أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
محمد القيسي: شاعر كبير..مُغيّب!
بقلم :  رشاد أبوشاور ... 16.08.2019

محمد القيسي شاعر عربي فلسطيني مُغيّب، فقد مرّ يوم رحيله يوم1 آب 2003 فتذكره أهله الأقربون، وبعض الأوفياء لكل شاعر وكاتب وفنان فلسطيني أعطى فلسطين..وتجاهله مُزيفون ومزورون يهيمنون على المشهد الثقافي الفلسطيني لأسباب سياسية، ونفاقا يرتد امتيازات ومصالح خاصة..وتتوفر لهم منابر ومؤسسات!
هو شاعر كبير متميّز، منشد، صوته لا يتشابه مع أي صوت شعري فلسطيني، مغن جوّال حزين وغاضب، جوّاب آفاق، مترّحل في أرجاء بلاد العرب، ملول من الركون والمكوث في بلد عربي، ولذا تنقّل أستاذا وصحفيا وكاتبا جوّالاً بين : الكويت، السعودية، ليبيا، فضلاً عن إقامته في الأردن مع والدته، وفيما بعد زوجته وأطفاله، وحرص دائما على التردد على دمشق، وبيروت، وبغداد.
لم ينتم لتنظيم فلسطيني، فحريته لم تطق الانضباط ، وتحمّل الأوامر والتوجيهات، والصراعات السياسية بين الفصائل، ورأى في انتمائه لفلسطين القضية والشعب فضاءً أرحب، فأنشد لفلسطين وثوّارها ومحبيها، لفلسطين القضية العربية والإنسانية..وحمل فلسطينه حيثما استقر( على قلق)!
في ( الحالة) الفلسطينية التي كرّست (عبادة) الواحد قائدا، والفصيل الواحد، لم يكن لمحمد القيسي مكان، وهو لم يأسف على ذلك، ومضى وهو ينشد، هاجسه أن يبدع أجمل وأبهى، ويضيف ما هو أليق وأبقى...
لم ينافس محمد القيسي على أي موقع، ولذا استغنى عن سؤال أي فصيل أن يدعمه ويزكيه، فعاش مكتفيا غني النفس، نزيه الانتماء، كبير الحضور فلسطينيا وعربيا بشعره الذي اغتنى باتساع وعمق تجاربه، وبرؤيته الرحبة التي لم يفصلها على قياس أي طرف فلسطينيا وعربيا.
لم اقرأ عنه دراسة عربية ذات قيمة، تقدّر تجربته الشعرية، وتتعمق في رحابها، وتنصفه، وتضعه في المكان والمكانة اللائقة به، سوى الدراسة التي كتبها عنه الشاعر العراقي الكبير هاشم شفيق، والتي وجدتها على ( الغوغل)!
الناقد إبراهيم خليل كتب عنه دراسة بعنوان : محمد القيسي الشاعر والنص. ( صدرت عن منشورات المؤسسة العربية عام (1998
المُكرسون للقائد الواحد، والشاعر الواحد، والتنظيم الواحد، لم يتذكروا محمد القيسي، ولا فوّاز عيد، ولا علي فودة، ولا عبد الكريم الكرمي ( أبوسلى) ، ولا راشد حسين، ولا جبرا إبراهيم جبرا، ولا سميرة عزّام – طبعا استثني جهود الناقد الكبير د عادل الأسطة- الذي يواكب كل حدث ثقافي، ويتوقف عند كثير من المبدعين الفلسطينيين..ربما لأنه لا ينتمي لأي فصيل.
يوم توجهنا إلى مقبرة (الرصيفة) لم يحضر التشييع سوى بضعة أشخاص، هم أصدقاء ومحبون. وارينا جثمان الشاعر محمد القيسي على مقربة من قبر أمه ( حمدة) التي كتب لها عملاً شعريا لا يضاهيه أي عمل شعري عن ( الأم) في كل الشعر العربي...
لم يحضر قادة الفصائل، ولا فرقة موسيقى، ولا حُمل نعشه على عربة عسكرية، ولا تناوب الخطباء مودعين بخطابات تُرضي بعض من تبنوا محمد القيسي..وهمهم (تكريسه) ليتلطوا بسمعته، ويوظفوا إبداعه..فالقيسي لم يحسب على أي طرف! ..والأطراف لم تكن يوما حريصة يوما على الشعر، والإبداع، والثقافة..والرعاية والعناية بالمثقفين، بل هي تنفر منهم، إلاّ من يتزلف ويخضع ولا يفتح فمه بكلمة نقد!
ارتجلت كلمات غصصت بها..كلمات بللتها الدموع..على رحيل محمد القيسي الفاجع، وعلى غربته..وغربة الشعراء والكتاب والفنانين الفلسطينيين في زمن يسود فيه النفاق والجهل والكذب والتزوير..ثم مضينا موجعين، وتركنا خلفنا القيسي في ضريح ترابي متواضع بين أضرحة أناس فقراء بسطاء عاش القيسي وأمه حمده وزوجته وابناه وبناته بينهم، في الرصيفة غير بعيد عن المقبرة...
محمد القيسي: يتذكرك ، وينشد شعرك من أنشدت لهم. من عرفوك عن قرب، أو عرفوك بشعرك عن بعد، بقصائدك لفلسطين: منذ ( راية في الريح) مرورا برياح عز الدين القسام، والحداد يليق بحيفا...
يا شفق الليل
لم تعد الخيل
يا شفق الصبح
أين هو الرمح
غابت علي الشمس
يا مهرتي سيري
خوفي يفيض الكأس
ويكون تقصيري
عودا على بدء
سأرتب الأيام
ما كان من عبء
أو كان من أحلام
من كتاب حمدة
وداعا يا صديقي..نحن نتذكرك. شعرك سيبقى ما بقيت فلسطين.

• صدر لمحمد القيسي قرابة العشرين مجموعة شعرية، ضمتها ثلاث مجلدات صدرت عن المؤسسة العربية للنشر، وروايتان صدرتا عن دار الآداب، وعدّة كتب جمع فيها الحوارات معه . كان القيسي يشعر بأنه سيموت مبكرا، ويعرف أن أي جهة فلسطينية لن تعنى بجمع منجزه الشعري فحرص على العناية به قبل رحيله .. وقد رحل قبل أن يبلغ الستين بعام واحد..رحل بعد أربعة أشهر على الاحتلال الأمريكي للعراق!
• تيّتم محمد القيسي مبكرا، وترملت أمه..ولم تتزوج بعد رحيل والده خليل، وربّته هو وأخته برموش عينيها حتى كبرا وتزوجا، وعنيت من بعد بزوجته وأطفاله، فهو ترحّل وتشرّد وسعى بعيدا في بلاد العرب...

1