logo
الزواج لاختبار التقارب أو التباعد بين الشريكين ثقافة جديدة في مصر!!
بقلم : أحمد حافظ ... 21.04.2024

**يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن الزواج المحدد بمدة زمنية معينة لن يكون دائما ناجحا، وأن وضع العلاقة في اختبار صارم بين البقاء أو الانسحاب خلال فترة زمنية محددة لا يؤسس لحياة أسرية مستقرة، لأن هناك مشكلات لا تظهر إلا بعد سنوات من المعايشة. بدورها رفضت المؤسسة الدينية في مصر هذا النوع من الزيجات وحرّمت عقد الزواج المحدد بمدة وطعنت في مشروعيته.
القاهرة - “اتفقت مع زوجتي على أن نتزوج مدة معينة، فإذا توافقنا في كل شيء استمر الزواج، وإن لم نتآلف لجأنا إلى الطلاق بالحسنى”.. هكذا كانت إحدى التساؤلات التي طرحها رجل مصري على جهة الفتوى لتبيان الحكم الشرعي حول الزواج المحدد بفترة زمنية لاختبار استمرار العلاقة أم إنهائها مبكرا.
جاء الرد الديني قاطعا بتحريم عقد الزواج المحدد بمدة، والطعن في مشروعية العلاقة برمتها، لكن الواقعة عكست لأي درجة أصبحت هناك توصيفات عصرية وأشكال جديدة للعلاقة الزوجية، بعيدا عن تقبل الأسر والدين لهذا نوع من الارتباط أم لا.
دأب علماء الأزهر ودار الإفتاء في مصر خلال الآونة الأخيرة على إظهار الاستنكار الواضع للخلل الذي أصاب بعض النواحي في منظومة الزواج، ولجوء شباب وفتيات إلى عادات وتقاليد غريبة عن المجتمع، مثل الزواج لفترة محددة، أو الارتباط لهدف معين ثم ينفصلان من دون غضب عائلي يعيد الأمور إلى نصابها.
تؤكد بعض التساؤلات الزوجية المتعلقة بمشروعية الأنماط الحديثة للعلاقة تراجع هالة القدسية التي كانت تحاط في الماضي القريب حول مؤسسة الزواج، وأنها باتت غائبة، وأصبح استقلال الشريكين عن العائلة واضحا، خاصة في نمط العلاقة محددة المدة.
يقوم الزواج المرتبط بفترة زمنية على أن توافق الشريكين على الحياة معا في منزل واحد لمدة ليست طويلة، كي يستطيع كل طرف الحكم بشكل جيد على مدى التفاهم الفكري والنفسي مع الشريك الآخر، وقياس جدوى الحياة بينهما وهل جيدة وتستمر، أم مستحيلة ومن الواجب التسريع بالانفصال الرسمي.
بعض التساؤلات الزوجية المتعلقة بمشروعية الأنماط الحديثة للعلاقة تؤكد تراجع قدسية مؤسسة الزواج
تدافع شريحة تطبق هذا النهج في العلاقة بأن السنوات الأولى من الزواج غالبا ما تكون كاشفة عن سلوكيات وتصرفات وأفكار كل طرف، وبدلا من أن يتورط الشريك في حياة أسرية ملغومة بالصراعات عليه أن يختار الاستمرار أو القطيعة مبكرا.
من بين أهداف الزواج محدد المدة أن يُمنح كل طرف مساحة من الوقت للتغلب على حياة ما بعد مرحلة العزوبية، أو يكون عاجزا عن استكمال العلاقة، وخلال هذه الفترة يتفق الطرفان على عدم الإنجاب لأن الزواج برمته مؤقت وقائم على الاختبار من دون أن ينتج عنه أطفالا.
اتفقت بعض الأصوات على أن الارتباط محدد المدة يحمل إهانة للمرأة وأهمية مؤسسة الزواج، ويفتح الباب لإقامة علاقات محرمة بين الجنسين وتغليفها بغطاء مطاط بداعي اختبار التقارب أو التباعد بين الشريكين، ثم يحدث الانفصال لأسباب واهية.
تظل أزمة المؤسسة الدينية في مصر ورجالها المنخرطين في بحث العلاقات الأسرية أنهم يختزلون المفاهيم الحداثية عن الزواج من منظور الحلال والحرام فقط وعدم النظر إلى الأبعاد والمبررات التي قادت شريحة من الشباب والفتيات للتمرد على عادات وتقاليد المجتمع المرتبطة بالزواج عموما.
ولا يتفق استسهال تحريم أي علاقة زوجية مع الأعراف والتقاليد، بل يكرس رفض الأجيال المعاصرة لكل ما يرتبط بالطقوس الموروثة عن مؤسسة الزواج، مع أن التدقيق في مبررات هؤلاء يمكن أن يقود إلى فهم أن الأفكار الجديدة عن الحياة الزوجية رسالة تمرد واضحة على التشدد الديني والفكري في المجتمع.
فإذا كانت هناك فئة تستخدم الزيجات المؤقتة لمجرد المتعة، فلا يعني ذلك تعميم التهمة على الجميع، إذ يوجد من يسلك مسار العلاقة محددة المدة ليختار كل شريك شكل العلاقة التي يستريح لها مستقبلا، وطالما أن البدايات سيئة ولا تسمح بالاستمرار، فمن حقه الانفصال، وهو ما استعاضت عنه الدول الغربية بما يعرف بالصداقة بين الشاب والفتاة، حيث يعيشان معا في حكم المتزوجين، ويقرران عقد القران عندما يتأكد كلاهما من صلاحية الآخر له وانسجامه معه.
ثمة فريق ثالث يرى أن الزواج الذي يتم فيه اختبار العلاقة من كل جوانبها يمنع وقوع خلافات مستقبلية تدفع الطرفان للدخول في دوامة مشاحنات قد تصل إلى المحاكم، ويكون الأبناء هم ضحاياها، والابتعاد عن هذا المسار يكون بتقييم العلاقة مبكرا.
يرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن الزيجات المؤقتة مرتبطة بالانقسامات الحادة التي ضربت الكثير من الأسر، لغياب التفاهم بين الشريكين وعدم بحث الرجل والمرأة عن آلية لإقامة علاقة هادئة بلا ضغوط قهرية، لكن الخطر في انحراف اختبار العلاقة ليتحول إلى وسيلة للمتعة ليس أكثر.
ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن تقييم العلاقة الزوجية في بداياتها ليحدد كل طرف موقفه من الاستمرار أو الانسحاب هو فهم غير دقيق لمؤسسة الزواج، لأنه من الطبيعي اختلاف طباع البشر باعتبار أن الحياة الزوجية متقلبة ومتغيرة وغالبا ما تطرأ عليها مستجدات لم تكن موجودة قبل الارتباط.
الزواج صلة
وقد تحدث تغيرات في سلوكيات أي طرف بعد الزواج لأسباب خارجة عن إرادته، أو لظروف لم يخطط لها، وهنا قد لا يقتنع الشريك بذلك ويرى أن العلاقة لا تتوافق مع ميوله وطموحاته، ويعتقد أن الآخر لا يتناسب معه، ويُقيّم العلاقة على أنها فاشلة.
أكدت عبير سليمان الناشطة النسائية والباحثة في قضايا الأسرة بالقاهرة أن تقييم نجاح أو فشل العلاقة الزوجية في بدايته تصرف متسرع، لأن حياة العزوبية تختلف بشكل عن الدخول في أجواء أسرة مستقرة مع تحمل المسؤولية ووجود شريك جديد لديه تطلعات مختلفة.
وأضافت لـ”العرب” أن الاستمرار في علاقة فاشلة لا يؤسس لحياة أسرية مستقرة، ولا يعني وضع العلاقة في اختبار صارم بين البقاء أو الانسحاب خلال فترة زمنية محددة، فهناك مشكلات لا تظهر إلا بعد سنوات من المعايشة، والعبرة في تمسك كل طرف بالآخر والتنازل من أجل البقاء معه.
وأوضحت أن المصارحة والاحتواء والتجاوز عن الصغائر من البداية أهم من التركيز في تقييم العلاقة مع كل خطأ في تصرف أو سلوك، لأنه من المستحيل توافق الشريكين تماما، ومن الطبيعي وجود اختلافات، وعندما تصل لمستوى صعب يحدث الانفصال.
وإذا كان الطلاق ليس بالأمر السهل على الشريكين، لكن الاستمرار في علاقة ميؤوس من إصلاحها خيار غير مناسب، حيث تتحول حياة الأسرة إلى سجن يخيم عليه الكبت والجمود والنفور، وتظل العبرة في استيعاب كل طرف للخلاف بدلا من الطلاق.
تتحمل العائلة نفسها جزءا من أزمة وصول الحياة الزوجية حد التقييم المبكر من جانب أجيال صاعدة، ففي الماضي كانت هناك توعية أبوية وجلسات تصالح يقودها عقلاء الأسرة لتقريب المسافات بين الشريكين، واليوم صارت المحاكم بديلا عن الحلول الودية وظهرت ثقافة اختبار الزيجة وهل تصلح للاستمرار أم تنتهي العلاقة مبكرا.
*المصدر : العرب


www.deyaralnagab.com