أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
عنصرية كمان وكمان!!
بقلم : سهيل كيوان ... 17.08.2023

سنت الحكومة الفاشية الجديدة قانوناً جديداً يجيز لـ1172 بلدة في إسرائيل رفض سكن المختلف ثقافيا فيها، بعدما كانت 942 بلدة فقط. المختلف ثقافياً، هو التسمية غير المباشرة للعربي الفلسطيني، وليس فقط الفلسطيني، بل أي عربي حتى ذلك الذي يخدم في جيش وشرطة الاحتلال، ومصلحة السجون، فهو مختلف ثقافياً. لجان القبول في كل واحدة من هذه البلدات، مؤلفة من خمسة أعضاء، أحدهم عضو ممثلٌ عن الصهيونية العالمية. هذه العنصرية ليست ابنة عامها أو عقدها، بل ترتقي فوق ما أسسهُ آباء وأجداد الحركة الصهيونية، من مختلف الأطياف السياسية، الذين رأوا، بقاء جزءٍ من الشعب الفلسطيني في وطنه، خطأ تاريخياً يجب إصلاحه عندما تسنَح الفرصة.
الحكومة الجديدة عدّلت قانون القومية، وأضافت إليه بنداً ينص على أن “أرض إسرائيل” ملكٌ للشعب اليهودي، وبهذا تنفي حق العربي في امتلاك الأرض، ولكنها في الواقع لم تضف شيئاً على قوانين دائرة أراضي إسرائيل، التي تمنع بيع الأرض لغير اليهود. زيادة في المد العنصري وتعميقه ولأجل التميز عن سابقيه، أعلن وزير المالية الفاشي سموتريتش حجب ميزانيات تطوير كانت مقررة للسلطات المحلية العربية تقدر بـ200 مليون شيكل، ويتوعد بحجب ميزانيات أخرى تخص الثقافة والنشاطات اللامنهجية في المدارس والمراكز الجماهيرية وغيرها، كي لا تصل الأموال إلى جهات “تخريبية”، أي أن الجهات التي تعلم الأطفال الشطرنج والعزف على آلة القانون وتسعى إلى تطوير ملكة الإبداع والمسرح لدى الأطفال العرب، وتلك التي تعلمهم الدبكة الفلسطينية أو تحكي لهم عن نكبة شعبهم تعتبر جهات تخريبية.
من جهة أخرى فإن الدولة تجبي الضرائب من المواطنين غير المرغوب فيهم، ومن حق دافع الضرائب، سواءً أحبته الدولة أم كرهته أن تعود عليه هذه الضرائب بالفائدة، مثلما تعود إلى دافعي الضرائب من الجمهور الذي تحبه الدولة، ومن ضمن الحقوق أرضٌ تخصصها الدولة للأزواج الشباب للبناء بأسعار معقولة أو شقق مدعومة، خصوصاً لمن لا يملكون أرضا، وهو حال أكثر المواطنين العرب الذين تختنق بلداتهم اكتظاظا بهم، ويملكون أقل من 3% من الأرض، بينما نسبتهم من السكان تصل إلى 20% ، وتملك الدولة 94% من الأرض، لأن أكثرها بالأصل أراضي المدن والقرى الفلسطينية المهجرة والمصادرة. حكومة اليمين الفاشي تدفع بقوة إلى عزل العرب عن الدولة وليس فقط لترسيخ مكانتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بل لتدفعهم خارج إطار المواطنة إلى خانة العداء المباشر، هذا التصعيد من علامات فقدان الدولة لثقتها في نفسها، وقلق قادتها واضطرابهم جراء التطور الطبيعي للعرب، الذين تجاوزوا الكثير من العقبات التي راكمتها حكومات إسرائيل المتعاقبة أمامهم، لإفشالهم ودفعهم إلى اليأس والهجرة، إلا أن هذه السياسة نجحت في تهجير عشرات آلاف العائلات، ولكن ليس إلى خارج وطنهم، بل إلى المدن المختلطة مثل الناصرة العليا (نوف هجليل) التي أقيمت أصلاً لمحاصرة تطور الناصرة العربية، إذ أصبح 40% من سكانها من العرب، هذا الأمر ينطبق على مدن مثل كرمئيل وحيفا وعكا، وحتى إيلات وبئر السبع التي انتقلت إليها آلاف العائلات العربية، وهذا يزداد عاماً بعد عام، وذلك لنفاد مساحات البناء في البلدات العربية، والدولة التي بنت أكثر من 1000 بلدة جديدة منذ قيامها، لم تقم بلدة عربية واحدة، أي أنها تريد إبقاءهم على المساحة المتضائلة منذ النكبة بشكل مستمر، رغم زيادتهم العددية من 150 ألفا إلى أكثر من مليون ونصف مليون من غير سكان القدس والجولان، وتسعى بهذا إلى تحويل البلدات العربية إلى مخيمات كبيرة. هذه السياسة التي تزداد تطرفاً، لن تكون أكثر نجاحاً من سابقاتها، وحرمان العرب من أبسط حقوق المواطنة سيدفع المترددين منهم إلى مزيد من التمسك بهويتهم العربية الفلسطينية، ومن تلاحمم بعضهم ببعض ومع الأجزاء الأخرى من أبناء شعبهم في فلسطين التاريخية والشتات، ويقربهم أكثر وأكثر من البوتقة التي توحد الشعب الفلسطيني، بعد عقود من محاولات مستمرة لتفتيته ومحو ذاكرته وهويته، في المحصلة، صحيح أن هذه السياسة تضيق أكثر وأكثر على الفلسطينيين، ولكنها أزمة للقيادات الصهيونية المُمعِنة في المزيد من القمع والبطش ونهب الأرض والمضي في طريق مُظلمٍ مسدود.

1