أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
مقابلة : مرعي - سروان: الأطفال الضحية الأولى لاقتلاع بدو النقب
بقلم : سليمان أبو ارشيد ... 03.08.2019

د. ابتسام مرعي - سروان:هدم البيوت يشكل الخطر الأساس على سلامة وأمن الأطفال في النقبالعرب البدو يشكلون 30% من سكان النقب ويسكنون على 2% من الأرض فقط80% من أطفال القرى غير المعترف بها تحت خط الفقر و56% يعانون من فقر الدم في عام 2015، جرى هدم 982 بيتًا وفي السنوات اللاحقة تصاعدت وتيرة الهدم
يشكل خطر هدم البيوت والإجلاء عن الأرض بالنسبة لسكان القرى غير المعترف بها في النقب، تهديدا متواصلا وأساسيا على سلامة وأمن أولادهم، ويعيش البدو في النقب، ولا سيّما النساء، ظروف حياة صعبة في ظل الاضطهاد المتواصل ومسلسل التهجير الهادف إلى اقتلاعهم من أرضهم، والتأثير على ثقافتهم.
وفي حين يُنظر إلى سياسة الحكومة على أنها العامل الأساس الذي يتسبب بمشاكل البطالة الأكثر صعوبة، ومستويات الدخل، والتحصيل التعليمي الأكثر انخفاضا، فإن عمليات هدم البيوت تخلق إحساسا عاما بانعدام الأمن بين الأمهات كذلك، بينما تشكل حالات الاضطهاد والتمييز مسًّا عميقا بالحقوق الأساسية للعائلات، وبقدرتها على حماية أبنائها والدفاع عنهم، في وقت تتحول الدولة التي يفترض بها أن توفر برامج لدرء المخاطر عن الأولاد، إلى مصدر الخطر المركزي.
د. ابتسام مرعي - سروان بحثت في إطار دراستها للقب الدكتوراه في العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية، بفحص مفهوم الأخطار والحماية لدى الأطفال من وجهة نظر الآباء والأمهات في القرى غير المعترف بها في النقب، في ظل مساكن تراوح بين الخيام وبيوت الصفيح والمباني المؤقتة، وفي ظروف إقصاء واقتلاع واضطهاد بنيوي خطير.
د. ابتسام مرعي - سروان
وتقع النساء المشاركات في البحث، كما تقول سروان؛ على الحدود الفاصلة بين مجتمع شبه بدوي صاحب ثقافة تقليدية أبوية بادية، وبين حدود المدن التي تمارس نمط حياة أكثر انفتاحا وتتوفر فيها المزيد من الموارد، ويواجهن معوقات مثل محدودية الانخراط في التعليم، وفي سوق العمل.
وتؤكد سروان في مقال نشرته مع آخرين حول هذا الموضوع، أن اقتلاع البدو من أرضهم وتركيزهم في منطقة "السياج"، شكل سببا رئيسيا في انخفاض مستوى حياتهم عموما، والنساء بشكل خاص، بعد أن خسروا مصادر العيش التقليدية المتمثلة بالزراعة وتربية المواشي، وهو ما أدى إلى المس بمكانة المرأة التي تقلصت حدود صلاحياتها إلى الأعمال البيتية وإنجاب وتربية الأطفال بشكل عام، في ظروف تقع فيها البيئة البيتية تحت خطر دائم بفعل سياسة هدم البيوت، لذا فقد حاور "عرب 48" سروان للوقوف على أهم النقاط في بحثها حول النقب وأهله، والخطر الدائم الذي يعيشونه، وتأثير سياسة هدم البيوت على أطفال النقب.
عرب 48: بحثك الذي ركز على المخاطر التي تواجه الأطفال في القرى غير المعترف بها في النقب، ألقى الضوء على ظروف الحياة في القرى مسلوبة الاعتراف ومعاناة أهلها التي تزيدها قضية هدم البيوت تفاقما، ماذا تقولين بشأن ذلك؟
مرعي - سروان: كان من الضروري لأجل فهم المخاطر التي تهدد الأطفال وعائلاتهم، أن نفهم السياق التاريخي الثقافي الاجتماعي والسياسي، والظروف الحياتية التي يعيشها العرب البدو في النقب، كأن نعرف أن نصف سكان النقب العرب، أي ما يقارب 120 ألف إنسان؛ يعيشون في 36 قرية غير معترف بها، ما يعني حرمانهم من وسائط الحياة العصرية الأساسية مثل المياه والكهرباء والشوارع والخدمات التعليمية والصحية.
عدم اعتراف الدولة بهذه القرى يعرض أهلها للكثير من المخاطر والظلم، إذ تشير المعطيات إلى أن 80% من الأطفال في القرى غير المعترف بها، الذين يشكلون 60% من المجتمع البدوي، يعيشون تحت خط الفقر، كما أن 56% من الأطفال يعانون من فقر الدم، بسبب الفقر وسوء التغذية وعدم توفر الخدمات مثل المياه والكهرباء، في حين تزيد نسبة الوفيات بين الأطفال بـ3.5 ضعفا من المعدل العام في البلاد، ومن الجدير الإشارة في هذا السياق إلى أن البدو الذين يشكلون 30% من مجمل سكان النقب، يعيشون على 2% فقط من أرضه، ولا يتعدى مطلبهم بعد الاعتراف بقراهم، السكن على 5.2% من الأرض فقط.
عرب 48: أنت تبحثين في حماية الأطفال من المخاطر التي تتهددهم في مثل هكذا ظروف لا يوجد فيها "بصيص أمان"، إذا صح التعبير، أليس كذلك؟
مرعي - سروان: عندما كنت أعرض هذه المعطيات في أيام دراسية، وخاصة المعطى المتعلق بالنسبة التي يسكن عليها البدو من مجموع مساحة النقب، كانوا يستغربون لأن الدعاية الحكومية تصورهم غزاة ويسيطرون على كل أراضي النقب وليس على 2% من أرضه فقط، وفي المقابل تواصل الحكومة الإسرائيلية تجاهلها لأزمة السكن، والأهالي لا يستطيعون شراء شقق في مدينة بئر السبع بسبب ضيق الحال، من جهة، ويُمنعون من البناء على أرضهم، من جهة أخرى، إذ تشير المعطيات إلى أن السلطات هدمت في عام 2015، حوالي 982 بيتا، فيما ازداد العدد في السنوات اللاحقة.
النساء في النقب يدفعن ثمن الاقتلاع (أ ف ب)
عرب 48: فهمت أنك قمتِ خلال البحث بمقابلة ومرافقة نساء من أكثر من قرية ولفترة سنوات، هل هذا صحيح؟
مرعي - سروان: النساء لم يكنَّ بالنسبة لي مجرد موضوع بحث، فقد عشت وعايشت قضيتهن وما زلت أحاول إثارتها ورفعها إلى كل منبر، ناهيك عن المودة والصداقات التي نشأت بيننا والمشاريع المشتركة التي أنشأناها، مثل روضة الأطفال وغيرها. لقد عملت على موضوع الدكتوراه بين عامَي 2013 و2011، إذ شاركتُ 60 أم من ستّ قرى غير معترف بها، وشمل ذللك زيارات بيتية متواترة ومقابلات شخصية واستبيانات وتصوير فيديو، وعملت على موضوع البوست دكتوراه بين عامَي 2017 و2019 مع 30 طفلا بعمر 4- 5 سنوات، وشمل ذلك أيضا زيارات بيتية لكل طفل والتعرف على ظروف حياته وبيئته، إضافة إلى العمل معهم كمجموعة واللجوء إلى وسائل تعبير حسية مثل الرسم وغيره.
عرب 48: وما هي أهم استنتاجاتك؟
مرعي - سروان: إحدى الأمهات التي تحدثت عن الصدمة التي أصابت الأطفال عندما شاهدوا عدد الجنود وأفراد الدوريات الخضراء الذين رافقوا وقاموا بحماية الجرافة لهدم أحد البيوت. تقول الأم، إن الجنود دخلوا ولم يكن في القرية سوى النساء والأطفال، وبدأوا بإطلاق الرصاص المطاطي الذي يمكنه أن يخترق جسد طفل بعمر سنتين ويخرج من الناحية الأخرى، وبيّنت الأم أنه إضافة إلى الضرر المادي الناشئ عن هدم البيت، فإن مشاهد عملية الهدم والجرافة الضخمة والجنود المدججين بالسلاح، تشكل كابوسا مزعجا يبقى يرافق الأطفال لِليالٍ طويلة، وهناك أم أخرى قالت: "نحن البدو كأننا شفافون لا ترانا الدولة إلا عندما نبني بيتا أو عندما نقوم بتوسيع بيت قائم، لغرض تزويج أحد أبناء العائلة، إذ تأتي حينها بجرافاتها وجنودها وتهدم كل شيء"، بينما يقول أحد الآباء إنه أصبح يخجل من النظر في عيون أبنائه، مبينا: "عندما يأتي الجنود ويهدمون البيت وأنا عاجز عن حمايته وحمايتهم، كيف أشرح لهم أنني لا أستطيع أن أقف في وجه 40 جنديا مدججين بالسلاح؟".
عرب 48: وماذا عن المخاطر البيئية؟
مرعي - سروان: في إحدى القرى التي تفتقر للكهرباء ينتصب بجانب أحد البيوت عامود كهرباء ضخم، يبدو أنه يوزع الكهرباء للمستوطنات المجاورة. في ذلك البيت الذي تسكنه عائلة لها أربعة أطفال، توفي طفلان من مرض السرطان والثالث مازال يعاني من المرض، وفي ذلك تقول الأم البالغة من العمر 27 سنة: لا أحد يستطيع إقناعي بأن لا علاقة لعامود الكهرباء الضخم بالمرض اللعين وبموت أطفالي، وعندما أحدثها عن الأخطار تقول كل شيء في حياتنا خطر ونحن نعيش تحت الخطر، وبالطبع هناك مخاطر أخرى تتعلق بالحياة الاجتماعية، مثل الإهمال الذي يتعرض له الأطفال نتيجة تعدد الزوجات وغيرها من العوامل، إلا أنها تُهَمَّش مقارنة بالمخاطر الناتجة عن الاقتلاع وهدم البيوت وغيرها من نتائج عدم الاعتراف بالقرى.
عرب 48: مقابل الظلم والاضطهاد وظروف الحياة الصعبة، هناك صمود وإصرار على البقاء، ربما لمستيه بشكل مباشر. ماهي العوامل التي تغذي هذا البقاء والصمود والاستمرار رغم كل شيء؟
مرعي - سروان: لاحظتُ أن غالبية الأُسَر لديها قدرة على البقاء والتأقلم مع الظروف الصعبة، لقناعة أفرادها بأن هذه الأرض أرضهم وأنهم ينتمون إليها وإلى المكان الذي يسكنونه بعمق، كما أن هناك عوامل تتمثل بالترابط الأسري والتكافل لدى العائلة الموسعة، التي يسند بعضها بعضا، إضافة إلى العامل الديني والإيمان بقدر الله وقضائه الذي يهون عليهم الكثير من المصائب والمآسي، ويمدهم بالقدرة على البقاء والاستمرار.
عرب 48: تحدثتِ عن ورشات رسمٍ قمت بها مع الأطفال خلال بحث البوست دكتوراه?
مرعي- سروان: في بحث البوست دكتوراه، ارتأيت أن آخذ الأطفال الذين كانوا مادة البحث في رسالة الدكتوراه، وأسمع منهم، فكانت المهمة أكثر صعوبة لأن وسائل التعبير لدى أطفال في جيل 4 و5 سنوات محدودة، وكان الرسم إحدى هذه الوسائل كي تساعدهم على التعبير. فمثلا، أحد الأطفال وهو يسكن في قرية مجاورة لمطار عسكري، رسم طائرة ضخمة فوق بيت محاط بدخان أسود، وعندما سألته عن السواد قال إنه رسم دخانا أسود كي لا تتمكن الطائرة من رؤية البيت، وكان قد حدثني أنه عندما يرى طائرة كان يضع يديه على أذنيه ويركض للاختباء في البيت.

**ابتسام مرعي - سروان: محاضرة وباحثة في العمل الاجتماعي والطفولة المبكرة. أنهت اللقب الأول والثاني والثالث في الجامعة العبرية بالقدس، والبوست دكتوراه في معهد "موفيت" في تل أبيب. كان بحثها في رسالة الدكتوراه بعنوان؛ "التعلق العاطفي والمخاطر التي تواجه البدو في القرى غير المعترف بها في النقب من منظور متعدد السياقات"، وبحثت في إطار البوست حمل موضوع البحث اسم؛ "النظر خلال أعينهم: تصورات المخاطر والأمان بين الأطفال البدو في القرى غير المعترف بها في النقب". وتعمل مُحاضِرة في الكلية الأكاديمية العربية في حيفا، وفي كلية سخنين لتأهيل المعلمين.

***المصدر : عرب48
1