logo
عام كورونا في النقب: هدم وتشريد وتدمير للمحاصيل الزراعيّة!!
بقلم : ربيع سواعد .محمد محسن وتد  ... 20.04.2021

في الوقت الذي انشغلت البشرية حول العالم بمواجهة جائحة كورونا والتحصن من الإصابة بعدوى الفيروس لتفادي الموت، خاض السكان العرب في النقب معركة وجودية على الأرض والمسكن، وواجهوا سياسة المؤسسة الإسرائيلية التي صعّدت من الإخطارات وعملية هدم المنازل بذريعة البناء دون ترخيص، وكذلك تدمير وحرث المحاصيل الزراعية في محاولة لسلب البدو ملكيّتهم للأرض وتجريدهم مئات آلاف الدونمات.
يتكرر مشهد النكبة بمنطقة النقب، في الوقت الذي تواصل فيه السلطات الإسرائيلية مخططاتها لتشريد 120 ألف نسمة في المنطقة التي يسكنها 320 ألف من بدو النقب الذي يشكلون 32% من سكان المنطقة البالغ تعدادها أكثر من 900 ألف نسمة، وهدم 35 قرية مسلوبة الاعتراف وسلب 800 ألف دونم ضمن مخطط "برافر"، حيث تتواصل فصول التشريد والترحيل ومخططات الاستيطان والتهويد.
وكثّفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من إجراءاتها الهادفة لتهويد النقب، إذ أقامت 100 بلدة يهودية وعشرات المزارع الفردية لليهود على أراضي العرب، في حين ترفض الاعتراف بالقرى العربية وقاطنيها وتواصل سياسة التمييز والإجحاف بحقّهم.
وتبلغ مساحة النقب 13 مليون دونم، أي ما نسبته 60% من مساحة إسرائيل، وتقدر مساحة الأرض التي كان يعيش عليها الفلسطينيون قبل النكبة بثلاثة ملايين دونم، علما أنهم يعيشون اليوم على مساحة تقدر بحوالي 300 ألف دونم، إلى جانب صراعهم مع المؤسسة الإسرائيلية بشأن الملكية لأكثر من 800 ألف دونم، حيث تصر ما تسمى بـ"سلطة تطوير وتوطين البدو"، على مصادرتها وتوظيفها للاستيطان الزراعيّ والعسكريّ.
وسط استفحال الأزمة الاقتصادية والتداعيات الاجتماعية في ظل أزمة كورونا، اختارت السلطات الإسرائيلية، ممثلة بما تسمى "سلطة تطوير وتوطين البدو" في النقب، تكثيف عمليات الهدم في القرى مسلوبة الاعتراف، وخلال عام 2020 هُدم 2586 مبنى، وهو ما فاق المعدل السنوي للهدم الذي بلغ قرابة 1500 مبنى، وكذلك تدمير وحرق المحاصيل الزراعية، إذ جرى حرث لـ14237 دونما زراعيا أي أربعة أضعاف ما تم حرثه وتدميره خلال عام 2019.
ولوحظ ارتفاع بظاهرة الهدم الذاتي تفاديا للغرامات وتكاليف الهدم، وخلال عام 2020، سجل هدم ذاتي لـ1437 مبنى، حيث اضطر السكان البدو هدم المنازل والمنشآت السكنية والزراعية بعد أن هددتهم السلطات الإسرائيلية بغرامات وتكاليف الهدم التي قد تصل إلى 300 ألف شيكل للمبنى الواحد، بحسب الإحصاءات التي جمعها "منتدى التعايش السلمي في النقب من أجل المساواة المدنية".
وفي معركة الكر والفر على الوجود، تخطّت وحدة "يوآف" معززة بالوحدات الخاصة للشرطة الإسرائيلية كافة الحدود، حين حوّلت الهدم إلى مشهد يومي في النقب، حيث استعانت بالطائرات المسيرة لرصد التحركات للعرب وأعمال البناء، وأمعنت في ترهيب وترويع السكان البدو، للزج بالجرافات والمجنزرات لتسوية وهدم المباني والخيام ومنازل الصفيح وتشريد آلاف العائلات، كما أجبرت مئات العائلات على هدم منازلهم ذاتيا، في الوقت الذي كان يتم تسوية وهدم مئات المباني قيد الإنشاء.
*إنذارات الإخلاء والهدم
استعرض جمعة الزبارقة، في حديث لـ"عرب 48" معاناة السكان البدو قبالة السلطات الإسرائيلية، من خلال ما يعيشه أسوة بالعشرات من العائلات في بلدة اللقية، حيث تلقت العائلات التي تسكن في حي سكني يمتد على نحو 500 دونم خلال جائحة كورونا إخطارات بالإخلاء للأرض وإنذارات بهدم 53 منزلا، علما أن جزءا من الحي السكني يتواجد ضمن نفوذ مجلس اللقية والجزء الآخر يقع ضمن نفوذ المجلس الإقليمي "بني شمعون".
ولمواجهة هذه الإخطارات والسياسات التي تحركها ما تسمى "سلطة تطوير وتوطين البدو"، قال الزبارقة: "قمنا بالاستعانة بمحام ومهندس ومخطط، إذ تم إعداد مخطط بديل يشمل جميع المنازل القائمة، وعمارات سكنية، ومنشآت تجارية واقتصادية ومرافق خدماتية وعيادات ومسطحات للمشاريع العامة، وهي المخططات التي تمتنع السلطات الإسرائيلية عن إعداداها للبلدات العربية وتصر على الهدم والتشريد ومصادرة الأراضي".
وأوضح الزبارقة أن "المخطط للحي السكني في اللقية الذي تم إيداعه في اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء تم المصادقة عليه، لكن دون أن يتم إلغاء إنذارات الإخلاء والهدم، علما أنه جرى منذ العام 1983 توسيع نفوذ المجلس الإقليمي ’بني شمعون’ على حساب الأراضي العربية وبغرض إحكام الحصار على السكان البدو في المنطقة، دون حتى التطرق إلى احتياجاتهم وطلباتهم وحقهم الأساسي بالسكن".
*حراك متواصل ضد سياسة الهدم بالنقب
وأشار القيادي في حزب التجمع إلى أن "حالة الحي السكني في اللقية تعكس نموذجا مصغرا لما تواجهه وتعانيه البلدات القائمة التي تحولت إلى غيتوهات وأماكن للنوم تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة والمناحي الخدماتية، كما هو حال القرى مسلوبة الاعتراف التي يخوض سكانها معركة وجودية قبالة المجالس الإقليمية والمستوطنات والمزارع اليهودية الفردية التي تتوسع على حساب الأراضي العربية".
ولفت إلى أن "تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع السكان البدو يأخذ منحى تصعيديًا في كافة مجالات الحياة منذ العام 1973، حيث فتحت الحكومة الإسرائيلية معركة على ملكية الأرض وطالبت السكان في حينه بإثبات الملكية على الأرض، حيث قدمت آلاف العائلات أوراقا وكذلك مستندات طابو تثبت وتؤكد ملكيتهم لـ876 ألف دونم، وهو ما رفضته السلطات الإسرائيلية التي تمتنع الإقرار والمصادقة على حق الملكية للعرب لهذه الأراضي بحسب المستندات وأوراق الطابو التي تم توفيرها من قبل المواطنين".
وفي محاولة من السلطات الإسرائيلية لوضع اليد على أكبر مسطح من الأراضي، ذكر الزبارقة أنه "يتم التصعيد بالهدم وفرض غرامات مضاعفة وتكاليف هدم باهظة، إلى جانب تدمير وحرث المحاصيل الزراعية، وتحريش مساحات واسعة من الأراضي في قلب القرى مسلوبة الاعتراف، وذلك لدفع السكان إلى الهجرة القسرية والانتقال للبلدات القائمة في النقب، أو حتى النزوح لمنطقة الرملة والمثلث الجنوبي".
*أيديولوجية الهدم والتشريد
ورأى الزبارقة أن "السكان البدو يضطرون لهدم منازلهم ذاتيا تفاديا لغرامات قد تصل إلى 100 ألف شيكل ومثلها من تكاليف هدم وتدمير منزل من صفيح أو كوخ أو حتى منزل متنقل"، مستذكرا ما حصل في قرية العراقيب والدعوى القضائية التي رُفعت ضد الشيخ صياح الطوري، ومطالبته بدفع مليون ونصف شيكل مقابل تكاليف الهدم، وعليه يقوم السكان بتفكيك منازلهم وخيامهم والانتقال لمكان آخر.
واعتبر أن "نهج الحكومة الإسرائيلية مع العرب في النقب يعكس أيديولوجية الهدم والتشريد المتجذرة في عقلية المؤسسة الإسرائيلية"، لافتا إلى أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصر على عدم توفير الحلول واختارت الترانسفير الصامت عبر تجميع السكان البدو على أقل بقعة من الأرض في منقطة السياج"، ومحذّرا من أن ذلك "ينذر بتوسيع دائرة التهجير والتشريد حتى لخارج الوطن".
خريطة للبلدات العربية بالنقب المهددة بالإخلاء والهدم؛ وباللون الأصفر الغامق أراض عربية بمساحة 800 دونم تخطط إسرائيل لمصادرتها عبر مخطط "برافر"
معركة الجغرافيا والديموغرافيا
ذات التحذير والتخوف أعرب عنه رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عطية الأعسم، الذي أكد في حديث لـ"عرب 48" أن "النقب عانى أضعافًا مضاعفة من المؤسسة الإسرائيلية خلال عام 2020 منه من جائحة كورونا التي لم تكَد تكون تُذكر حتى تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث هدمت السلطات الإسرائيلية قرابة 2900 مبنى وقامت جرافاتها بتدمير نحو 15 ألف دونم زراعي، واستمرت بتدمير آلاف الدونمات من المحاصيل الزراعية في الربع الأول من عام 2021، عدا عن ملاحقة أصحاب المواشي والإبل سعيا للقضاء على هذا الفرع الزراعي".
وأوضح الأعسم أن "المؤسسة الإسرائيلية تتعامل بعقلية عدوانية مع العرب في النقب، وتتعمد من خلال معركة الجغرافيا والديموغرافيا الهدم والتشريد والتحريش، ومصادرة الأراضي؛ بُغية إجبار العرب على الرحيل، وهذا ما يعكسه التعامل العنصري اليومي لما تسمى ’سلطة تطوير وتوطين البدو’، وعناصر وحدة ’يوآف’، مع أهالي القرى مسلوبة الاعتراف الذين يخوضون معركة يومية على الوجود من خلال الأرض والمسكن".
وأشار إلى أن "السلطات الإسرائيلية وأذرعها المختلفة استغلت انشغال المواطنين بجائحة كورونا وصعدت إخطارات وإنذارات الهدم، بل وظفت الإغلاق لتنفيذ أوامر الهدم دون أي احتجاجات وحشد شعبي وجماهيري، وتعمدت ممارسة الضغوطات على المواطنين وترويعهم بفرض غرامات مالية وتكاليف هدم عن المنزل الذي يتم هدمه، والتي تتراوح ما بين 100 ألف حتى 300 ألف شيكل، وبالتالي نسبة عالية من السكان فضلت الهدم الذاتي تفاديا للغرامات".
قرية المذبح يتهددها الهدم ومصادرة أراضيها
50* ألف منزل مهدد بالهدم
واتهم الأعسم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتعمّد إهمال مطالب واحتياجات العرب في النقب، حيث شجعت ووسعت نفوذ ومسطحات القرى التعاونية والكيبوتسات الزراعية والمزارع الاستيطانية الفردية على حساب أراضي القرى مسلوبة الاعتراف، بالإضافة إلى حرمان السكان البدو أبسط مقاومات الحياة والامتناع عن توفير الخدمات لهم، وعدم القيام بمشاريع البنى التحتية والامتناع عن التخطيط الهيكلي.
ونتيجة الإهمال المتعمد للسلطات الإسرائيلية، قال الأعسم: "هناك 50 ألف منزل في النقب غالبيتها بالقرى مسلوبة الاعتراف مهددة بالهدم، كما تمتنع السلطات من الاعتراف بملكية البدو لأكثر من 800 ألف دونم، وبالمقابل تواصل الزحف البطيء ومصادرة الأراضي العربية بذريعة التحريش والمناطق الطبيعية، حيث تتطلع السلطات الإسرائيلية، إلى تركيز البدو في النقب على مساحة أرض لا تتعدى 300 ألف دونم".

*المصدر : عرب48

www.deyaralnagab.com