تعرف يا محمد أن مثلي لا يمكن أن يتابع هكذا برنامج (أرب آيدل)، لكنني مع ذلك لا أستنكف نهائيا عن مشاهدة بعض الحلقات، والاستمتاع بأصوات جميلة لشابات وشباب وهبهم الله نعمة الأصوات الجميلة، فطمحوا أن يذيعوها، ويتفرغوا لها، ويعيشوا منها ولها، شهرة، وحياة ميسورة سعيدة، وهذا من حقهم.
أول مرّة استمعت لك قلت: هذا فنان، وهو قادم لا محالة، وانشددت وانجذبت لصوتك النادر الذي وصفه صديق يفهم في الموسيقى والأصوات بأنه (نوار)، يعني صاف قوي، بعدّة طبقات، قادر على الغناء من الـ(قرار) حتى الأفق البعيد.
قلت : هذا فنان لن يتألق لأنه فلسطيني، فكتاب التوصية بموهبته هو صوته الذي لا يمكن لأحد أن ينكر روعته، ولعل هذا ما دفع الفنانة (شيرين) أن تعلن منبهرة بلا تحفظ: أنا عاوزه ألمسه محمد عساف ده، هو بشر زينا..ده صوت ما بيجيش مثله كل خمسين سنة!
حلو..حلو يا محمد، يا من حضرت من غزة بعد يومين من السفر المتعب، واللهفة للحاق بآخر لحظات هذا البرنامج، ثمّ وأنت لم تنفض رمل غزة عن ملابسك المتواضعة، وتنظف حنجرتك من دخان القذائف التي يطلقها العدو على القطاع، وبذاكرتك المحتشدة بمتابعة أجساد الشهداء، ودموع الأمهات، ولوعة الأطفال الذين ييتمهم عدو لا شبيه له في الوحشية عبر العصور..وصلت يا محمد، وغنيت أغنية عبد الحليم (صافني مرّة وجافيني مرّة)، وكأنك تغني للحياة معاتبا على قسوتها مع الفلسطينيين، وها هي يا محمد الحياة قد صافتك هذه المرّة، وصافت شعبك المكلوم للحظة، ففرح، وزغرد مع أمك اللطيفة الحضور التي اختنقت وهي تحاول التعبير عن فرحتها بفوزك بلقب العرب آيدل(المحبوب).
الآن يا محمد تبدأ رحلتك الحقيقية، فغيرك فاز بهذا اللقب، وبألقاب برامج أخرى مثل برنامج (سوبر ستار) و(الصوت)، فأين هم الآن، وماذا أضافوا للغناء العربي؟ لعل بعض من اشتهروا يغنون في الفنادق والأعراس والحفلات الخاصة لأثرياء بطرين لا يقدرون قيمة هذه الأصوات، ولا يطربون لها، ولكنهم (يشترونها) لساعات في سهراتهم لزوم الوجاهة والفشخرة لأثرياء محدثي نعمة..ما أكثرهم في بلاد العرب!
يا محمد خذ هذه النصائح من عمّك رشاد، وتأملها، فالنصيحة دائما ديمقراطية، لأنها لا تلزم (المنصوح) بأخذها، وتتيح له أن يعدّل عليها، ويؤجل الأخذ بها، وهو حر في تنفيذها كلها، أو بعضها.
يا محمد أنت لم تولد من رحم عاقر، فأنت امتداد لفنانين سبقوك بسنين طويلة، أنجبتهم فلسطين، وبعضهم بلغ ذرى المجد عالميا، ومنهم: أوغسطين لاما الذي نعاه الفاتيكان عند وفاته، ووصفه بأنه أعظم عازف أورغ كنسي في العالم، وهو والد عازف البيانو العالمي الموسيقار باتريك لاما، وهما من بيت لحم.
أنت يا محمد جئت من شعب أنجب سلفادور عرنيطة، ويوسف خاشو الموسيقيين العالميين، ورياض البندك الموسيقار الكبير الذي لحن أجمل الأغاني الثورية لمحمد قنديل، وفايدة كامل، وأغان شجية طربية لوديع الصافي، ولفايزة أحمد، وللشقيقتين فاتن وميادة حناوي، والذي أسس أول فرقة موسيقية للإذاعة السورية في منتصف الأربعينات.
أنصحك يا محمد أن تقرا كتاب الموسيقار والمغني المقدسي واصف جوهرية، وهو من إعداد سليم تماري وعصام نصار، وأن تستمع للسي دي المرفق مع الجزء الأول، فربما تكتشف أن فنانا كبيرا كان يعيش في فلسطين في نفس زمن محمد عبد الوهاب، وانه شق طريقه في الحياة بكبرياء واستقامة وثقافة رفيعة.
وأنصحك يا محمد أن تتعرف بالموسيقار الكبير حسين نازك، وهو مقيم في دمشق، وإن زرت رام الله فستتمكن من الاتصال به عن طريق صديقنا الشاعر أحمد دحبور الذي كتب أجمل كلمات أناشيد وأغاني (العاشقين) التي لحنها ووزعها حسين نازك.
وأنصحك وأنت في بيروت، هذه المرّة، أوعندما تعود لزيارتها، أن تسعى للالتقاء بأهم ناقد ومؤرخ موسيقي عربي، الفلسطيني الياس سحاب، وتصغي له، فأنا واثق بأنك وأنت الذكي ستتعلم منه الكثير، فإن سعيت للقاء المايسترو سليم سحاب، وهو شقيق الأستاذ الياس، في القاهرة، فستنهل من علمه لأنه أستاذ كبير يا محمد.
أنا واثق يا محمد أنك استمعت كثيرا لـ:
سنرجع يوما إلى حينا
ونغرق في دافئات المنى
فاعلم أنها لشاعرنا الكبير هارون هاشم رشيد، وأن فيروز والرحابنة قد غنوها لفلسطين، فديوان الشعر الفلسطيني ينتظرك لتنهل منه، وتغني ثقافتك..فافعل يا محمد.
وعلى سيرة فيروز والرحابنة يا محد، أوصيك أن تسير على طريقهم، وتأخذ بنهجهم: الغناء لبلاد العرب، ولكن لا غناء لحاكم..ملكا، أميرا،رئيسا، فأول موّال ستغنيه لهذا الحاكم كائنا من كان، سيعني لا سمح الله، أنك بدأت الانحراف عن طريق الفن إلى طريق الارتزاق، وهذا ما لا يليق بك، ولا برهان شعبك عليك، ومحبة معجبيك العرب في وطنك العربي الكبير.
أنت يا محمد لست وحيدا بين الفلسطينيين، فأنت لم تنبت في أرض عاقر، فثمة فنانات وفنانين قد سبقوك، وما زالوا يتألقون محليا وعالميا، وكم آمل لو تعدوا معا سي دي واحد، بعنوان: غناء من فلسطين، أنت وريم كيلاني، وريم بنا، وعمّارحسن الذي تألق في برنامج سوبر ستار قبل ثمانية أعوام، وبموسيقى لفلسطينيين، وبتوزيع الكبيرين سليم سحاب وحسين نازك. كم أتمنى لو تسجلوا بأصواتكم أغاني لفنانين سبقوكم، على سبيل المثال لمحمد غازي الفلسطيني الذي غنى مع الرحابنة وفيروز، وكان يتمتع بصوت نادر، وأغاني للموسيقار واصف جوهرية، والموسيقار والمغني الكبير روحي خماش، وبعض الأغاني الفلسطينية المأخوذة من التراث الشعبي الفلسطيني.
العمل الفردي يا محمد نجاح لصاحبه كفرد، والعمل الجماعي كسب لشعبك، ولملايين العرب، وهو يعني أننا كشعب متحدون تراثا، وألما، ومعاناة، ووحدة مصر، ووحدة إبداع.
احذر يا محمد ممن سيحاولون أخذك إلى ألاعيب السياسة، وابق لشعبك ولفلسطين، فمن وضعهما نصب عينيه لن يضل!
واعلم يا محمد أنك(جزء) من ثقافة شعبك، بل وأمتك، فنحن عرب أقحاح يا محمد، وفلسطين ستبقى قضية الأمة، ولذا فأنت مطالب بتقديم فن يليق بفلسطين، وبالمواطن العربي الذي مل من إغراقه بفن هابط تافه ارتزاقي.
يا محمد: ذات يوم توجه فنان شاب إلى الكاتب الروسي الكبير مكسيم جوركي، فغنى أمامه، فنصحه جوركي: أيها الشاب أنت تتمتع بصوت جميل، ولكنني أريد منك أن يعرف من يسمعك عندما تغني أنك روسي، لأن روسيا يجب أن تتجلّى في صوتك بسهوبها وعظمتها.
يا محمد: عندما تغني لتكن فلسطين في صوتك: فرحا، أملاً، معاناة، كبرياء، كرامة، و..حبا، فكل غناء للحب هو غناء لفلسطين.
وفقك الله في حماية موهبتك، التي لا أشك انك ستجعلها في خدمة قضيتك وشعبك الذي ساندك من الناصرة إلى رام الله إلى غزة إلى المنافي وديار التشرد البعيدة.
في كلمتك بعد الفوز كنت كبيرا بكيلك الثناء لشعبك الجدير بكل ثناء، وعرفانك بما منحك المواطنون العرب.
هنا أتوقف لأقول لك من كل قلبي: مبروك يا محمد، فأنت أفرحت شعبنا المحزون، وأنت وحدت مشاعر الفلسطينيين، وعبرت بهم من فوق خلافات السلطتين البائستين، وقدمت صوت فلسطين الجميل الأصيل المغني لكل العرب الذين معك غنوا ورقصوا للكوفية.
يا محمد: علّي الكوفيّة فوق..دائما.
محمدعسّاف: "علّي الكوفية فوق دائما" !!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 26.06.2013