاركة في الانتخابات.
وقد وضعت المعوقات القانونية وأحكام السجن أمام خان لمنعه من المشاركة، إلا أن أنصاره استطاعوا المشاركة كمستقلين. وقد شاهد الناخب الباكستاني القمع الذي مورس ضد حركة إنصاف ويبدو أنهم احتشدوا خلفه. واستطاع حزب خان الوصول إلى الناخبين عبر منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي والتحايل على كل القيود المفروضة عليهم. ومن هنا، فالنتائج التي حصلوا عليها كانت مدهشة و”التصويت كان مظهرا رائعا للتحدي، فقد كان من المفترض أن هذه الانتخابات المعروفة نتائجها مقدما في تاريخ باكستان”، كما يقول عمر واريش من مؤسسة المجتمع المفتوح، و”بدلا من ذلك تحولت إلى ثورة سلمية ضد مؤسسة الجيش القوية”.
وفاز خان في عام 2018، وكان يبدو مفضلا لدى الجيش، في وقت كان يواجه شريف محاكمات وملاحقات قضائية وفر لاحقا إلى المنفى. ويرى خان بعد الطلاق بينه وبين مؤسسة الجيش أن الإطاحة به كانت نتيجة للتآمرات من الدولة العميقة ومزاعم بتدخل أمريكي. ولم ينجح لا الرابطة الإسلامية أو حزب الشعب، الذي يتزعمه نجل رئيسة الوزراء بناظير بوتو، بتحقيق الاستقرار المطلوب، شأن خان الذي كافح للتعامل مع المشاكل الاقتصادية. ولم يستطع الحزبان المنافسان واللذان يداران كإقطاعيات وحاضران دائما في السياسة الباكستانية الحصول على دعم شعبي. ولم يخف على الناخب الباكستاني خطط الجيش لشل حزب خان. وتقول مديحة أفضل، الباحثة في معهد بروكينغز، “تحدى الناخب الباكستاني كل المعوقات والعراقيل الانتخابية لإرسال رسالة واضحة: أنه لم يعد يرحب بتدخل الجيش في السياسة وأنه ترك خلفه الحزبين العائليين اللذين حكما باكستان” و”رسالة كهذه هي لحظة أمل للديمقراطية في باكستان”.