logo
ماذا لو خرجت الأزمة الأوكرانية عن السيطرة؟
بقلم : حسن نافعة* ... 25.06.2022

ليس من المتصوّر عقلا أن يكون الرئيس الروسي بوتين قد اعتقد أن الولايات المتحدة وشركاءها في حلف الناتو سيقفون مكتوفي الأيدي، حين قرّر اللجوء إلى القوة المسلحة لحسم نزاعه مع حكومة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وأقدم بالفعل على غزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، ومن ثم يفترض ألا يكون قد فوجئ بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت على بلاده، أو بالدعم السياسي والعسكري الذي جرى تقديمه إلى أوكرانيا. ولكن لماذا سلكت الأزمة الأوكرانية مسارا لم يتوقعه أيٌّ من الطرفين المتصارعين؟ وأين وقع الخطأ في الحسابات؟ وهل في وسع أحد ضمان أن تظلّ تحت السيطرة؟ وماذا لو خرجت عن نطاق القدرة على التحكّم فيها؟ تلك أسئلة مشروعة علينا أن نجتهد في البحث عن إجابة لها.
ربما يكون بوتين قد اعتقد، حين أطلق ما أسماها "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا"، أن جيشه يملك ما يكفي من القوة العسكرية لتمكينه من اجتياح بلد تعرفه روسيا حق المعرفة، وأن اجتياحه السريع له سيولّد ضغطا كبيرا على أوضاعه الداخلية، يكفي لإطاحة حكومة زيلنسكي وتنصيب حكومة بديلة موالية، وعندها ستصبح الولايات المتحدة وحلفاؤها أمام أمرٍ واقع، يجبرها على محاولة تهيئة الأجواء، للبحث عن تسوية سياسية مقبولة من موسكو، تقوم على قبول حياد أوكرانيا، والالتزام بعدم انضمامها إلى حلف الناتو، وتنفيذ اتفاقيات مينسك التي عملت حكومة زيلينسكي على التملص منها. غير أن هذا السيناريو لم يتحقّق على أرض الواقع، لأسبابٍ تختلف من فريق إلى آخر، فالفريق الموالي للمعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة يرى أن بسالة المقاومة الأوكرانية، خصوصا بعد المساعدات العسكرية الضخمة التي حصلت عليها، أجبرت بوتين على التخلي عن خطته الأصلية، واللجوء إلى الخطة ب الجاري تنفيذها. أما الفريق الآخر الموالي لوجهة النظر الروسية فيؤكّد أن العمليات الميدانية تسير منذ البداية وفق الخطة المقرّرة لها، وأن الهجوم الذي جرى على العاصمة الأوكرانية كان جزءا من هذه الخطة، واستهدف تشتيت انتباه القوات الأوكرانية بعيدا عن الهدف الحقيقي للعملية العسكرية الروسية، وهو احتلال شرق أوكرانيا وجنوبها، واستخدامه وسيلةً من أجل تحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية التي تسعى إليها روسيا.
أيا كان الأمر، لا يغيّر تباين الآراء في هذه المسألة شيئا من حقيقة ما جرى ويجري بالفعل على أرض الواقع، مؤكّدا أن لدى بوتين حدا أدنى من الأهداف التي يرى أنه قادر على تحقيقها بالقوة العسكرية. وهذه الأهداف هي، في تقديري، ضم شبه جزيرة القرم نهائيا إلى الاتحاد الروسي، وتمكين سكان إقليمي دونيتسك ولوغانسك، اللذين تقطنهما أغلبية روسية من الانفصال وإعلان الاستقلال (أو التمتع، على الأقل، بحكم ذاتي كامل في حال التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ مرضية). ويتضح تماما من المسار الذي سلكته الأزمة الأوكرانية أن بوتن مصمّم كل التصميم على تحقيق هذه الأهداف التي لن يتنازل عنها مطلقا، ولو تطلب الأمر دفع الأمور نحو حافّة الهاوية، الحرب النووية.
في المقابل، ليس واضحا ما إذا كانت الطريقة التي أدارت وما تزال تدير بها الولايات المتحدة الأزمة الأوكرانية تعكس وجود خطةٍ مسبقةٍ ومعدّة سلفا تتحسّب لمختلف الاحتمالات، أم أن ما جرى كان مجرّد ردود أفعال لمعركةٍ قرّر بوتين خوضها، ويمسك فيها بزمام المبادرة، خصوصا أن الولايات المتحدة لم تفاجأ بالغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وكانت قد رجّحت حدوثة بمجرد ظهور طلائع الحشود العسكرية الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية. وأيا كان الأمر، من الواضح أن تصريحات المسؤولين الأميركيين، على اختلاف مستوياتهم، تؤكد أن الولايات المتحدة سعت ولا تزال تسعى، بكل الوسائل المتاحة، ليس فقط إلى حرمان روسيا من تحقيق أي مكاسب من الغزو العسكري، وإنما أيضا لإلحاق هزيمة استراتيجية كاملة بها، تؤدّي إلى احتوائها وإجبارها على الانكفاء على ذاتها، ومنعها من التحول إلى قوة عالمية مؤثّرة على الساحة الدولية. ولكن كيف يمكن للولايات المتحدة تحقيق هذه الأهداف، سواء في حدّها الأدنى أو في حدّها الأقصى، في مواجهة دولة نووية قرّرت بالفعل استخدام القوة المسلحة فى أزمةٍ تقول إنها تمسّ ليس فقط بأمنها القومي، وإنما بوجودها ذاته، خصوصا أنها (الولايات المتحدة) قرّرت، في الوقت نفسه، تحاشي أي إجراءٍ قد يؤدّي إلى احتكاك عسكري مباشر مع روسيا. وهنا تتجلى الأبعاد الكاملة للمأزق الذي يمكن أن تقود إليه التطورات المحتملة للأزمة الأوكرانية.
كانت الولايات المتحدة، في المرحلة الأولى للأزمة على الأقل، تبدو واثقةً من قدرة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، من ناحية، والمساعدات العسكرية المقدّمة لأوكرانيا، من ناحية أخرى، ليس فقط على حرمان روسيا من الموارد التي تمكّنها من مواصلة الحرب، وإنما أيضا من استنزافها عسكريا إلى درجةٍ تجبرها على وقف إطلاق النار وطلب التفاوض قبل أن تتمكّن من تحقيق كامل أهدافها. ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة منها لعدة أسباب: فالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها روسيا للرد على هذه العقوبات، خصوصا ما يتعلق منها بإجبار الدول المعادية التي تستورد منها الطاقة على الدفع بالروبل، أدّت إلى حماية عملتها الوطنية، وحالت دون انهيارها، والموارد التي فقدتها روسيا جرّاء تخفيض أوروبا مشترياتها من النفط والغاز الروسيين، عوّضتها عبر التوجه نحو الأسواق الآسيوية بأسعار تفضيلية، من ناحية، وتحصيل فروق أسعار الطاقة التي تضاعفت، من ناحية أخرى. بل يمكن القول إن أثر العقوبات الاقتصادية أصبح ملموسا بصورة أكبر وأكثر تأثيرا، ليس فقط على الدول التي فرضتها، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، بل وعلى معظم دول العالم الثالث أيضا، بسبب ارتفاع أسعار القمح ومواد أولية عديدة أخرى، فإذا أضفنا إلى ما تقدّم أن العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا داخل الأراضي الأوكرانية تواصل تحقيق أهدافها على الأرض، حتى وإنْ بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا، لتبين لنا أن روسيا تبدو في موقفٍ أفضل من موقف المعسكر الآخر، الذي لم يعد أمامه سوى الاختيار بين بديلين: التصعيد، حتى لو أدّى الأمر، في النهاية، إلى احتكاك عسكري مباشر مع روسيا، وهو ما قد يضع العالم كله أمام احتمال وقوع كارثة كونية، أو البحث عن تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية، حتى ولو أدت هذه التسوية إلى تمكين روسيا من تحقيق الحد الأدنى من أهدافها على النحو المشار إليه آنفا، وهو ما يعني، في الواقع، إلحاق هزيمة بالولايات المتحدة قد تفتح الباب فعلا أمام تغيير حقيقي في قواعد اللعبة الدولية، وتمهيد الطريق أمام التأسيس لنظام دولي جديد متعدد القطبية.
يدلّ المسار الذي اتخذته الأزمة الأوكرانية، خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، على أن الولايات المتحدة وحلفاءها اختاروا سيناريو التصعيد، بدلا من سيناريو البحث الجادّ عن تسوية للحرب الدائرة حاليا على الساحة الأوكرانية. تدل على ذلك مؤشّرات كثيرة، ربما كان أهمها: حجم الأموال التي طلبت الإدارة الأميركية من الكونغرس اعتمادها في ميزانية هذا العام لمساعدة أوكرانيا على الصمود في حرب استنزاف طويلة الأمد .. استعداد الولايات المتحدة وحلفائها لتقديم أسلحة نوعية ثقيلة لتمكين الجيش الأوكراني ليس فقط من الصمود في الحرب أطول فترة ممكنة، ولكن أيضا من إيقاع أكبر الخسائر الممكنة بالجيش الروسي المقاتل على الأرض الأوكرانية .. تصاعد الإجراءات الرامية إلى استفزاز روسيا وتضييق الخناق عليها بكل الوسائل المتاحة، ومنها: تشجيع السويد وفنلندا على التخلّي عن حيادهما، ودفعهما إلى تقديم طلب لعضوية حلف الناتو، موافقة المفوضية الأوروبية على منح أوكرانيا وضع الدولة المرشّحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وأخيرا وليس آخرا، دفع ليتوانيا إلى فرض حصار تجاري على كاليننغراد، وهو جيب روسي له أهمية استراتيجة كبرى، لكنه محشور بين دولتين عضوين في حلف الناتو، ليتوانيا وبولندا، بدعوى تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وهو ما قد يدفع الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات عنيفة ضد ليتوانيا، قد تؤدّي إلى احتكاك عسكري مباشر بينها وبين الحلف.
لا يخلو الغرب من أصوات عاقلة، لم يتردّد بعضها في الدعوة إلى تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية، حتى ولو اقتضى الأمر تقديم تنازلات موجعة، مثل ما اقترح وزير الخارجية الأميركي الأسبق، وأحد كبار رواد نهج الواقعية والبراغماتية في مجال العلاقات الدولية، هنري كيسنجر، أمام منتدى دافوس الاقتصادي، أخيرا. كما لا يخلو الغرب من أصواتٍ شجاعةٍ لم يتردّد بعضها في تحميل "الناتو" مسؤولية اندلاع الحرب في أوكرانيا، مثل ما فعل البابا فرانسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، في تصريحاتٍ أدلى بها الشهر الماضي (مايو/ أيار)، غير أن هذه الأصوات لم تجد ما تستحق من صدى.
لجوء روسيا إلى استخدام القوة العسكرية لتصفية حساباتها مع الحكومة الأوكرانية الحالية مرفوض من حيث المبدأ، وتحرّمه الشرائع والقوانين الدولية، لكن الدول الأعضاء في حلف الناتو، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ليست في وضعٍ يسمح لها بإعطاء دروس أخلاقية لأحد، خصوصا أنها كثيرا ما ارتكبت جرائم أكبر وأفظع مما ترتكبه روسيا حاليا في أوكرانيا. ومؤكّد أنه كان في وسع هذه الدول تجنب اندلاع الحرب، لو تعاملت بحكمة أكبر مع الموقف، وتخلت عن إصرارها على توسع "الناتو" شرقا إلى درجة التهديد المباشر لأمن أكبر دولة نووية، لكنه الصلف الأميركي والغربي قد يؤدّي إلى خروج الحرب في أوكرانيا عن نطاق السيطرة، خصوصا بعد فرض الحصار على كاليننغراد.

بغداد..العراق : العراق يسجّل رسمياً أكثر من مليون عاطل من العمل.. وتقديرات بأن يكون العدد الفعلي مضاعفاً!!
كشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق أنّها سجّلت رسمياً أكثر من مليون عاطل من العمل من مختلف فئات المجتمع، من ضمنهم خرّيجون جامعيون، فيما أشارت إلى أنّ ثمّة أضعاف هذا العدد من غير المسجّلين لدى الوزارة، مضيفة أنّها تسعى إلى إيجاد معالجات لأزمة البطالة هذه.ويُعَدّ ملف العاطلين من العمل في العراق واحداً من أبرز الملفات التي شهدت تفاقماً، لا سيّما في السنوات الأخيرة، ومعظم هؤلاء من الخرّيجين الجامعيين الذين يحملون شهادات عليا. وعلى الرغم من الوعود التي تطلقها الحكومات المتعاقبة لإيجاد حلول لهذا الملف، من بينها توفير فرص عمل وتعيينات حكومية لتخفيف نسب البطالة، فإنّ ذلك يأتي من دون جدوى.وبحسب ما أفاد المدير العام لدائرة العمل والتدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، رائد جبار باهض، فإنّ "قطاع العمل هو مسؤولية الوزارة بالدرجة الأساس، إذ لديها قاعدة بيانات رصينة ومهمة"، مبيّناً في تصريح لصحيفة "الصباح" الرسمية، اليوم السبت، أنّ "قاعدة البيانات تضمّ أكثر من مليون باحث عن العمل من مختلف الفئات، ومن خرّيجي وزارتَي التعليم العالي والتربية، تمّ تسجيلهم في خلال الفترة الماضية في بغداد والمحافظات، عدا إقليم كردستان (العراق)".وتحدّث باهض عن "أضعاف هذا العدد من العاطلين (من العمل) غير المسجّلين في قاعدة بيانات الوزارة"، داعياً إلى "تضافر الجهود لخلق فرص عمل حقيقية لهم في القطاعَين العام والخاص، وإعداد خطة وطنية لحلّ هذه الأزمة". وأشار إلى أنّ "الوزارة أبرمت اتفاقاً مع منظمة العمل الدولية لتطوير المناهج التدريبية في مراكز التدريب التابعة للوزارة، ودعم القطاع الخاص عن طريق مخرجات التدريب المهني التي تتلاءم مع سوق العمل"، مضيفاً أنّ "الوزارة لديها العديد من الجهات والمنظمات الدولية التي تتعاون معها في مجال التشغيل والتدريب المهني، والتي أثبتت الكفاءة والقدرة على التعاطي في ابتكار مشاريع تخدم الفئات المختلفة من المجتمع".وتابع باهض أنّ أبرز "المشاريع التي تقوم بها الوزارة مدعومة من منظمات دولية مختلفة، لا سيّما الأمم المتحدة والمنظمة الكندية"، موضحاً أنّها "حققت نتائج مرضية من خلال زيادة فرص العمل للشباب، وتعزيز القدرات لمؤسسات التدريب، وتطبيق معايير الضمان والجودة، وتطبيق التدريب المبني على الكفاءة، وتطوير سوق العمل".وكان تزايد أعداد العاطلين من العمل في العراق قد دفع، منذ عام 2019، إلى خروج تظاهرات شعبية واسعة، كانت نواتها من هؤلاء. وقد طالب المتظاهرون بتوفير فرص عمل وتقديم الخدمات والقضاء على الفساد.ويرى ناشطون عراقيون أنّ الفساد المستشري في البلاد وهيمنة أحزاب السلطة على المقدّرات هما السبب الرئيس الذي أدّى إلى تزايد أعداد العاطلين من العمل.ويقول الناشط المدني مرتضى الركابي لـ"العربي الجديد" إنّ "أعداد العاطلين من العمل في البلاد بالملايين، لا سيّما مع تزايدها في السنوات الأربع الأخيرة، بعد تخرّج جامعيين لم يحصلوا على أيّ وظائف، إذ إنّ الحكومات تتذرّع بالأزمة المالية وبعدم تمرير الموازنة وغير ذلك من الأسباب التي تؤكّد أنّها تحول دون إمكانية توفير فرص عمل". ويشدّد الركابي على أنّه "لا يمكن إنهاء هذا الملف من دون أن يتخلّص البلد من الفساد والفاسدين".


www.deyaralnagab.com