أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
الخمينائية في مواجهة الترامبية !!
بقلم : سهيل كيوان  ... 09.01.2020

منذ قيام الثورة الخمينية في إيران، أصبحت مصالح أمريكا في خطر، فقد جاء من ينافسها ليحتل مكانها في الهيمنة على المنطقة، مستغلا العامل الديني والمذهبي، وهو ما عُرف بمحاولة تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار، ليأخذ الصراع صبغةً أيديولوجية، ولكنه في جوهره صراع على السيطرة والهيمنة.
هذا الصراع تلتهب نيرانه وترتفع تارة، وتنخفض تارة أخرى، حسب مصالح وتكتيكات الطرفين، مثال ذلك حقبة تقاطع المصلحة المشتركة ضد نظام صدام حسين، حتى تدمير العراق وتسليمه للقوى الموالية لطهران.
هناك محرك أيديولوجي في عداء أمريكا لإيران ما بعد الشاه، هذا يظهر جليا وبحدّة لدى ترامب، المغالي في عدائه للإسلام السياسي، سواء كان خمينيًا شيعيًا بقيادة آيات الله، أو إسلامًا سنيّا على نمط المرحوم محمد مرسي وحماس، وحتى إسلام أردوغان المعتدل، الذي يُحاسَب على الموقف اليومي، وهذا ينعكس على وضع الليرة التركية، كل يوم بيومه. في خطابه صبيحة أمس الأربعاء، بعيد الضربة الصاروخية الإيرانية لقاعدتين أمريكيتين في العراق، أعلن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، بأن ما حدث هو صفعة لأمريكا، ولكن الانتقام شيء آخر. وهذا يعني أنه إذا لم تردّ أمريكا على قصف قاعدتيها في بغداد وأربيل، فإن هذه الجولة في طريقها إلى التراجع، أما الانتقام فهو طويل الأمد والنَفَس، ويعني تفعيل وتنشيط أذرع إيران في المنطقة والعالم ضد مصالح أمريكا وقواعدها في مواجهة غير مباشرة.
المرشد الأعلى علي خامنئي انتهز الفرصة واستغل الأجواء المشحونة عاطفيًا، لاتهام المنتفضين ضد الغلاء في بلاده قبل شهرين بأنّهم خوَنة، وبأن قيادتهم جلست في دولة أوروبية مع الأمريكيين، وخطّطوا لما سماه أعمال الفوضى في إيران، بهدف زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية، ولم يتوقف المرشد علي خامنئي عند وصف المنتفضين في إيران بأنهم خونة، بل وصف ما جرى ويجري في سوريا والعراق ولبنان بالمؤامرة الأمريكية، أحبطها المقاتل الشجاع قاسم سليماني. هذا يعني ويؤكد بالنسبة إلى شعوب المنطقة الطامحة إلى الحرية، بأن جوهر المواجهة هو بين طرفين للشر وليس خيرا وتحرّرا في مواجهة قوى الاستكبار والاحتلال، ولا ديمقراطية في مواجهة التعصب الديني والقمع الديكتاتوري، فليس في هذا خير ولا في ذاك، كلاهما له أطماعه ومشاريعه المغلّفة بأطر أيديولوجية وفكرية تارة، وتارة بوقاحة مكشوفة، كما حال ترامب، واحدة دينية غيبية مذهبية، وأخرى عِرقية دينية مركّبة على صهيونية على عنصرية بشعارات حريّة وديمقراطية، أما الملعب والضحايا فهما المنطقة العربية وشعوبها، التي دفعت وما زالت تدفع، وسوف تستمر في دفع الثمن من مواردها وأرواح أبنائها على مذبح هذين القطبين الشّرسين. ترامب كائن عدواني، لم يصمد أمام إغراء فرصة اغتيال قاسم سليماني، فهو يرى في اغتياله بعد قتل البغدادي إنجازًا شخصياً يُسجّل له، وسوف يستثمره في مواجهة من يحاولون الإطاحة به وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي ضربة يستغلها نتنياهو أيضًا، فقد اعتبر أن تهنئة ترامب بهذا الإنجاز واجبة، وسوف ينتهز الفرصة المواتية كي يلمّح بأن الفضل في عملية اغتيال سليماني يعود إلى صداقته الشخصية مع ترامب، هذا يعني أن الظّرف الداخلي الذي يمر به ترامب سرّع في اتخاذ قرار الاغتيال.
خامنئي وصف ما جرى ويجري في سوريا والعراق ولبنان بالمؤامرة الأمريكية، أحبطها المقاتل الشجاع قاسم سليماني
إيران في وضع لا تحسدُ عليه، فهي تريد ردّا مؤلما لأمريكا، يوازي الألم الذي سبّبه لها اغتيال سليماني ورفاقه، ويشفي صدور ملايين الإيرانيين الذين رأوا دموع القيادة الروحية، ودماء القتلى نتيجة الغارة الأمريكية، ونتيجة التدافع في موكب التشييع منسجمة مع عقيدة دماء الحسين، والتضحية والمظلومية في مواجهة العدوان والتكبر، وبلا شك أن ترامب يوحي، بشكل ما، لدى ملايين الإيرانيين بأنه يزيد بن معاوية المعاصر، إلا أن القيادة الإيرانية في الوقت ذاته حذرة من تجاوز وجبة الانتقام المباشر، التي بإمكان ترامب وإدارته ابتلاعها، فهي تطلب انتقامًا حذرا لا يؤدي إلى مواجهة شاملة، لإدراكها أن النتائج لن تكون في صالحها، وقد تهدد النظام برمّته، وهذا ما أعلنه وزير الدفاع الإيراني بأن «ردّنا المقبل يتعلق بالرّد الأمريكي»، على الهجمة الصاروخية، بمعنى أنه إذا ردّت أمريكا بيد ثقيلة، فسترغمنا على الرد ولا داعي للإحراج، ولكن إذا لم تردّ، فإننا سنعود إلى مباراة الشطرنج وعلى نار ذات لهيب منخفض.
من ناحيته يريد ترامب أن يعود برأسيّ البغدادي وسليماني، من دون تورّط في مواجهة شاملة لا يستطيع التنبؤ بنتائجها الاقتصادية على الأقل، فإذا اكتفت إيران عند هذه الصفعة، فسيكون حامداً شاكراً لأن بمقدوره ابتلاعها، وهو ما غرّد به «كل شيء على ما يرام». فهو ما زال رابحًا في هذه الجولة في الضربة الموجعة جدًا للقيادة الإيرانية، ولكن إذا زادت إيران من حجم وجبة الردّ، فسيُحرج ويضطر إلى الردّ كي يحافظ على ما أنجز، وهي سياسة نتنياهو نفسها، ضربةٌ واغتيال فردٌ محسوبٌ فتهدئة مؤقتة، الآن تسعى دول كثيرة ووساطات للعمل على وقف هذه الجولة، وبين اغتيال وردّ وردّ وتهدئة مؤقتة وأخرى، تستمر شعوب المنطقة في دفع الثمن.

1