logo
بهارات للطاقة الإيجابية !!
بقلم :  سهيل كيوان  ... 07.11.2019

كثيراً ما تتساءل جماهير الـ«فيسبوك»، لماذا لا نكتب عن الفرح؟! فلنوزّع التفاؤل: صباح الفلّ والورد والياسمين، صباح الخيرات للغاليين، هيا بنا إلى الطاقة الإيجابية.
في الحقيقة إن هناك طاقات إيجابية كثيرة، ولكننا نتجاهلها، ولا نعيرها ما تستحق من اهتمام، فمعظمنا لا ينتبه بأنه لا يعاني من الشقيقة، وهو صداع جنوني يصيب بعض الناس، كذلك لا ينتبه أكثرنا إلى عدم وجود إمساك في معدته وهذا أمر رائع، وهناك أمر لا يقل روعة، وهو عدم وجود حساسية لمنتجات الحليب وفول الصويا، كذلك لا ينتبه معظمنا إلى السعادة الكامنة في أنه لم يسقط في حفرة مياه عادمة.
هناك أمور لا تحصى، علينا أن نتذكر بأنها لم تحدث معنا، وهذا وحده كفيل بمدّنا بطاقة إيجابية لا تنضب.
مثلاً، عندما نقول شرطة، كثيرون من ذوي الطاقات السلبية يتذكرون كلمة نابية تبدأ بحرف الشين، ولكن في الواقع هناك رجال شرطة محترمون يمارسون المهنة بحب ويخدمون الناس بتفانٍ، ولا يسعون لملء خزينة الدولة على حساب المواطنين، بل إنهم يلتمسون للمخالفين سبعين عذراً.
ليس من زمن بعيد، التقطتني كاميرا رصد السرعة، وخرج شرطيٌّ كان لاطياً وراء شجيرات إبرية، يذكّر برجال الفيتكونغ أو المقاومة أو عصابات تهريب السموم والسلاح الذين يفاجئون العدو، أشار إليّ بالوقوف جانباً، عندما رأيته قلت وأنا أنظر إلى ساعة قياس السرعة، مقولة اللبنانيين الرائجة في هذه الأيام: «….أمك»، «أكلتها بألف شيكل وأربع نقاط».
خفّضت صوت المسجّل الذي كان مرتفعاً على الآخر، وأعطيت شارة إلى اليمين، وأبطأت حتى توقفتُ جانباً، تقدم مني متهادياً ففتحت النافذة.
قال بهدوء وقد التقت عيناي بعينيه: رخصة القيادة من فضلك!
لمست فوراً في نظرته الهادئة طيبة خفيّة وقلت: يا للإحراج، لقد نسيتها في القميص الثاني، ببساطة غيّرت ملابسي، كانت أوراقي في جيب القميص الأزرق، وكما ترى ها أنا أرتدي قميصاً أبيض.
-حسناً، هات بطاقتك الشخصية.
-هي أيضاً في القميص الأزرق ذي الكم الطويل، ولكن ارتديت الأبيض لأنه بارد وبنصف كم، اليوم حار كما تشعر حضرتك، وأرجو أن لا تسأل أكثر، ليس في حوزتي أية وثائق..
بدا مندهشاً وقال: أنت صاحب السيارة؟
-نعم، هي سيارتي…
-منذ متى تملكها؟
-أربع أو خمس سنوات، لا أذكر بالضبط..
– حسناً، ما رقمها؟ سأل كأنما يمتحنني
-ههه، أنا لا أحفظ أرقاماً، ولكنها تبدأ برقمي اثنين وستة، وأعتقد أن الأخير صفر.
-لا، هي تبدأ بستة واثنين وبالفعل تنتهي بصفر، على كل حال، دعنا من الوثائق والأرقام، لماذا تسير بهذه السرعة الجنونية؟ هل تعلم بأنك قُدتَ بسرعة فوق المسموح بها بأربعين كيلومتراً، وهذا خطر عليك أولاً ثم على الجمهور.
-أعلمُ طبعاً..
-إذن، ما سبب قيادتك بهذه السرعة؟ هل تستبق نهاية العالم؟
عاهدت نفسي بأن لا أكذب مهما كان، لن أدّعي مثلاً بأنني مستعجل للتبرع بكليتي لأنقذ مريضاً من الموت، ولن أزعم بأنني إذا لم أصل في الوقت المناسب، فقد أخسر صفقة القرن الشخصية، قلت ببساطة: إلى حيفا.
-وما الداعي لهذه السرعة؟
رفعت صوت المسجل وقلت له: إنه الحب، اسمع يا محترم، لقد وصفوا صاحب هذا الصوت الرومانسي بأنه مخرب ومطلوب للعدالة!
-من هذا؟
-فضل شاكر، اسمع العذوبة، كأنه علاج للأعصاب والتوتر، عندما أسمع بعض رومانسياته فكأنما هي حقنة من المخدر في الوريد، لهذا لم أنتبه للسرعة، والقانون لا يمنع سماع فضل شاكر، رغم أن لصوص لبنان يدعون إلى محاكمته.
-غريب، لو قلت لي أم كلثوم أو فريد الأطرش مثلاً لتفهمتك، ولكن أول مرة أسمع بشاكر هذا. على كل حال، لماذا السرعة؟
-الحقيقة أنه سبب شخصي جداً، ولكن بما أنك رجل طيّب وقريب من سني وقد تفهمني، أعترف بأنني مسافر إلى لقاء غرامي، تصوّر حضرتك بعد جفاف عاطفي طويل، أشعر بأنني أستعيد شبابي ومشاعري التي ظننت أنها ماتت، أرجو أن تتفهم رجلاً شعره كالقطن ولحمه هشٌّ كالجبن، عادت إليه مشاعره بعدما ظنّها قد أمحلت إلى غير رجعة.
نظر إليّ ملياً وقال مبتسماً: كم أنت رائع، لقد بعثت بي طاقة إيجابية لم أحسب حسابها.
-أعاشق أنت يا حضرة الشرطي؟
ابتسم، ومسح عرقاً نبت على جبينه تحت قبعته، وقال: الطبخة على النار، ولكنها تقترب من النضوج..
حينئذ، رفعت صوت فضل شاكر على الآخر «ضحكت الدنيا وأخيراً لاقيناه حبيبي وحياتي وعمري فداه»، فقال: يا سلام يا سلام.. فعلاً جميل، أقسم بأغلى ما عندي، لو كنت أملك وقتاً لرافقتك لاكتساب الطاقات الإيجابية بمعيّتك. على كل حال، أتمنى لك لقاء عاطفياً موفّقاً، لن أؤخّرك عن موعدك، برعاية الله أيها المحترم..
-هل أفهم أنك لن تسجل لي غرامة مالية أو نقاطاً؟
-يا رجل، استح على دمك، هل يمكن أن أسجل مخالفة لذي مزاج رومانسي مثلك، لقد أقسمت أنني لن أفسد لعاشق نهاره مهما كانت تجاوزاته.
-ولكن قد يضرّ بك هذا التسامح، لأن الكاميرا التقطت رقم سيارتي وسرعتي، أليس عليك رقابة! صدقني لن أزعل إذا سجلت غرامة، على الأقل مئتين وخمسين شيكلاً ونقطتين، يمشي الحال..
– يا رجل، عيب عليك.. خلص اذهب بسلام.
-يا سلام، هل تعلم أنني كنت أظن أن الشرطي هو صنف من الحيوانات غير القابلة للتدجين، وأنه لا يمكن أن يعشق سوى تسجيل الغرامة والعصا والقيد وقنبلة الغاز والمياه العادمة وحتى الرصاص الحي!
-اتق الله في الشرطة يا رجل، نحن بشر مثلكم. انتبهوا، فهناك من يبث فيكم طاقات سلبية.
-يا إلهي، ليت كل الناس يوزعون طاقات إيجابية على السائقين مثلك. على كل حال، خذ هذه الأسطوانة ما دمت تحبّها، إنها لأم كلثوم..
– «إنت عمري».. هل معك «إنت عمري»؟
-إنها هي بحالها، توقعت أنك تقصدها، مبروكة عليك، خذ هذه أيضاً «ألف ليلة وليلة»، ألحان بليغ البليغ، سوف تحبّها.
-يا سلام، شكراً شكراً، لقد غمرتني بالطاقات الإيجابية.
قد يقول بعضكم إن الكاتب بهّرها، والبهارات كما تعلمون هو اسم الهند، ولهذا نسمي البهارات بهارات لأن العرب استوردوها من بهارات. وبالمناسبة، لا بأس من التضامن مع سكان نيودلهي عاصمة بهارات، الذين يعانون في هذه الأيام من تلوّث غير مسبوق في الهواء الذين يضطرون إلى استنشاقه.


www.deyaralnagab.com