logo
تدحرج أزمات كورونا!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 15.04.2020

لا تتوقف كورونا عند كورونا، إنما تبعاتها متعددة ومتدحرجة وتتفاقم مع الأيام. بدأت الأوضاع بأزمة صحية لا يملك العالم لها حلا أو علاجا سريعا. لم يكن العالم قد واجه فايراس كورونا قبل أن يظهر في الآونة الأخيرة، ولم تكن بالتالي هناك علاجات أو عقاقير أو لقاحات لمواجهة انتشاره، ولم تكن هناك احتياطات فيما يتعلق بالمستلزمات الطبية. الفايراس عمره عدة أشهر، وتطوير أمصال ولقاحات يتطلب فترة طويلة من الزمن. ومع هذه الأزمة الصحية، توحد العالم إلى حد كبير في إجراءاته وتوجيهاته لجماهير الناس.
لكن الأزمة تتفاعل وتتدحرج لتصنع أزمات أخرى على رأسها:
أولا: الأزمة السياسية والتي تعاني منها الحكومات وقادة الدول. تبدو الحكومات ومعها رؤساء الدول مشلولين غير قادرين على إلحاق هزيمة سريعة بالفايراس. يتبنى السياسيون الآن إجراءات تتعلق بتفادي الإصابة بالفايراس أو الوقاية منه، لكنهم لا يملكون رؤية مستقبلية يخبرون الناس بها وهم على يقين. هم لا يعرفون متى سيُرفع الحجر الصحي، ولا متى سيعود الناس إلى أعمالهم وتنشيط أعمالهم. ولا يقوون حتى على مواجهة الناس بسبب عدم قدرتهم على تقديم معلومات أو طرح برامج لإخراج العالم من هذه الأزمة الصحية. كثيرون من قادة الدول الذين يختبئون هروبا من أسئلة الناس واستفساراتهم. وممثلو الشعوب ( أي البرلمانات) تقع في حرج كبير أيضا أمام الذين انتخبوهم، وهم أيضا لا يملكون إجابات لما يدور في خلد الناس.
ثانيا: الأزمة الاقتصادية والتي ترافقت بالضرورة مع تعطيل الأشغال والأعمال، وتوقف عجلات الإنتاج. الأضرار الاقتصادية المترتبة على الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي هائلة جدا، وهي ليست في طريقها للعودة إلى وضعها الاعتيادي. كل الناس وكل الشركات وكل الدول تضررت بسبب الفايراس، لكن حجم الأضرار يتناسب طرديا مع القدرات الاقتصادية للمعنيين. المعنى أن الأثرياء سيصابون بأضرار أكبر من الفقراء من ناحية الخسائر، والدول الثرية ستتكبد خسائر أكبر من الدول الفقيرة. لكن الفقراء سواء كانوا أفرادا أو دولا سيدخلون ممرات اقتصادية مدقعة وستعاني الميزانيات الفردية من التصفير، وربما يتصاعد عدد ضحايا الفقر والجوع إلى ما يزيد عن عدد ضحايا الفايراس إن استمر الوضع وميزانيات الدول من عجز متسارع.
ثالثا: الأزمة المالية المترافقة حتما مع الأزمة الاقتصادية. سيكون هناك قلة في الأموال، والدخول ستتقلص بصورة كبيرة، ونسبة عالية من الفقراء لن تجد مالا لتسيير معيشتها اليومية. والدول ستعاني أيضا من نقص في الأموال بسبب هبوط مستوى التجارة العالمية، وخضوع البضائع والمنتجات للتفتيش والفحص والتدقيق الصحي والتي تستنزف الوقت. الأزمة الاقتصادية تعني أن عجلة الإنتاج سيخف دورانها، وأن عمالا كثرا سيفقدون مصادر دخلهم ولن تجد الدول في جيبها ما يُسعف الناس.
رابعا: الأزمة الاجتماعية الناجمة عن تناقص الدخل وقلة فرص العمل. فرص العمل ستتقلص، وسيفقد المزيد من العمال وظائفهم ومعها دخولهم المالية. العمال يتضررون بصورة كبيرة بخاصة أولئك الذين يعتمدون على أجورهم اليومية لتغطية نفقاتهم اليومية. ومن الواضح أن نصيب النساء من العمالة المتناقصة سيكون أكبر من نصيب الرجال. هذا التناقص يؤدي إلى أزمات اجتماعية وظهور حركات أو نشاطات عمالية ونسائية متزايدة من أجل التعويض عن الخسائر، ومن أجل تنشيط الاقتصاد بطريقة تسمح للمسرحين من أعمالهم بالعودة إلى ما كانوا عليه. وبالتأكيد ستطالب النساء بإجراءات جديدة متعلقة بأنماط التوظيف وصرف الرواتب والأجور
خامسا: الأزمة الديبلوماسية والتي يمكن أن تتطور تبعا للمناكفات السياسية بين الدول، أو عجز منظمات دولية عن الوفاء لمبادئ مواثيقها واتفاقاتها. أمريكا ستدخل إلى حد ما في أزمات مع أصدقائها ومع منافسيها، والاتحاد الأوروبي سيمر بأزمة صعبة تتطلب إعادة النظر بترتيباته الاقتصادية والمالية. دول عدة ستعيد النظر بتحالفاتها وصداقاتها وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية. تجربة كل دولة ستدفعها إلى إعادة تقييم أوضاعها الديبلوماسية، وترتيب العلاقات وفق ما مرت به من مشاكل وصعوبات.
الصين ستكون مستفيدة ديبلوماسيا لأنها لم تبخل على غيرها وذلك وفق إمكاناتها، كما أن الرئيس الأمريكي استفز دولا كثيرة بتعليقاته الموجهة ضد الصين في حين أن المطلوب ليس الخصام وإنما العمل بجد وتعاون على تدارك الأوضاع.
سادسا: الأزمة الأخلاقية والتي تتعلق اساسا بتسييس الأزمة الصحية، وتستدعي إعادة النظر بكل ما طرحه أهل الغرب حتى الآن حول حقوق الإنسان. التسييس يأخذ مستويين: الأول علفى مستوى الدول والذي كان ديدن الرئيس الأمريكي، والثاني على المستوى المحلي من حيث أن الحزب الحاكم عمل على إقصاء من هم خارجه من تطوير برامج لخدمة الناس تطوعا. احتكر الحزب الحاكم في دول عدة وعندنا في فلسطين العمل التطوعي لتحسين صورته غير الجميلة وأبعد الآخرين بقدر الإمكان حتى لا يتفاعلون مع الناس إيجابيا.
تسييس المؤسسات العامة والعمل الاجتماعي خطير ويولد المشاكل ويزرع الكراهية والبغضاء بين الناس. لكن الاستبداديين لا تهمهم هذه القضايا الممزقة للمجتمعات.
والسؤال المطروح الآن وفي المستقبل هو: هل أهل الغرب كانوا يدافعون عن حقوق الإنسان من منطلقات أخلاقية، أم من منطلقات سياسية ذات أبعاد مصلحية؟ وستظهر نظريات جدية متعلقة بحقوق الإنسان في حيز الحقوق وليس في حيز المصالح، وسيكون هناك هجوم واسع على تسييس القضايا الإنسانية، وتنظير واسع حول الأساليب والوسائل التي يمكن استعمالها وتنيها من أجل الدفاع عن الإنسان كإنسان وليس كأداة. وفي هذا الصدد ستكثر الأسئلة حول صلاحية الرأسمالية الليبرالية الحديثة في قيادة العالم.
والأزمات الجانبية الثانوية لا تنحصر في مقالة. ولهذا من المفروض ألا تركز الحكومات فقط على إجراءات الوقاية من الفايراس وإنما أيضا على إجراءات الوقاية من فايراس الحكم.


www.deyaralnagab.com