أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
الفيلسوف وعَالَم الكتابة!!
بقلم : إبراهيم أبو عواد  ... 01.02.2023

الفَيْلسوفُ هُوَ الكائنُ الوحيدُ الذي يَكونُ عُمُرُه حَيَوَاتٍ متكررة مُنبثقة مِن أحزانه المتكررة ، وهُوَ ضَميرُ الإنسانيةِ الحَيُّ ، إنَّه صَرخةُ العَالَمِ الرافضِ للتدجين . مِهْنته هِيَ صَعقُ الناس لتحريرهم مِن أنفسهم ، وانتشالهم من النظام الاستهلاكي الخانق ، والأخذ بأيديهم إلى حقيقة المعنى ، وإرْشادهم إلى الضَّوْءِ في نهاية النَّفق ، وإنقاذهم من الخوف لكي يَنطلقوا إلى الأمام . وأفضلُ طريقةٍ للتخلص من الخوف هِيَ اقتحامُه . ارْمِ نَفْسَكَ في قلبِ الخوف لكي تُفجِّرَ الخوفَ مِن دَاخله ، وتَشعرَ بالأمان الروحيِّ والهدوءِ الماديِّ .
والفَلْسَفةُ تُزيلُ الاكتئابَ ، وتُشعِرُ الإنسانَ بِجَدوى الحياةِ ، وأهميةِ العقلِ الإنسانِيِّ في حَركةِ التاريخِ ومَسارِ الوُجودِ . والفلسفةُ هِيَ فَنُّ التَّنقيبِ عن الذات وتطهيرُها.والوسيلةُ الوَحيدةُ لِتَخليدِ الفلسفةِ هِيَ بِنَاؤُها على رَمزيةِ اللغةِ والمشاعرِ الإنسانيةِ . وَسِوَى ذلك سَوْفَ تَزولُ الفَلسفةُ . والفلسفةُ هِيَ ضَوْءُ الشمعة ، وخريطةُ الضَّوْءِ ، وخُطةٌ واقعية لكي يُصبح الذَّكرُ رَجُلًا ، وتصبح الأنثى امرأةً ، ويُصبح الشخصُ إنسانًا . والفَيْلسوفُ يُحْرِقُ الشوائبَ في الرُّوح الإنسانية لكي يَمنح الخلاصَ والطهارةَ للإنسان . إنَّ إزالةَ الشوائب من الرُّوح الإنسانية تَجْعل الرُّوحَ طاهرةً ومُطهِّرةً للأنساق الاجتماعية . ولا يَخفى أن إزالةَ الشوائب من الذَّهبِ تَرتقي بالذَّهبِ إلى درجةٍ أعلى . ولا مَكان للبريقِ في ظِلِّ وُجودِ الشَّوائب . وعُمُرُ الفَيْلسوفِ حَيَوَاتٌ متكررة لأنه يَعيش في أماكن كثيرة دون أن يُغادِر مكانه ، ويُولَد في أزمنة كثيرة مع أنَّ تاريخَ ميلاده _ في شهادة الميلاد الرَّسمية _ واحدٌ لا يتكرر. وهذه الحَيَوَاتُ الحارقةُ المحترِقةُ تَنبعث من أحزانه ، لأنه موجودٌ في مجتمعٍ لا يعرف قيمةَ الفلسفة . إنَّه يموت في كُل لحظة لأنَّه يَدْفع ضريبة التاريخ مِن جِلْده ، ويُسدِّد دُيونَ الحضارةِ من أعصابه . حياةُ الفَيلسوفِ نزيفٌ مُتواصل بلا انقطاع .
الكتابةُ تَعبيرٌ عن الأنا الأُخْرَى الكامنةِ فِينا ، وعمليةُ تطهُّرٍ مستمرةٌ . والأشخاصُ يُمارِسون فِعلَ الكتابة مُنطَلِقين مِن حُب عنيف أو حُزن عنيف . وهاتان الطاقتان ( الحُب / الحُزن ) أكبرُ من قُدرة الإنسان على التَّحمل، فيتمُّ اللجوء إلى الكتابةِ للتخلص من هذا الحِمْل الزائد ، وهذا الضغطِ الهستيري ، مِمَّا يُؤدي إلى تحقيقِ التوازن في النَّفْسِ البشريةِ . إنَّنا في سَفينةٍ مُهترئةٍ في قلب البحرِ الثائر ، ويَنبغي التخلصُ من الأحمال الزائدة لكي تَستعيدَ السفينةُ توازنَها، ويَستعيدَ البحَّارةُ ثِقتهم بأنفسهم ، ويَصلوا إلى شاطئِ الأمان . ورَغْمَ كُلِّ شيء ، سَيَظلُّ الفيلسوف الحقيقيُّ هُوَ الذي يَعتبر الكتابةَ موقفًا من الوجود بِأسْره ، لا لحظةَ حُب زائلة ، أو شعورًا حزينًا عابرًا . إنَّ الكتابةَ هِيَ فَلسفةُ الوجودِ الواقعيِّ والخيالِيِّ ، ولَيْسَتْ هِوَايةً لِمَلْءِ وَقْتِ الفَراغ ، أو وَجاهةً اجتماعية . وأبجديةُ الحُلْمِ في الكتابةِ هِيَ العذابُ المتواصلُ الذي يَهْدِفُ إلى تَخليصِ المجتمعِ مِنَ العذابِ ، وتَحريرِ الأنساقِ الحياتية مِنَ الفَوضى ، وترسيخِ المعاني الأخلاقية في أقصى المشاعرِ الإنسانية .

1