حقوق المرأة التونسية ثمنتها التشريعات وكبلها الواقع!!
بقلم : سماح بن عبادة ... 26.10.2014
مؤشرات عديدة تدل على أن تمثيلية المرأة التونسية في البرلمان المقبل ومشاركتها الفعالة في العمل السياسي والدفاع عن قضاياها الأساسية ستكون ضعيفة
يتطلع التونسيون والتونسيات إلى نتائج الانتخابات التشريعية بشغف كل حسب آماله المتعلقة بشكل أو بآخر بمستقبل البلاد السياسي، بعضهم متشائم والبعض الآخر متفائل وكثيرون هم المتوجسون والمتخوفون من هذه النتائج ومدى تأثيرها على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية وخاصة على حقوقهم، ولعل الفئة المعبرة بامتياز عن هذا التخوف هي المرأة التونسية التي رغم تقدمها على نظيراتها في المجتمعات العربية والإسلامية في مجال الحقوق والمكاسب إلا أن الواقع السياسي والانتخابي اليوم تضاف إليه محاولات الماضي القريب للمسّ من حقوقها على المستوى التشريعي تجعلها تخشى تقهقر وضعها وتراجع مشاركتها الفاعلة في الحياة السياسية.
المرأة التونسية توصف بأنها “الاستثناء العربي” من حيث الحقوق والمكتسبات فهي تنعم بوضع حقوقي متميز عن بقية الدول العربية والإسلامية. هذا الوضع ليس وليد الثورة التونسية بل يعود إلى فجر استقلال تونس من الاستعمار الفرنسي، فمنذ عام 1956 تم اعتماد مجلة الأحوال الشخصية التي تضمنت مجموعة من القوانين المدنية التي تهم الأسرة والمرأة والطفولة وتعد تشريعاتها ثورة حقيقية في مجال حقوق المرأة بالخصوص؛ إذ تحمل تغييرات جوهرية عن الفترة التي سبقتها من أهمها منع تعدد الزوجات ومعاقبة كل من يخترق هذا المنع بعقوبة جزائية، وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة عوضا عن الرجل، ومنع إكراه الفتاة على الزواج من قبل وليّ أمرها، وتحديد الحد الأدنى للزواج بـ 17 سنة للفتاة و20 سنة للفتى، ومنع الزواج العرفي وفرض الصيغة الرسمية للزواج وتجريم المخالف، وكذلك إقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره.
هذه العينة من القوانين الخاصة بالمرأة التونسية ووضعها في الأسرة والمجتمع تجعلها الاستثناء العربي، فأغلب الدول العربية والإسلامية حتى اليوم لا تمنع تعدد الزوجات ولا تحدد سنا أدنى للزواج ولا تمنح المرأة حق الطلاق كما الرجل وتجعل مصيرها دوما في يد وليّ أمرها أو زوجها وبالتالي فهي تحرم المرأة من أبسط حقوقها الإنسانية والطبيعية والأسرية فما بالك بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
وتستمد المجلة روحها من أفكار عدد من الزعماء الإصلاحيين التونسيين من بينهم الطاهر الحداد وقد وجدت هذه الأفكار في شخصية بورقيبة القوية سندا قويا لتطبيقها على أرض الواقع والتصقت بذكره صفة محرر المرأة التونسية، إذ راهن على قدراتها على المساهمة في التنمية والنهوض بتونس بعد سنوات الاستعمار. فكانت أولى الإجراءات التشريعية التي اتخذها تتمثل في رفع الجهل عن المرأة وإقرار ضرورة التعليم المجاني جنبا إلى جنب مع الرجال والتمتع بنفس حقوقها في العلم والمعرفة، كما أمر بورقيبة المرأة بأن تفخر بنفسها وبأنوثتها وبأن لا تعتبر نفسها عورة فتتخفى وراء الحجاب، وكان السبيل لتحصين هذه الحقوق ومقومات الكرامة هو سنها في شكل قوانين وتشريعات مدنية وإدراجها في مجلة الأحوال الشخصية.
المرأة التونسية ضمنت جانبا هاما من حقوقها باكرا (منذ عام 1956) مقارنة بنظيرتها في الدول العربية والإسلامية حيث مازال بعضها يناقش أبسط حقوق المرأة كالحق في اختيار الزوج والحق في الانفصال والحق في السفر وفي السياقة وفي التعلم.. هذا التقدم الزمني في كسب الحقوق جعل نساء تونس أكثر مشاركة من بقية النساء العربيات في التنمية والمجتمع والاقتصاد والسياسة رغم اختلاف التقييمات لهذه المشاركة واختلاف توصيفها فالبعض يراها مشاركة فعالة ومجدية ومؤثرة والبعض الآخر يراها شكلية.
ومنذ تلك الفترة تمارس المرأة حياة اجتماعية طبيعية تتقاسم فيها مع الرجل الشارع والعمل ومقاعد الدراسة وتسهم بفعالية في نموّ البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، والمتأمل في تاريخ تونس القديم يدرك أنه ليس بالغريب على المجتمع التونسي أن يتقبل قرارات بورقيبة الجريئة، فبدايات تونس كانت على يد امرأة وهي “عليسة” فاتحة قرطاج ومؤسستها ومالكتها الأولى، كما أن التونسيات واصلن طريق عليسة نحو المجد وتقدمن في العلم وحققن نجاحات محلية وعربية ودولية يشهد العالم لهن بها، وقد خلّد التاريخ أسماء تونسيات عديدات تفوقن على جيلهن في عديد المجالات.
توحيدة بن الشيخ مثلا كانت أول طبيبة في تونس وفي المغرب العربي وفي العالم العربي وقد تخرجت عام 1936، فبالتعليم رفعت المرأة التونسية التحديات ودخلت كل اختصاصات الدراسة ونجحت فيها وانخرطت في الحياة الاقتصادية وفي سوق العمل ومارست تقريبا كل المهن ولم تعترف بمفهوم مهنة رجالية فنجد المعلمة والأستاذة والمهندسة والمحامية والعاملة والفلاّحة وسائقة الطائرة وسيارات الأجرة والقطار ورئيسة المؤسسة.. كما دخلت التونسيات عالم السياسة مبكرا وكانت أول امرأة تونسية تتولّى حقيبة وزارية هي فتحيّة المختار مزالي عام 1983، وفتحت الباب للتونسيات لدخول المناصب الحكومية العليا ومواقع الريادة في الدولة والدخول في عالم السياسة كعنصر فاعل.
مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والحياة الاقتصادية يمكن تقييمها بأنها إيجابية، فقد تقدمت أشواطا كبيرة وحققت ذاتها وأحرزت المساواة مع الرجل وأحيانا تفوّقت عليه، غير أن مشاركتها في الحياة السياسية ليست بنفس الجدوى والفاعلية وهو ما يقره الجميع بالنظر إلى الفترة التي سبقت الثورة التونسية حيث كانت السياسات القائمة زمن المخلوع بن علي تقوم على تزييف الحقائق فيما يتعلق بحقوق الإنسان عموما وبحقوق المرأة خصوصا وكانت الحكومة آنذاك تثمن وتثري قوانين مجلة الأحوال الشخصية غير أن تطبيقها على أرض الواقع لم يكن على نحو صحيح بل كانت المرأة تستعمل لتبييض صورة النظام وادعاء أنه ديمقراطي حداثي يؤمن بالمساواة بين الجنسين ومنذ عام 1987 أدخلت المرأة في الحياة السياسية وأوكلت لها حقائب وزارية لا تتجاوز اثنتين وغالبا ما تكون وزارة المرأة هي التي تتولاها امرأة دون غيرها من الحقائب.
هذا يعني أن المرأة كانت تُشرّك في الحياة السياسية بطريقة شكلية ويساندها النظام إذا كانت مشاركتها في خدمته ولصالح صورته خاصة في الخارج، أما إن شاركت في الحياة السياسية وفق رغباتها وآرائها وكانت في المعارضة فهي تقمع وتعذب وتلقى في السجون كما يحصل للرجال أو تهجّر.
هذا القمع للمرأة وتوظيفها واستعمالها كديكور وكأداة للتبجح الكاذب جعل المرأة التونسية تساهم مساهمة فعالة في الثورة التونسية وتشارك الرجال في الصفوف الأمامية من المظاهرات والاحتجاجات وترفع صوتها منددة بالقمع والدكتاتورية، وواصلت نضالها لأجل حقوقها كمواطنة بعد الثورة.
مرحلة ما بعد الثورة التونسية شهدت فيها وضعية المرأة جدلا واسعا حول الحقوق والحريات بعد صعود الأحزاب الدينية للحكم إثر انتخابات عام 2011، وخلال فترة حكم “الترويكا” التي توجت على رأسها بنصيب الأسد من الأصوات حركة النهضة الإسلامية وإلى تاريخ إقرار الدستور التونسي الجديد شهدت الساحة السياسية محاولات للالتفاف على حقوق المرأة من قبل تيارات الإسلام السياسي التي سعت جاهدة لإرجاع المرأة التونسية عقودا إلى الوراء وأصبحت ترغب في التنصيص على تعدد الزوجات في الدستور وتعالت أصوات إسلامية رجعية تدّعي الحداثة إلى مطالبة المجلس التأسيسي بتطبيق الأحكام الشرعية خاصة في نصوص مجلة الأحوال الشخصية.
لكن هذه النوايا والتوجهات اليمينية التي امتد بعضها إلى حد التطرف لم تثن عزم نساء تونس، فقد تصدين لهذه التيارات بحزم وواصلن الكفاح في المنابر السياسية للحفاظ على مجلة الأحوال الشخصية وتكريس الحقوق والمكتسبات والمطالبة بالمساواة وبتكافؤ الفرص والحظوظ مع الرجال تشريعيا وواقعيا خاصة في مجال المشاركة السياسية من خلال المطالبة بأن تكون المرأة في مواقع الريادة في الأحزاب السياسية وفي صدارة القائمات الانتخابية وأن تمارس الفعل السياسي عبر تقلد مناصب ومسؤوليات عليا في الدولة.
ثمرة هذه النضال تمثلت في تبني المجلس الوطني التأسيسي في مايو عام 2011 قاعدة التناصف والتناوب في القائمات الانتخابية، وفي إدراج فصل في باب الحقوق والحريات يقر بأن: “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم”. هذا الجانب القانوني والتشريعي الذي منح المرأة حقوقها على حد السواء مع الرجل لم يكن كفيلا بترسيخ هذه الحقوق وتطبيقها في الواقع لأن المتأمل في الساحة التونسية يلحظ أن مشاركة المرأة فيها لازالت ضعيفة وأنه حتى بعد سنّ الدستور وخلال الانتخابات التشريعية بقي دور المرأة كفاعل سياسي محدودا وهو ما أكدته البيانات النهائية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات “إيزي”. فرغم أن نسبة الناخبات فاقت نسبة الناخبين، إذ بلغت 50.5 بالمئة لفائدة النساء من ضمن الـ5 ملايين و236 ألفا و244 ناخبا مسجلا، فإن التوقعات تؤكد أن تمثيلية المرأة في الانتخابات التشريعية ستكون دون المأمول لأن نسبة النساء على رأس القائمات الانتخابية ضعيفة وهو ما سيقلل حظوظها في الفوز بمقاعد البرلمان القادم.
وهذا ما تحدثت عنه نائلة شعبان كاتبة الدولة للمرأة والأسرة مؤكدة أن ارتفاع نسبة الناخبات مقارنة باقتراع 2011 هو قبل كل شيء نتاج “تعبئة من المجتمع المدني من أجل مشاركة أكبر للمرأة في الحياة العامة، لأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية لازالت متواضعة وغير كافية”، وصرحت أنه على الرغم من أن “الدستور الجديد يكرس مبادئ تكافؤ الفرص والتناصف، فإنه من الضروري توفير الآليات والأدوات اللازمة لوضع نصوص تضمن المساواة الفعلية بين الرجال والنساء، خصوصا فيما يتعلق بالوصول إلى مراكز القرار”.
في الوقت الراهن، بلغت نسبة النساء اللاتي ترشحن للانتخابات التشريعية للوصول إلى البرلمان خلال انتخابات اليوم الأحد الـ26 من أكتوبر الجاري، 47 بالمئة من العدد الجملي للمترشحين، وتم الإبقاء على مبدأ التناصف بخصوص انتخابات 2014، حيث لم تحظ بمنصب رئيسة قائمة سوى 149 امرأة على 1300 لائحة انتخابية، وهو ما يمثل نسبة لا تتجاوز الـ12 بالمئة من مجمل المترشحين الذين يمتلكون فرصة أوفر للإحراز على مقعد (كونهم يترأسون القائمات)، كل هذه المؤشرات ليست إلا دلالة على أن تمثيلية المرأة في البرلمان المقبل ومشاركتها الفعالة في العمل السياسي والدفاع عن قضاياها الأساسية ستكون ضعيفة.
هذا ما يقودنا لاستنتاج أن وضعية المرأة التونسية المريحة والمتقدمة في العالم العربي تشريعيا لم تكن مصحوبة بتطور واقعي وفعلي في مجال المشاركة السياسية وهو ما يتطلب تحولا جذريا في العقليات وفي الممارسة السياسية خاصة لدى النخبة التونسية حيث تكون دافعا نحو تكريس مشاركة قوية للنساء في الحياة السياسية وحضور متوازن ومتكافئ بين الرجال والنساء كما هو الحال في بقية المجالات.
المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|