سلكت طرق مسقط الراس وموطأ اول خطوة في حياتي التي تحول مع مرور الزمن الطويل الى مدينة شاسعه واسعه ورغم وجود هذا الكم الهائل من البيوت الا ان خارطة المكان العتيقه ظلت عالقه في وجداني وكأن ماهو موجود اليوم ليس موجود, سلكت الطريق العتيق من خربة الهزَّيل غرباوصعدت التلال شرقا ومررت بشجرة السدره احد اشهر معالم الطريق ومررت بمواقع كثيره حتى وصلت هرابة و بير الافينش ومن ثم رجيم الذيب ومن ثم جسر الملاحي وحتى ابوخُف وعدت اخطر بذاكرتي وجود قطعان الاغنام وبيوت الشعر وسلكت وادي ابوالحسوس ونزلت الوادي نحو الجنوب ومررت مجددا بمغارة الافينش واكملت طريق الوادي حتى وصلت وادي الخزان ومفرق النبق الى الشرق امتد الوادي الى وادي المغيربي ومغارة المغيربي واشجار النبق العتيقه, وعدت ادراجي الى اتجاه الغرب في وادي الخزان وتذكرت الصفا والنخابير والتلاع والبطنان والاوديه و شجر الصوي والعوسج والشنار وهرابة الجقمه وهرابة ابو الشيخ واسماء اماكن كثيره ما زالت عالقه في وجداني بعد عقود من الزمن وغيابي الطويل عن وادي الخزان بتضاريسه الجغرافيه.. تذكرت ابوعوَّاد الذكي والحذر ذلك العصفور الصغير[البرقي] الذي كنا نحاول اصطياده على الفخ والدوده وكان يراوغ من شجرة عوسج الى اخرى ومن رجم الى اخر ومرَّاده الشبه ثابت... ونغني له : يا ابوعواد منك لغاد.. غاد شويه.. على المراد.. غاد شويه.. يتمايل ابوعواد على النغم يركض نحو الامام ويحرك راسه بحذر وقلبنا يخفق معه.. يا ابوعواد منك لغاد.. غاد شويه. يجري ابوعواد نحو الفخ ويلحظ الدوده..دودة الفخ... يتفحص المكان شرقا وغربا بحذر, لكن لعابه يسيل على الدوده ويضعف امام هذا الاغراء.. يقترب من الفخ المدفون في الرمل.. يفرد جناحيه بحركه دائريه ويحوم حول الدوده.. يتفحص.. وفي هذه الاثناء نقدم قدما على قدم استعدادا للانطلاق بعد ان يفعط الفخ.. يحوم ابوعواد.. ينقر الدوده ويفعط الفخ.. يسقط ابوعواد اخيرا في الفخ.. بعد مطارده وغناء وتدليع.. ابوعواد هذا كان عصفور صحراوي صغير ذكي ولحمه القليل في ذاك الزمن الغابر كان لحما شهيا على قلة اللحم في ذاك الزمن الجميل... مطاردة ابوعواد وصيده كانت لعبه وتسليه وليست فقط قضية اكل.. الانسان يبقى وفيا لمسقط راسه وطفولته.. ويا ساق الله على وادي الخزَّان والبطنان وطفولة ضاعت معالمها في عالم العمران وطيات الزمن.. ولنا لقاء وخاطره اخرى مع وادي الخزان الذي صار اليوم جزءا من مدينة رهط في النقب..