logo
الصفقة لم تنضج بعد !!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.02.2020

لم تكن الحركة الصهيونية متسرّعة في تاريخ صراعها مع الفلسطينيين والعرب، فهي تخطّط وتنفِّذ ببطء وهدوء، حتى تنضج الثمرة، فتقطفها بدون إزعاج، أو بالحدِّ الأدنى منه.
نتنياهو لم يخترع أمراً جديداً أبداً، لا بالنسبة لقانون يهودية الدولة، ولا بالنسبة للتخلص من العرب من ذوي الجنسية الإسرائيلية، ولا بالنسبة لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وما حصل في الصفقة هو أنه دعا إلى الوليمة قبل نضوج الطبخة، والحقيقة أنها لم تكن تحتاج وقتاً طويلا بعد لنضوجها. ويعود هذا التسرّع في الإعلان، إلى جوعه المُلحّ للفوز في الانتخابات، تهرّباً من محاكمته، وهو على يقين بأن الصفقة والإسراع في إعلان بنودها، تزيد من حظّه في الفوز، مع إضافة فلفل أسمر سوادني وبخور إماراتي.
ربما كانت الطبخة بحاجة إلى بضع سنوات أخرى فقط، ولكن قاتل الله الحاجة.
أحد بنود الصفقة هو «التبادل السكاني»، بين المستوطنين وعرب المثلث، التضليل يكمن في التسمية، ففي حين صودرت مئات آلاف الدونمات لصالح المستوطنين من أراضي الضفة والأغوار، لتأمين مجال حيوي لهم، صودرت في المقابل مئات آلاف الدونمات خلال العقود السبعة الأخيرة من فلسطينيي المثلث، ليبقوا بلا أرض، وعملياً فإن التبادل ليس سكانياً، بل عملية تسليم إدارة سكان بلا أرض إلى سلطة رام الله، أي تحويلهم إلى لاجئين في وطنهم، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين والأرض التي صودرت لصالحهم. معظم أهالي المثلث مستعدون أن يكونوا مواطنين في الدولة فلسطينية وبكامل الحب والتقدير، ولكن شرط أن تسلّم معهم أراضيهم التي صودرت منذ عام 1948 حتى اليوم، مثال ذلك مدينة أم الفحم، التي تعدُّ حوالي ستين ألف نسمة، كانت مساحتها إبان النكبة 150 ألف دونم، تبقى منها اليوم 26 ألف دونم، وقد زاد على أهلها الأصليين سكان من عشرات القرى التي هُجِّرت عام النكبة وصودرت أراضيهم.
لن يكتمل الحلم الصهيوني الذي رُسم قبل أكثر من قرن إلا بكيان كامل من البحر إلى النّهر، وبأقل ما يمكن من السّكان العرب
معظم أراضي أم الفحم المتبقية تقع في الجهة الغربية الشمالية من وادي عارة، التي ستبقى تحت الإدارة الإسرائيلية، حسب الصفقة، وهي منطقة الروحة، وقس على ذلك بقية المدن والقرى المقترحة للتبادل السكاني، الأمر الذي يعني أن خطة نتنياهو هي تسليم السلطة الفلسطينية، أمر مسؤولية إدارة حوالي 400 ألف إنسان اقتصادياً وصحياً وتعليمياً وغيره من مقومات الحياة ولكن بدون أراضيهم، وعمليا تحويلهم إلى لاجئين في وطنهم. ترجمة يهودية الدولة تعني في الواقع تقليص نسبة العرب ليس داخل الخط الأخضر فقط، يخطئ من يظن أن طموح الحركة الصهيونية سيتوقف عند هذا الحد، فيهودية الدولة تعني أكثرية ساحقة يهودية بين النهر والبحر، حيث لن تكون سوى دولة واحدة، بأقل عدد ممكن من العرب، يديرون شؤونهم من خلال بلديات يسمونها دولة.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي هاجر إلى فلسطين حوالي مليون إنسان، وما زالوا يهاجرون، جاؤوا بهدف واحد لا غير، البحث عن مستوى حياة أفضل، لم يكن لغالبيتهم العظمى أي خلفيات يهودية. فقط 14% منهم كانوا من اليهود، والبقية لا دينيين، ومسيحيون وقلة من المسلمين، ولبعضهم صلة قربى بشكل ما لشخص يهودي ما من أجداده. كل من رغب جاء. الراب الأكبر لإسرائيل يتسحاق يوسف هاجمهم قبل شهر ووصفهم بأعداء الدين اليهودي والتوراة. المهم بالنسبة للحركة الصهيونية هو زيادة أعداد القادمين تحت لوائها في مواجهة السكان الأصليين، بغض النظر عن كون هذا القادم يهوديًا بالفعل، أم أنه جاء كمنتفع من امتيازات تمنحها له الدولة. لهذا السبب توجد هجرة معاكسة أيضاً، ترتفع أو تنخفض، وهذا يتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي أساساً. إضافة إلى المهاجرين من الاتحاد السوفييتي المتفكك، يوجد عشرات الآلاف من طالبي اللجوء السياسي من السودان وإريتريا هرباً من الحروب والاضطهاد في مناطق الصراع، كذلك يوجد آلاف من الأوكرانيين من طالبي اللجوء السياسي، أثر التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
لن يكتمل الحلم الصهيوني الذي رُسم قبل أكثر من قرن إلا بكيان كامل من البحر إلى النّهر، وبأقل ما يمكن من السّكان العرب. أذكّر أولئك المنهرقين على نتنياهو مثل جنرال السودان وغيره، أن إسرائيل تخلت عن عملائها من عرب وفلسطينيين، بل تحتقرهم ولا تقيم لهم وزناً، وعندما تتطلب مصلحتها ذلك ترميهم إلى الكلاب، هكذا تعاملوا مع الجنرال لحد، بعد انتهاء دوره، ومع سماسرة أرض وعملاء أمنيين فلسطينيين. استخدمت إسرائيل السلطة الفلسطينية كجسر للمترددين في التطبيع معها، بحجة أنك لن تكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين الذين ينسّقون أمنياً مع إسرائيل، واشترت صمت الأردن مقابل كذبة إدارته للأماكن المقدسة. طبعا لا توجد إدارة أردنية على الأماكن المقدسة ولا يحزنون، ربما فقط بدفع رواتب بعض الموظفين.
حكومة إسرائيل طعنت السلطة الفلسطينية، دمّرتها وصادرت أرضها وحجّمتها دولياً وعربياً، وسمّمت ياسر عرفات، ثم تخلّت عن أبو مازن وصارت تعتبره عدواً لها، لمجرد رفضه الانصياع لإملاءات اليمين المتطرف، وها هو نتنياهو ولضرورات انتخابية وشخصية يعلن عن صفقته من خلال راعيه دونالد ترامب، ويدعو إلى وليمة وتناول طبخة أغلب الظن أنها لم تنضج بعد، وواجب شعبنا أن يقلب الطاولة على من مدّها أو اشترك في إعدادها.


www.deyaralnagab.com