logo
صراعات الفصائل... أبعاد عشائرية لحروب الموارد والنفوذ في الشمال السوري!!
بقلم : عبسي سميسم ... 21.11.2022

لا تتوقف معارك رفاق السلاح في الشمال السوري، إذ تندلع مواجهات بين فصائل الجيش الوطني المعارض من أجل السيطرة على الموارد الاقتصادية وفرض النفوذ فيما تغذي الحالة العشائرية تبعات التشرذم والانقسام المفيدة للنظام.
- أصيب الخمسيني السوري عيد الجوال الجاسم برصاص طائش بينما كان في طريقه إلى عمله بسوق المواشي في عفرين، جراء اندلاع معركة مفاجئة في مايو/أيار الماضي بين فصيلين من الجبهة الشامية (اتحاد لمسلحي المعارضة في حلب ضمن فصائل الجيش الوطني المعارض)، كما يقول، مضيفا "منذ أكثر من ستة أشهر لا ليلي ليل ولا نهاري نهار بسبب ألم الأسياخ المثبتة بثماني حفر في رجلي نتجت عن الرصاص وانقلاب الدراجة النارية التي كنت أقودها يوم الحادث".

ولم يعر المتحاربون ولا هيئاتهم الإدارية أسرة الجاسم المكونة من 11 فردا وامرأتين أي اهتمام، كما يقول: "صرنا بلا معيل، أعلم أنهم أصابوني بالخطأ ولكن ما ذنبي حتى أكون ضحية اقتتال فصيلين محسوبين على الثورة، سبق أن نزحنا من ريف حماة الشرقي هربا من بطش النظام، ونقطن مخيم النهر بمدينة عفرين في ريف حلب الشمالي ونعاني ظروفا مريرة".
ويعد عيد الجوال الجاسم واحدا من بين ضحايا الاقتتال بين فصائل المعارضة في الشمال السوري، لكنه أكثر حظا من 12 مدنيا قتلوا بالإضافة إلى 19 عسكريا، كما جرح 78 من الفصائل المتصارعة، و54 مدنيا، جراء 41 صراعا وقعت بين فصائل الجيش الوطني المعارض منذ بداية العام الحالي وحتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدا صراعين تدخلت فيهما هيئة تحرير الشام لصالح فصائل محسوبة على الجيش الوطني ضد فصائل أخرى من الجيش نفسه، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ووحدة تنسيق الدعم (مؤسسة إغاثية سورية غير حكومية)، وشهادات أربعة ضباط ينشطون ضمن فصائل الجيش الوطني والتي تتبع تنظيميا لوزارة الدفاع في الحكومة
صراعات على النفوذ والموارد
"تشتعل صراعات الفصائل المعارضة لسببين رئيسيين، هما السيطرة على الموارد وتوسيع النفوذ"، كما يوضح الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، والذي عمل سابقا كناطق باسم فصيل فيلق الرحمن الذي نشط في غوطة دمشق حتى عام 2014، وباستثناء بعض الاشتباكات المحدودة التي تنشأ نتيجة خلافات شخصية أو عشائرية، فإن كل الصراعات حتى ولو تم الإعلان عن أسباب أخرى لحدوثها، إلا أنها في حقيقتها من أجل الموارد والنفوذ، كما يقول علوان، مشيرا إلى أهمية التفرقة بين صراعات يكون أحد أطرافها فصيلا له توجه أيديولوجي وبين صراعات فصائل الجيش الوطني، إذ يقوم النوع الأول على ادعاء أيديولوجي ومن ثم تخوين الفصيل كاتهامه بالعمالة للنظام أو لجهة ما، أو من خلال تكفيره من أجل إقصائه، وبهذه الطريقة سيطرت جبهة النصرة التي تحولت لاحقا إلى هيئة تحرير الشام على كامل محافظة إدلب، بينما الفصائل التي لا تحمل أي توجه أيديولوجي غالبا ما تلجأ لافتعال مشاكل عادية، مثل خلافات على مقر وأحيانا خلافات شخصية مع عناصر الفريق المناوئ ولا تلبث أن تطور الصراع بهدف فرض النفوذ أو السيطرة على الموارد.
وخاضت هيئة تحرير الشام أربعة صراعات رئيسية انتهت بالقضاء على الفصيل الذي حاربته، بدءا من صراعها مع جبهة ثوار سورية عام 2014 (إحدى فصائل الجيش الحر)، ثم القضاء على حركة حزم عام 2015 (فصيل يتبع للجيش الحر)، ثم القضاء على حركة نور الدين الزنكي في عام 2016 (إحدى فصائل الجيش الحر)، ثم طرد حركة أحرار الشام من محافظة إدلب عام 2017 والسيطرة على كامل المحافظة.
ويتفق الباحث في مركز عمران للدراسات نوار شعبان مع علوان، مشيرا إلى أن اقتتال الفصائل ذات التوجه الأيديولوجي، مثل صراع النصرة مع حراس الدين، واقتتالها مع أجناد الشام، غالباً ما يكون بهدف القضاء التام على الفصيل الخارج عن السيطرة والمنتمي للفكر نفسه حتى تصبح القوة الوحيدة المسيطرة في منطقة نفوذ محددة، وهو ما يقتضي جمع المزيد من الموارد، بحسب الباحث، الذي عمل على دراسة بعنوان "ماضي وحاضر ومستقبل الجيش الوطني السوري".
حرب رفاق السلاح
ما سبق تؤكده إفادة محمد الصادق، المقاتل السابق في صفوف فصيل حركة أحرار الشام، والذي روى لـ"العربي الجديد"، كيف هاجم عناصر من تنظيم هيئة تحرير الشام أفراد فصيله في 20 يوليو/ تموزعام 2017، للسيطرة على مقرهم بمعبر باب الهوى الحدودي، قائلا: "فوجئنا أن الكثيرين منهم سبق أن قاتلنا معهم ضد قوات النظام كإخوة سلاح ومنهج"، وتابع: "البعض منا رفض قتالهم، ومنهم أنا، رغم الفتوى من القيادة بوجوب قتالهم تحت مسمى (رد صائل)، أي الدفاع عن مقراتنا، التي استولوا عليها بكل ما تحتويه"، فيما كان المبرر الذي أقنعت به الهيئة عناصرها للاستيلاء على معبر باب الهوى وانتزاعه من حركة أحرار الشام هو أنها باتت تشكل عائقا في وجه تطبيق الشريعة الإسلامية، بحسب المقاتل السابق في صفوف الهيئة أبو عبادة، الذي يقيم في مدينة أريحا بمحافظة إدلب وفضل عدم كشف اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، وتابع أن شرعيي الهيئة بدأوا في تجييش عناصرهم ضد أحرار الشام بدعوى أنهم حادوا عن الشرع، وأنهم سيجلبون عبر معبر باب الهوى القوات التركية والأميركية، لذلك يجب أخذ المعبر منهم، ليتبين بعدها أن الهدف كان الاستيلاء على المعبر لما يدره من أموال.
ويؤكد مصدر مطلع في إدارة المعبر الخاضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، طلب عدم ذكر اسمه للموافقة على الحديث، أن 93 ألف شاحنة تجارية دفعت رسوم مرور خلال العام الماضي، بينما يوضح الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات خالد تركاوي أن قيمة البضائع التي تدخل عبر معبر باب الهوى إلى الجانب السوري تراوح بين 600 و800 ألف دولار يوميا، وبمتوسط رسوم عبور تصل إلى 700 مليون دولار سنويا.
ولفت الباحث، الذي عمل على دراسة عن اقتصاديات الحرب في سورية بعنوان "التمويل والعلاقات التجارية البينية للقوى المتصارعة في سورية"، إلى أن سبب تباين الأرقام وعدم ثباتها يعود إلى اختلاف الرسوم بين سلعة وأخرى.
ضياع أهداف الثورة
تعمل فصائل الجيش الوطني غير المؤدلجة تحت مظلة وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وهي الجهة التنفيذية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، كما يوضح الباحث علوان، مشيرا إلى أن صراعاتها البينية على الموارد لا تتوقف بسبب عدم وجود تنظيم وفاعلية لوزارة الدفاع، وغياب الانضباط والتكافؤ سواء في القوة أو موارد الفصائل، ولفت إلى أن النزاعات في مناطق الجيش الوطني لم تأخذ البعد الأيديولوجي لذلك كانت أقل عنفاً وحدة، وأقصر من الناحية الزمنية، ومن حيث ارتداداتها على المدنيين مقارنة بالنوع الأيديولوجي، وإن كان الهدف الحقيقي منهما واحدا، أي النفوذ والموارد الاقتصادية.
ويؤيد الرائد مصطفى نجار، رئيس قسم مكافحة الإرهاب بالجيش الوطني، ما سبق معللا الأمر بأن الكثير من تلك الفصائل أضاعت الهدف الرئيسي الذي خرجت من أجله الثورة. وبحسب ما وثقه معد التحقيق عبر شهادات عسكريين في الفصائل، يتضح أن 17 صراعا من أصل 41 صراعا بين فصائل المعارضة منذ بداية العام الجاري كانت على النفوذ والموارد، (11 على الموارد، و6 على النفوذ).
ومن بين صراعات الموارد ما جرى في 7 إبريل/ نيسان بين فرقتي الحمزة وسليمان شاه على عائدات التهريب في مدينة رأس العين بريف الحسكة، وصراع فرقة الحمزة وأحرار الشرقية على محطة وقود وأرض زراعية في منطقة تل ذياب بريف الحسكة في 18 يونيو/ حزيران الماضي، وخلاف فرقتي المعتصم والحمزة على نقطة تهريب في منطقة زغرة بريف حلب في7 أغسطس/آب. ومن أمثلة صراع النفوذ مواجهة فرقتي السلطان مراد والحمزة للسيطرة على موقع عسكري بريف الحسكة في 9 فبراير/شباط، كما تدخلت هيئة تحرير الشام الى جانب فرقتي الحمزة وسليمان شاه في مواجهة ضد الفيلق الثالث (تجمع يضم 6 فصائل) في 11 أكتوبر/ تشرين الأول، بهدف الاستيلاء على معبر الحمران التجاري
الصراعات العشائرية
قد تتحول خلافات العشائر إلى صراع بين فصيلين يكون أحدهما في غالبيته من عشيرة فيما غالبية الفصيل الآخر من عشيرة مختلفة، كما وقع في 25 مايو/أيار حين تحول خلاف بين عشيرتي الموالي والعكيدات في رأس العين إلى صراع بين فرقة الحمزة التي ينتمي معظم أفرادها إلى عشيرة الموالي ومجموعة عناصر من فصائل تتبع للجيش الوطني وتنتمي لعشيرة العكيدات بسبب قتل قيادي في فرقة الحمزة يدعى خالد العبدلله عنصرا من الجيش الوطني يدعى محمد العواد الدعار ينتمي لقبيلة العكيدات عقب خلاف شخصي حشدت على أثره قبيلة العكيدات كل المسلحين من أبنائها الذين ينتمون لفصائل مختلفة في الجيش الوطني وهاجمت مواقع فرقة الحمزة برأس العين سعيا للثأر، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر تسجيلات صوتية منشورة في مجموعات تليغرام نسبت لأبناء قبيلة العكيدات، ومقاطع فيديو توثق جانبا من الاشتباكات التي استخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة.
خلافات العشائر تتحول إلى صراع بين فصيلين مسلحين
وبين الباحث شعبان أن مجموعة الفصائل التي انضوت تحت اسم الجيش الوطني تضم العديد من المكونات، منها عشائر عربية أو تركمانية، كما أن بعض الفصائل تتكون من المهجرين وأخرى من السكان المحليين، كما توجد فصائل قوية وأخرى ضعيفة، بالإضافة إلى وقوع خلافات شخصية بين عناصر من فصائل في الجيش الوطني قد تتطور إلى خلافات على أساس مناطقي، وهو أمر مخيف فعلا، كأن تتصارع فصائل مكونها الأساسي من ريف دمشق (مثل جيش الإسلام) مع فصائل مكونها الأساسي من دير الزور أو حلب (مثل فرقة الحمزة).
ويوضح شعبان أن مكونات فصائل الجيش الوطني ما زالت محافظة على صبغتها، فالمحلي ما زال يتعاطى على أنه صاحب الأرض، والفصيل النازح إلى الآن لم يشعر بأنه مستقر، والفصيل العشائري ولاؤه لعشيرته قبل ولائه للفيلق الذي ينتمي إليه.
مخلب القط
يكشف قيادي في الجيش الوطني فضل عدم الكشف عن اسمه لكونه غير مخول له بالتصريح، عن نوع من الصراعات بين فصائل الجيش الوطني يسمى "مخلب القط" إذ يعمد فصيل كبير أو تجمع فصائل إلى القيام بما يسمى "عملية تأديب" تستهدف فصيلا مناوئا، ويرى القيادي أن الصراع الذي وقع بين الفيلق الثالث وحركة أحرار الشام التي كانت تنشط ضمن الفيلق وانشقت عنه في 18 يونيو الماضي، كان يهدف إلى تأديب الفيلق الثالث بسبب محاولاته الاستقلال بقراراته، ليتم افتعال الخلاف ومن ثم تدخلت هيئة تحرير الشام لصالح أحرار الشام.
وبين بحث "العربي الجديد" وجود أسباب متنوعة غير ذات أهمية أدت إلى صراعات بين فصائل الجيش الوطني مثل الخلافات الشخصية بين عنصر من فصيل مع عنصر من فصيل آخر ومن ذلك ما وقع بين فرقة الحمزة وفيلق الشام يوم 7 إبريل/نيسان في بلدة بلبل بريف حلب أو أن ينشأ صراع داخل الفصيل نفسه سواء نتيجة خلاف عنصرين من الفصيل كالصراع داخل فيلق الشام في 5 إبريل/نيسان في منطقة ميدانكي بريف حلب، أو نتيجة انشقاق عدد من العناصر عن فصيل، أو انشقاق فصيل عن تجمع فصائل كانشقاق أحرار الشرقية عن الجبهة الشامية في 18 يونيو/حزيران في مدينة الباب بحلب، ومن الخلافات البسيطة التي تطورت إلى صراع خلاف فرقة المعتصم مع أحرار الشرقية على اعتقال شخص ما لبث أن تطور لصدام مسلح يوم 12 يونيو في بلدة الراعي بريف حلب.
ويعلق الباحث علوان بأن تركيبة فصائل الجيش الوطني غير المنضبطة ضمن مؤسسة عسكرية جعلت الصراعات بينها تنشأ لأبسط الأسباب، موضحا أن تلك الصراعات رغم تكررها إلا أنها لا تتطور إلى صراعات كبرى ما لم يكن السبب البسيط مفتعلا للتغطية على صراع من أجل النفوذ أو الموارد.
كيف يمكن مواجهة الظاهرة؟
يقول رئيس الشبكة السورية لحقوق الانسان فضل عبد الغني لـ"العربي الجديد" إن الفصائل خلال نزاعاتها البينية لا تحترم أي قانون، وترتكب عمليات قصف عشوائي تؤدي إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين أو تتسبب في دمار مبان سكنية أو منشآت حيوية، موضحا أن قسما كبيرا من هذه الاشتباكات تجري داخل المدن والأحياء السكنية، أو قريبة منها، مما يعرض المدنيين إلى انتهاكات وخسائر مادية كبيرة، ولا يتم تعويض ذوي القتلى أو الجرحى والمتضررين، وبالطبع لا تجري محاسبة المسؤولين، الأمر الذي يفقد هذه الفصائل حاضنتها الشعبية ومن كانوا يؤيدونها في مواجهة النظام الذي ثاروا عليه.
وتجمع آراء العسكريين والباحثين الذين التقاهم "العربي الجديد" على أن منع الصراعات لا يتأتى إلا من خلال مأسسة الجيش الوطني، إذ يشير علوان إلى أنه لا بد أن يقترن الدمج، أي تجميع الفصائل ضمن كتلة واحدة في مؤسسة الجيش الوطني، بتوزيع العناصر حسب الاختصاص وليس حسب الفصيل الذي ينتمون إليه، والعمل على تعزيز وتمكين دور وزارة الدفاع وهيئة الأركان التابعة للحكومة المؤقتة، قائلا :"لا بد أن يكون هناك قرار على مستوى المعارضة السورية لإنهاء الحالة الفصائلية ورأينا مؤخراً كيف بدأت غرفة عمليات عزم (غرفة عمليات مشتركة بين فصائل الجيش الوطني تقوم على توحيد العمل الأمني فيما بينها) بتفاعل كبير من الفصائل ثم تباطأ هذا التفاعل ليتحول إلى لا فاعلية من بعض الأطراف، ثم إلى تشتت، وتشرذم، ومن ثم حبر على ورق".
ويجزم الرائد نجار بأن كثرة الاندماجات المعلنة من حين لآخر بين الفصائل تقوم بحثا عن مصالح الفصائل وليس مصلحة الشعب والثورة، موضحا أنه حين تنتفي تلك المصالح تعود حالة التشرذم من جديد، ويصف نجار وجود وزارة الدفاع بـ"الصوري" قائلا "وزير الدفاع لا يتحكم بأي فصيل عسكري"، فيما يرى الباحث شعبان أن عملية دمج الفصائل لا تصلح دون قيادة مركزية موحدة عسكريا وأمنيا، قائلا:" كيف ينجح اندماج يتم عبر غرف عمليات مشتركة وكل فصيل محافظ على رايته وهيكلته العسكرية والأمنية".
وعن مخاطر الصراعات بين الفصائل قال شعبان إن استمرارها يساعد على استمرار هشاشة الواقع الامني، ويخلق ثغرات يمكن للجانب الروسي والإيراني والنظام استخدامها، كما أن هذه الصراعات تقوم بتجييش الحاضنة الشعبية ضد الفصائل، وتنمي الشعور بالغضب بين المدنيين تجاهها.

*المصدر : العربي الجديد

www.deyaralnagab.com