أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4968
صحافة : بوليتكو: حركة التضامن مع فلسطين بين السود الأمريكيين لها تاريخ طويل وتسهم في تغيير الرأي العام!!
31.05.2021

تحت عنوان “نعرف الاحتلال: تاريخ تضامن السود الأمريكيين الطويل مع الفلسطينيين” نشرت مجلة “بوليتكو” تقريرا تساءل فيه سام كلاغ، عن دور حركة “حياة السود مهمة” في حرف النقاش حول نزاع يدور آلاف الأميال بعيدا عن أمريكا.
وأشار الكاتب إلى تصريحات النائبة الديمقراطية عن ولاية ميسوري كوري بوش أمام الكونغرس في 13 أيار/ مايو بعد اندلاع الحرب الأخيرة في غزة “باسم كان واحدا منا”. في إشارة للناشط الفلسطيني- الأمريكي باسم المصري الذي توفي عام 2018 وكان من المشاركين في تظاهرات فيرغسون بولاية ميسوري عام 2014 احتجاجا على مقتل مايكل براون. وقالت: “كفلسطيني، كان المصري مستعدا للمقاومة، التمرد والوقوف معنا” والقتال من أجل “وقف الاحتلال العسكري للشرطة في مجتمعاتنا”.
وقال كلاغ إن العنف الذي اندلع هذا الربيع بين الفلسطينيين والإسرائيليين أدى لتنشيط حس التضامن القوي للسود الأمريكيين مع الفلسطينيين. من لاعب كرة السلة في “بروكلين نيتس” كيري إيرفينغ إلى الممثلة فيولا ديفيس اللذين كانا من الداعمين الأقوياء للفلسطينيين.
استطلاع رأي لمعهد غالوب، أظهر أن غالبية الديمقراطيين تطالب الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل أكثر من الفلسطينيين لحل النزاع. وهي أعلى نسبة تسجل منذ بداية غالوب متابعة هذا السؤال عام 2007
ولعب ناشطو حركة “حياة السود مهمة” دورا في حشد الدعم وتنظيم الاحتجاجات في كل أنحاء أمريكا. وقال ناشط في الحركة بنيوجيرسي: “نعرف الاحتلال ونعرف الاحتجاج ونعرف وحشية الشرطة”.
وجاءت الحرب الأخيرة وسط تحول في الرأي العام الأمريكي. وبحسب استطلاع رأي لمعهد غالوب، أظهر أن غالبية الديمقراطيين تطالب الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل أكثر من الفلسطينيين لحل النزاع. وهي أعلى نسبة تسجل منذ بداية غالوب متابعة هذا السؤال عام 2007.
ويرى المعلقون الذي يمدحون أو يندبون هذا التحول، أنه راجع إلى حركة حياة السود مهمة التي شجعت الأمريكيين للنظر إلى الوضع الإسرائيلي- الفلسطيني من خلال منظور العدالة العرقية. وفي الوقت الذي رفض فيه أمريكيون وأنصار إسرائيل هذا التأطير، وحاولوا تصوير الحرب الأخيرة على غزة بأنها رد إسرائيلي مشروع ضد الصواريخ من غزة، إلا أنه من الواضح أن الكثير من الأمريكيين باتوا ينظرون إلى الأمر بطريقة مختلفة.
ويرى الكاتب أن التحول في الرأي العام قد يؤشر إلى مرحلة جديدة في التاريخ الطويل من تضامن الأمريكيين السود مع القضية الفلسطينية، وهو تاريخ لم يتم فهمه بطريقة جيدة. وجزء من هذا هو أن تأثيره على النقاش الأمريكي العام كان محدودا. وفي السنوات الماضية، حاول ناشطو حركة حياة السود مهمة، لفت انتباه حركات اجتماعية أخرى للقضية الفلسطينية، وتبنى الساسة السود الدفاع عنها في نقاشات السياسة الخارجية الأمريكية. ولكن من النادر أن عمل هذان الشكلان بشكل متتابع وبطريقة يكمل أحدهما الآخر. واليوم يبدو جهدا مرتبطا بين القاعدة الشعبية ومنظميها والمشرعين الذين جاءوا من جذور العمل الشعبي، ويدفعون باتجاه موقف مؤيد وصديق للفلسطينيين. وطالما حركت التجربة المشتركة في مواجهة قمع الدولة وعنفها تضامن السود- الفلسطينيين. ولو استمرت حركة حياة السود مهمة في تشكيل النقاش حول العدالة العرقية في الولايات المتحدة، كما فعلت في العام الماضي فإنها قد تساعد في حرف النهج الأمريكي من المسألة الفلسطينية.
ويعتقد الكاتب أن الكثير من الناشطين السود وفي معظم القرن العشرين عبّروا عن إعجابهم بالقضية الصهيونية التي رأوا فيها معركة واحدة لأقلية مضطهدة في العالم الغربي. وقوّت مشاركة عدد من اليهود الأمريكيين في حركة الحقوق المدنية في الخمسينات والستينات من هذه العلاقة، وخاصة بعدما ضحى عدد من اليهود بحياتهم من أجل هذه القضية.
ثم جاءت حرب عام 1967 والتي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وغزة، وهي حرب تزامنت مع حرب فيتنام التي رأى فيها السود الأمريكيون شكلا آخر من الإمبريالية الأمريكية في الخارج. وتعاملت الكثير من حركات المطالبة بالحرية السوداء مع احتلال إسرائيل لأراضي الفلسطينيين بنفس الطريقة التي نظروا فيها لحرب أمريكا في فيتنام، موازٍ إمبريالي للعنف العنصري الذي عانى منه السود في الولايات المتحدة. ونشرت “اللجنة التنسيقية للاعنف” وهي حركة طلابية بيان “المشكلة الفلسطينية” وصفت فيه الصهيونية بالمشروع الإمبريالي تدعمه “الحكومات الاستعمارية الغربية البيضاء” في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأعلنت حركة الفهود السود (بلاك بانثر) دعمها للمقاومة الفلسطينية التي ظهرت في أعقاب الحرب، وصوّرت فتح والفهود السود بأنهما في “كفاح مشترك” ضد “العنصرية والصهيونية والإمبريالية”. وبالنسبة لجماعات السود الأمريكيين، فالسود هم “مستعمرون داخليا” ويتوازى كفاحهم داخل الولايات المتحدة مع وضع “شعوب العالم الثالث بمن فيهم الفلسطينيون”.
أعلنت حركة الفهود السود دعمها للمقاومة الفلسطينية التي ظهرت في أعقاب حرب 1967، وصوّرت فتح والفهود السود بأنهما في “كفاح مشترك” ضد “العنصرية والصهيونية والإمبريالية”
وأدت حرب عام 1967 إلى موجه من النشاط بين العرب الأمريكيين الذي قاموا بمد الجسور مع الناشطين والساسة السود من نهاية الستينات حتى السبعينات. ودعت منظمة الطلاب العرب قائد “بلاك باور” ستوكلي كارمايكل، للحديث في مؤتمرها العام عام 1968 حيث ألقى خطابا ناريا دعا فيه السود في أمريكا لدعم الثورة الفلسطينية وقال فيه: “للفلسطينيين حق في فلسطين”.
وعملت جمعية الخريجين العرب الأمريكيين على مسار آخر، حيث ركزت على علاقة إسرائيل الاقتصادية والعسكرية مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وحاولوا الضغط على المشرعين في الكونغرس وبخاصة المجموعة السوداء، ودعموا حملة شيرلي كيشولم الرئاسية عام 1972. وشكّل العرب الأمريكيون منظمات عمالية في ميتشغان، وفي مصانع السيارات “مجموعة العمال العرب” في 1973 والتي شكلت نفسها بناء على مجموعات العمال السود التي شكلت من أجل تحدي الممارسات العنصرية في شركات صناعة السيارات و”اتحاد عمال السيارات”. وبدعم من العمال السود، نجح العمال العرب بالضغط على النقابة المحلية لسحب استثماراتها من السندات الإسرائيلية. وقويت العلاقة بين العرب الأمريكيين والسود عبر التظاهرات الحاشدة المعارضة لحرب فيتنام، بالإضافة لتظاهرات السود في المدن الأمريكية التي وضعت الموضوع الفلسطيني على أجندة اليسار الأمريكي، بدون أن يكون له أثر على السياسة الرسمية.
وبحلول عام 1980 تبددت الرابطة القوية بين السود- الفلسطينيين، فمثل بقية المؤسسات عانت من خلافات داخلية حول القيادة أو تلاشت بسبب رقابة الأجهزة الأمنية. وترافق هذا التدهور مع تراجع أهمية “العالم الثالث” كفكرة استخدمتها الحركات للتعريف بنفسها. ومع تراجع حركات التخلص من آثار الاستعمار بمنتصف القرن العشرين، توقفت الكثير من حركات النشاط السود الأمريكيين عن رؤية صراعها ضد العنصرية داخل أمريكا كجزء من حركة عالمية واحدة.
ولكن عددا من السياسيين السود حملوا راية الدفاع عن القضية الفلسطينية وعملوا على دعمهما من مناصبهم العالية وعلى المستوى الدبلوماسي ومن داخل الحزب الديمقراطي. وابتعدا هؤلاء عن دعم المتشددين السود للثورة الفلسطينية، وحاولوا التفاوض على تسوية تعطي الفلسطينيين استقلالية واسعة.
وفي عام 1979 تعرض السفير الأمريكي في الأمم المتحدة والناشط السابق في حركة الحقوق المدنية أندرو يانغ لضغوط كي يستقيل بعد مقابلته ممثلا عن منظمة التحرير الفلسطينية. وتركزت المعركة في الإعلام بعد استقالة يانغ على تدهور علاقة السود- اليهود في أمريكا، ولكنها أدت لتمرير نقطة مؤيدة للفلسطينيين في النقاش العام الأمريكي.
وقاد أحد المدافعين عن يانغ، وهو القس جيسي جاكسون وبعد استقالة يانغ مباشرة وفدا إلى الشرق الأوسط والتقى مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين بمن فيهم ياسر عرفات. ودفع جاكسون لمحادثات مباشرة بين أمريكا ومنظمة التحرير، بل وألمح للموازاة بين كفاح الفلسطينيين والسود في أمريكا “نفهم دوامة الإرهاب والألم” و”لو كانت أمريكا حرة للحديث، فربما بحثت عن مصالحة”.
وسيترك جاكسون آثاره العميقة على مواقف الأمريكيين من إسرائيل- فلسطين بعد عقد تقريبا، ففي حملته الرئاسية لعام 1988، تعاونت حملته مع المعهد العربي الأمريكي لتمرير قرارات تؤيد حل الدولتين في مؤتمرات الحزب الديمقراطي. وفي عام 1988 وأثناء المؤتمر العام للحزب الديمقراطي قامت وفود جاكسون بتوزيع العلم الفلسطيني والقمصان كجزء من إضافة مادة إلى برنامج الحزب. ورغم رفض الحزب تبني الموضوع، إلا أن رفض جاكسون التخلي عن الموضوع أدى لفتح ما أسماه المؤرخ نيخيل بال سينغ “أول حوار عام بشأن حل الدولتين في الشرق الأوسط”.
وفي بعض الأحيان استخدم جاكسون لغة تشبه التضامن الأسود- الفلسطيني في الستينات، وقال مرة: “نفهم الاحتلال لأننا نعيش احتلالا”. لكنه ظل حذرا في لغته، فبدلا من الدعوة لدعم الثورة الفلسطينية كما فعل كارمايكل قبل عقدين، دعا إلى لعب أمريكا دورا العراب الشريف في التسوية السلمية، وحتى عندما تحدث عن علاقة إسرائيل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وتمثل جهود جاكسون ويانغ محاولات من السود الأمريكيين التأثير مباشرة على صناع السياسة بدلا من مواصلة عمل الناشطين في الستينات والسبعينات لبناء ضغط من القاع إلى القمة.
يظل الطريق أمام “حركة حياة السود مهمة” التي تناصر الفلسطينيين والحزب الديمقراطي طويلا، لكن أحداث الأسابيع الأخيرة والتغير في مواقف المعتدلين في الحزب من الدعم المطلق لإسرائيل، يُظهر أنهم بدأوا يردون على مواقف الرأي العام
واليوم يحاول السود الأمريكيون تبني الإستراتيجيتين بالتوالي، حيث تقوم حركة “حياة السود مهمة” بتعزيز عمل المشرعين السود في الكونغرس ومواقفهم من فلسطين. ففي عام 2017 دعم 11 عضوا في مجموعة السود بالكونغرس مشروع قانون تقدمت به النائبة عن مينيسوتا بيتس ماكولام لمنع استخدام الدعم الأمريكي لإسرائيل في احتجاز الأطفال الفلسطينيين.
لكن الجيل الجديد من المشرعين السود الذين جاء معظمهم من حركة النشاط الشعبية مثل إلهان عمر وأيانا بيرسلي وكوري بوش وجمال بومان اتخذ مواقف أكثر قوة من أعضاء مجموعة السود الأمريكيين في الكونغرس، وكان آخر موقف لهم هو دعم مشروع قرار لمنع صفقة سلاح بقيمة 735 مليون دولار إلى إسرائيل.
ويظل الطريق أمام “حركة حياة السود مهمة” التي تناصر الفلسطينيين والحزب الديمقراطي طويلا، لكن أحداث الأسابيع الأخيرة والتغير في مواقف المعتدلين في الحزب من الدعم المطلق لإسرائيل، يُظهر أنهم بدأوا يردون على مواقف الرأي العام. وبدت المواقف واضحة بين الشباب اليهودي الأمريكي الناخب للحزب الديمقراطي والناقد الآن لسياسات إسرائيل.
واستفادت النائبة رشيدة طليب، الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس من التغيرات، وجلبتها إلى داخل النقاش الداخلي في الحزب. وربما كان التعاون بشأن قرار يتعلق بصفقة سلاح أمرا بسيطا لكنه يمثل تحولا في المواقف بطريقة لم يجربها لا كارمايكل ولا جاكسون من قبل. وأكدت التعبيرات المتضامنة بين السود- الفلسطينيين على التجربة المشتركة في مواجهة عنف قوات الأمن.
وفي مواجهة مع قوات الشرطة في حي الشيخ جراح، عندما وضع شرطي إسرائيلي ركبته على رقبة فلسطيني سمع وهو يقول: “لا أستطيع التنفس” وهو ما سجل من كلام لجورج فلويد الذي قتل على يد شرطي في مينابوليس بولاية مينيسوتا. وهتف متظاهرون في الذكرى السنوية لمقتله ببروكلين في نيويورك “حرروا فلسطين”. وطالما ظل الحشد والتعبئة حول معاناة السود والفلسطينيين من عنف الأمن والدولة فحركة التضامن ستظل نامية ولديها كل الأسباب للحياة.