logo
فشلت قمة بايدن ونجحت قمة طهران ولبنان لا محل له من القمم!!
بقلم : د. ايمان الشويخ ... 23.07.2022

ليست مصادفة أنْ تتزامن قمة إيران مع قمة جدة، فقد شهد الأسبوع نفسه قمتين مفصليتين قد يؤسسان لمحورين سياسيين واقتصاديين تُبنى وفقهما سياسات واقتصادات الدول الصغيرة أو النامية أو الهامشية أو التي تعيش على نتائج قمم الكبار، كلبنان مثلاً الذي لا محل له من القمتين، لكنه يبني تشكيل الحكومة العتيدة على نتائج القمتين، ويتأهب للاستحقاق الرئاسي المفصلي بعد أقل من أربعة أشهر بناءً على نتائج النتائج، أي أنه ينتظر الآن ماسيتمخض عن القمتين في الإقليم، وكيف ستترجم أفعالاً في المنطقة تصعيدا أم تهدئة ليبني على الاستحقاق الرئاسي مقتضى انتخاب رئيسٍ جديد بعد مغادرة الرئيس الحالي ميشال عون قصر بعبدا في ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٢، أو ترك القصر الرئاسي خاوياً إلا من الكرسي الأول، والجدران، والحرس الجمهوري، والمقتنيات التي تستعمل للديكور…وغيرها, لكن الديكور الجلي اليوم هو الحكومة التي تعتبر نفسها للزينة، أو شكلية أو للفرجة، دون أن تحرك ساكناً في بحر الأزمات التي تقض مضجع اللبنانيين وتؤرق يومياتهم من إضراب القطاع العام الذي يصر موظفوه على تقاضي رواتبهم على أساس دولار ٨٠٠٠ ليرة بدلاً من ١٥٠٠ ليرة مايعني طبع المزيد من العملة اللبنانية أي تضخم أي دولار قد يتخطى ١٠٠ ألف ليرة بعدما كان بداية الازمة في تشرين الأول عام 2019 كان 1500 ليرة لبنانية، وليس هذا فحسب بل الكل يعاني حتى موظفو القطاع الخاص هم ليسوا أفضل حالاً بعدما باتت رواتبهم تكفي ثمن عدة صفائح بنزين وفاتورة مولدات تعوض الغياب التام للكهرباء, الكهرباء وهي أم المصائب اشترطها صندوق النقد الدولي لإقراض لبنان بضعة مليارات دولار صرف لبنان أضعافها عام ٢٠٢١ من احتياطي البنك المركزي على دعم المواد الاساسية والتي استفاد منها تجار الازمات والمهربين, أما المواطن فلا زال حتى اللحظة يبحث عن ربطة خبز وعلبة دواء واللائحة تطول.
وبالعودة إلى قمة بايدن، فإن رياح جدة لم تجري كما تشتهي سفن بايدن، الزيارة التي كان من المفترض أن تؤسس لحلف أمني إقليمي بوجه إيران اصطدمت بإعلان بعض الدول إحجامها عن إبرام أي اتفاقيات ضد إيران، فطريق الرئيس الأمريكي إلى شرق أوسط جديد لم تكن معبّدة أما الشق الثاني من الهدف السياسي وهو إدماج “إسرائيل” في المنطقة فيبدو أنه فشل بعدما كان التوجه الأمريكي يسير نحو تشكيل حلف عسكريّ عربيّ إسرائيليّ معلن بوجه إيران وضم السعودية إلى قافلة التطبيع، أما اقتصادياً فلم يُكتب النجاح لرغبة واشنطن بتعويض النقص في الغاز بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتجلى ذلك مع إعلان وزارة الخارجية السعودية أن المملكة لن تضخّ المزيد من النفط في الأسواق، لأنها لا توافق على الكلام عن وجود نقص في الكميات المعروضة، وتشارك دول أوبك بلاس ومنها روسيا في الالتزام بالكميات المقرّرة، فهل يؤثر ذلك على إعادة نظر أمريكا في حرب الإنابة التي تخوضها في أوكرانيا والتي ألقت بثقلها على دول الغرب التي بدأت تسقط الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو.
لكن الفشل في جدة قابله إنجازات في طهران حيث خطفت قمة طهران الثلاثيّة، التي ضمّت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب أردوغان، خطفت الأضواء عن قمة جدة وباتت هي الحدث الذي يستحق الوقوف عند نتائجه، فقد نجح الرؤساء الثلاثة في نسج تحالف بين دول متكافئة لا آمرة ولا مؤتمِرة ، بل حلفاء وشركاء، ونجح الرؤساء بصورة مبدئية في رسم خارطة طريق تمهد لتحقيق الأهداف المرجوة وأهمها نزع فتيل التوتر من الحدود السورية التركية، حيث أكد بيان القمة تراجع تركيا عن عمليتها لقاء فتح قنوات للتعاون مع الدولة السورية تقوم على احترام سيادتها ووحدتها، فيما الهدف الثاني الذي وصل إليه المجتمعون فكان بتقديم النجاح في سورية كمثال قابل للتكرار في الإقليم، وبتحويل مصادر قوة الدول المشاركة الى عناصر تكامل تفتح الباب لتسويات على أيدي الحلفاء قبل الخصوم، وتظهير البعد الاقتصادي المشترك الذي يقدّمه التحالف لتخطي العقوبات الأميركية، أما الإنجاز الثالث فكان التمهيد لما سيشهده إطار البريكس الاقتصاديّ الدوليّ الذي تقوده روسيا والصين والهند وسيكرّس عضوية إيران في الخريف المقبل، وتتطلع تركيا لعضويته، ليكون إطاراً لنمو الاقتصادات المستقلة.
ولأن العملة بالعملة تذكر، فإن لبنان راح فرق عملة في الدول الكبرى المجتمعة من إيران إلى جدة, حضر فقط لناحية توطين النازحين لتفجير الوضع والاستثمار في بلدٍ منهارفي كل مؤسساته,ولتأجيج الصراعات بين المواطنين واللاجئين من جهة، وبين المواطنين أنفسهم من جهة أخرى، أي السعي لإعادة سيناريو الحرب الأهلية وربما هذا ماأراده العدو الاسرائيلي من خلال الاستثمار في رجال الدين كما وصفها رئيس الحزب الديمقراطي النائب السابق وليد جنبلاط مشيراً إلى حادثة توقيف النائب البطريركي العام على أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والمملكة الهاشمية، المطران موسى الحاج يوم الثلاثاء ١٩ تموز وإحالته إلى التحقيق في مركز الأمن العام في الناقورة على الحدود اللبنانية الفلسطينية, وفي التفاصيل فإن المطران الحاج كان ينقل مبلغ 460 ألف دولار، حيث اعتبر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي أنّ الأموال التي كان ينقلها، والتي بلغت نحو 460 ألف دولار هي ليست ملك الكنيسة إنّما مصدرها من عملاء مقيمين في إسرائيل يعمل غالبيتهم لصالح العدو في الأراضي المحتلة وهي تخضع للأحكام القانونية اللبنانية المتعلّقة بكلّ ما يدخل لبنان من الأراضي المحتلة وتطبق على كلّ قادم منها،لكن هذا الأمر أثار استياء الكنيسة المارونية التي طالبت بإقالة المسؤولين عن توقيف النائب البطريركي العام على أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والمملكة الهاشمية، المطران موسى الحاج، وتنحية مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي، وإغلاق القضية فوراً، معتبرةً ما جرى مسرحية أمنية ـــ قضائية.
وصحيح أن ماجرى هو مسرحية، لكن مخرجها موجودٌ في الأراضي المحتلة على مايبدو، وأبطال المسرحية موجودون في الأراضي اللبنانية التي شهدت بعض التحركات الشعبية لترسم علامات استفهام مجدداً عن خلفيات التظاهرات التي فشلت في بداية ثورة ١٧ تشرين في العام 2019, فهل ثمة من يريد تفجير الوضع الاجتماعي ليسمح للعدوالاسرائيلي أن يهنأ بالتنقيب عن النفط في أيلول المقبل؟
إلا أن المعلومات تحدثت عن زيارة قريبة للوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود عاموس هوكشتاين خلال الأسبوعين المقبلين، مع إشارات إيجابية تتصل بملف الترسيم في ضوء تهديدات المقاومة، بعد معادلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كاريش وما بعد كاريش.
وإذا كانت المصادر المتابعة لملف تشكيل الحكومة تؤكد أن لا حكومة قبل نهاية العهد إلا في حال حصول أحداث كبرى فإن أسئلة تطرح حول قرب الوصول إلى ترسيم الحدود خلال شهرين وعلاقة ذلك بالاستحقاق الرئاسي إذا سلمنا بأن لاحكومة قبل نهاية العهد, على أية حال لايزال تأليف الحكومة متاحاً والوقت لم ينقض تماماً إلى أن يوجه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة الى جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية انطلاقاً من منتصف ليل ٣١ آب تظل الفرص ممكنة للاتفاق على الحكومة الجديدة، وإلى حينها يبقى نفق المجهول هو الطريق الأوحد للمواطن الذي تقطعت به السبل، بعدما ألقت به الدولة في جهنّم ومابعد بعد جهنّم، وهو ينتظر الخروج من الجحيم، والدولة تنتظر خروج الحلول من عنق زجاجة الإقليم، ولا شيء سوى الانتظارفي بلد تخوف فيه رئيس الحكومة المكلف بالأمس أن يغنى له “يابيي خدني عالعصفورية”.

*كاتبة لبنانية

www.deyaralnagab.com