logo
مجموعة "بْرَيَّة" في النقب: الفن في مواجهة العنف !!
بقلم : رأفت ابوعايش ... 20.10.2019

تحت عنوان "الجريمة رقم ؟"، أقامت مجموعة "بريّة" للفن التشكيلي في النقب معرضها الثالث في مركز الشبيبة البلدي في قرية حورة في النقب، يومي الأربعاء والخميس الماضيين. وشهد المعرض الذي يعالج قضية العنف والجريمة في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني التفافًا جماهيريًا واسعًا من أهالي النقب من مختلف المراحل العمرية على مدار يومين من عرض أعمال الفنانين الشباب.
عرض الفنانون مرفت أبو طه، نادية العطاونة، رحاب الزبارقة، سجود أبو زقيقة، سجود العمور، عبيدة المطيرات، عدن عامر وسناء النباري أعمالهم، التي تتطرق إلى أشكال مختلفة من العنف الاجتماعي وتأثيرها على المجتمع .

المدخل إلى معرض "الجريمة رقم ؟" مغطى بالسواد، ويمنع الموجودين خارج المعرض من معاينة الأعمال الفنية المعروضة وبحسب منظمي المعرض فإن الهدف هو دفع الزائرين للمعرض إلى تحفيز الخيال، ومحاولة تكوين فكرة شخصية حول إمكانيات ترجمة مشاهد العنف الاجتماعي في أعمال فنية، بالإضافة إلى ربط الشعور بتأثير العنف بالتعرض المباشر لدائرة العنف، والوجود في قلب المجتمع المعنف، والابتعاد عن الحكم على واقع المجتمعات من خارجها.
تبدأ الجولة في معرض "الجريمة رقم؟ "، باللحاق بخطوات رسمها أعضاء المعرض على أرضيته، وفي المشهد الأول تعرض الشابة ميرفت أبو طه من بلدة تل السبع لوحتين، تصور الأولى: انعكاس القاتل في الرصاصة المستخدمة للقتل؛ والثانية: معاناة أهل وأصدقاء ضحايا العنف الاجتماعي.
وعن اللوحتين قالت أبو طه لـ "عرب48" إنها ترى "أن العنف هو حالة واقعية دفينة في داخل النفس البشرية، وضحايا العنف هم أشخاص يسرقون من الحياة ومن أحبائهم وأهلهم ومجتمع كامل لعبوا دورًا فيه واختفوا منه فجأة. والأسوأ في الجريمة هو أن الدائرة لا تتوقف، الجريمة تعني الحزن، والحزن هو موت للإنسان وللطفولة وللحب، وسؤال لماذا قتل الأب، وبأي حق قتلت الأم أو الأخ، هي فكرة لن تفارق أحباءهم، وشرخ باق في الذاكرة مهما مرت السنوات".

في المقطع الثاني من المعرض تعرض الطالبة الجامعية، سجود أبو زقيقة، ثلاث لوحات تعالج قضية ما يسمى "القتل على خلفية شرف العائلة"، تبدأها بلوحة بعنوان "جريمة شرف"، تصور فيه مشهد امرأة تقوم هي بقتل الرجل بحجة الشرف.
تتساءل أبو زقيقة "من الذي يحدد مفهوم الشرف، وماذا لو قامت النساء هي بمعاقبة الرجال بحجة شرف العائلة". وفي اللوحة الثانية تقتبس أبو زقيقة مشهدًا صعبًا للمشاهد من قضية القتل على خلفية "شرف العائلة" وقتل النساء في المجتمع الأردني. وتظهر في اللوحة مجموعة من كفات الأقدام البشرية على أنها جثث في مشرحة، وفي طرف كل واحدة منها ترفق أبو زقيقة جملًا حقيقية، علق بها أقرباء وعائلة نساء قتلن على أيدي الذكور في المجتمع الأردني، تمثل نظرة الدائرة القريبة إلى ضحايا العنف عنهن. ومن الجمل المقتبسة جملة "وأنا بحكي قتلها حلال" من أخت إحدى ضحايا القتل.

وقالت أبو زقيقة لـ" عرب48" إنه من خلال مراجعتها لقضية قتل النساء في الوطن العربي "اصطدمت بواقع المجتمع الأردني، وهو مثال عن معظم المجتمعات في العالم العربي، في لوحة المشرحة قمت باختيار أشد الجمل تأثيرًا علي عند سماعها، وأكثرها استفزازًا لتصوير ظلم ضحية القتل من أهلها حتى بعد مقتلها. ما أريد إيصاله هو أن المرأة تقتل لأنها امرأة، وليس بسبب شيء فعلته. وشهادات أهالي النساء تثبت ضعف المرأة وظلمها في المجتمعات الذكورية".

وفي القسم الثالث من المعرض يعرض الشاب عبيدة المطيرات مجموعة من الصور تخاطب قضية التعنيف الزوجي والأسري، ويطرح حالات يكون فيها الزواج جحيمًا للمرأة، وحجة للزوج لتعنيفها وإيذائها، وحتى قتلها في تسلسل صوري يظهر العنف وتواطؤ المجتمع مع الرجل المعنف لزوجته، وانعدام الخيارات أمام الزوجة المعنفة للجوء وحماية نفسها. وفي الصورة الأخيرة يظهر المطيرات عيون الزوجة في مواجهة سلاح الجريمة ومكان تنفيذها.
تصور أعمال المطيرات حالة سريالية تنتقل من اشتراط الظهور أمام المجتمع وعلى الملأ للنساء في حالة الزوجة المطيعة، التي تفضل الاستقرار الزوجي والتبعية على أمانها الشخصي حتى الوصول إلى قتلها في أماكن منزوية وبعيدة عن أعين المجتمع نفسه، الذي لا ينقذها عند موتها بل ويجلدها حتى بعد مقتلها .

وتنتقل لوحات المعرض بين مشاهد أخرى، منها قتل الطفولة صورتها الشابة، رحاب الزبارقة، من قرية اللقية، ودائرة العنف بين الأب والابن والتي لا تتوقف مع اختلاف الأجيال بل تنتقل في الذاكرة الصورية للأبناء، كما الآباء من قبلهم، وصولًا إلى مشهد العنف الكلامي في داخل العائلة وداخل البيت، وتأثيره على وعي الأبناء، والذي عالجته الشابة عدن عامر من كفر قاسم، والشابة سجود العمور من قرية كسيفة، وتليها المصورة سناء النباري بمجموعة من الصور تتعامل مع قضية التنمر والهيمنة الاجتماعية والضغط الاجتماعي والمعايير الاجتماعية المختلفة المفروضة على أبناء المجتمع الواحد في المدارس والشوارع والبلدات والمرافق الاجتماعية المختلفة.
يختتم المعرض بمجموعة من اللوحات التشكيلية للشابة نادية العطاونة من قرية حورة في النقب، تعالج فيها تغير المجتمع الفلسطيني من المجتمع المقاوم للاحتلال وصاحب القضية إلى المجتمع المتقاتل داخليًا والقاتل لأبنائه.
قالت الشابة نادية العطاونة عن أعمالها ل "عرب 48" " يختفي من بيننا النقاش المقاوم للاستعمار، وتضعف الهوية الجمعية للمجتمع الفلسطيني في الداخل يوميًا، بسبب انشغالنا باقتتالنا الداخلي بحالة الجريمة، التي تلتهم مجتمعاتنا يوميًا،
وتضيف أن "المجتمع الفلسطيني يتغير يوميًا، وأنا أعتقد أن هنالك خطرًا جديًا على وعينا الجماعي، فنحن مشغولون بالنجاة من القتل على يد أبناء شعبنا قبل النجاة من الاحتلال. وفي لوحتي تمثل شخصية حنظلة للفنان ناجي العلي، الإنسان الفلسطيني الذي يصوب سلاحه في وجه حنظلة آخر أي فلسطيني آخر، وليس في وجه المستعمر".

المصدر : عرب 48

www.deyaralnagab.com