إنتاج "الزقوقو" في تونس: مغامرة خطرة وجهد كبير وثمن زهيد!!
03.10.2023
سليانة (تونس) - بين أغصان أشجار الصنوبر الحلبي الكثيفة الشاهقة التي تغمر هضاب وجبال بوعبدالله التابعة لمعتمدية كسرى من ولاية سليانة، يسارع نزار الغضبان بجمع “كرد الزقوقو” (مخاريط ثمار الصنوبر) متحديا إعاقته وصعوبة تضاريس المنطقة، حتى يستخرج حباته لبيعها، خاصة في المناسبات على غرار المولد النبوي الشريف.ففي محافظة سليانة، المزود الرئيسي للسوق بمادة “الزقوقو” التي تستعمل أساسا في صنع “العصيدة”، الأكلة الرئيسية للعائلات التونسية بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، يختص متساكنو عمادة سند الحداد من معتمدية مكثر وعمادة بوعبدالله من معتمدية كسرى في جمع مخاريط “الزقوقو”.وتستوقفك بمنطقة “الصوادقية ” ملامح رجل أربعيني، يمكن أن تراه تحت أشعة شمس حارقة، أو أمطار غزيرة، مقدما بجسمه النحيف على مهنة محفوفة بالمخاطر في الجبال والأودية لساعات طوال، فيتوجه إلى الغابة، مورد رزقه الوحيد، ويقترب من أول شجرة صنوبر حلبي تحتوى على أكبر عدد من المخاريط تعترضه علّها تدر برزق وفير على عائلته.وترافق نزار (وهو أب لثلاثة أبناء) زوجته بسمة في كل خطوة، فهي التي تعتلي الشجرة لعدم قدرته على تسلقها بعد تعرضه لحادث منذ أكثر من 4 سنوات أثناء عمليات الجمع، ويتكفل هو بجمع المخاريط، التي توضع في ما بعد في أكياس.
**إنتاج “الزقوقو” لهذا الموسم تسجل انخفاضا بحوالي 30 في المئة مقارنة بالسنة الفارطة، علمًا وأنّ إنتاج السنة الفارطة كان في حدود 100 طن..وقال في حديثه لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، إنه يمتهن جمع وإنتاج مادة “الزقوقو” منذ أكثر من 30 سنة، باعتبار أنه لم يزاول الدراسة واكتسب مهنته عن والده وجده، فقد أصبحت بالنسبة إلى الكثيرين بعدد من عمادات جنوب محافظة سليانة “إرث الأجداد”. بأنامله وكفّيه المتشققين، يحمل نزار الكيس المملوء بـ”الزقوقو”، وكلما زاد ثقله، انبسطت أسارير ووجهه، ليعود بعد فترة وقد امتلأ الكيس من جديد ليفرغه في صندوق كبير من السعف وينطلق من جديد في رحلة العمل المرهق الذي تعوّد عليه في مسالك ألفها وعرفها.ويتفنن نزار في إعداد مردومة (فرن) “الزقوقو” فترتسم التجاعيد على وجهه الضحوك لتوحي بسن أكبر من سنه، فهو يترك “الكرد” في “المردومة” في درجات حرارة مرتفعة جدا طيلة يومين متتاليين ليحصل لاحقا على كمية من مادة “الزقوقو” بعد أن ينفضها وينظفها من الشوائب، وهو ما يجعل عملية الحصول على “الزقوقو” صعبة ومحفوفة بالمخاطر والمتاعب، فدرجة الحرارة المرتفعة للفرن قد تسبب أمراضا خطيرة خاصة في الرئتين، فضلا عن إمكانية السقوط من أعلى الشجرة كما حدث له.ويواصل نزار عمله رغم أنه أصبح من ذوي الاحتياجات الخصوصية، بعد حادث السقوط الذي تعرض له وفشل العملية الجراحية التي أجريت له، وقد تحصل على بطاقة إعاقة سنة 2019، فهو يحب عمله ويحب الجبل، وقد أعرب عن تأثره بسبب الحرائق التي أتلفت مساحات من غابات أشجار الصنوبر الحلبي بمعتمدية بوعبدالله، وعبّر عن أمله في أن يجد الدعم من الإدارة العامة للغابات حتى يتمكن من استغلال ثروات الجبال الطبيعية. وذكر عدد من حراس الغابات في تصريحات لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن الحرائق أثرت بشكل كبير على غابات الصنوبر الحلبي في السنوات الثلاث الأخيرة، وأكد المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية سابقا بأن الجهة شهدت خلال هذه الصائفة (سنة 2023) حوالي 27 حريقا أعنفها حريق جبل المرقب الذي أتلف 1200 هكتار من النسيج الغابي.
يشار إلى أن عملية استغلال الصنوبر الحلبي تتم خلال الفترة الممتدة بين شهري يناير ومايو من كل سنة، ويتطلب استغلال الغابات الحصول على رخص مسبقة، ويطالب عدد من متساكني المناطق الجبلية بحسن استغلال الفجوات الغابية وإعادة توظيفها حتى يستفيد منها سكانها باعتبارها مورد رزق الكثيرين منهم مع ضرورة تنقيح مجلة الغابات.
وتقضّي الآلاف من الأسر في الشمال الغربي للبلاد التونسية أكثر من نصف العام معلّقة بين أشجار الصنوبر العالية وتنتهي التجربة بالبعض من أفرادها مقعدين عاجزين عن الحركة بسبب إصابات خطيرة في الظهر. ثم تتواصل رحلة المصاعب في الأفران تحت الأرض بحرارتها المرتفعة تحت وطأة عقوبات مالية ومخالفات بسبب الأساليب المعتمدة للهروب من تعقيدات رخص الاستغلال والنقل.
ويهجر العاملون في قطاع جني “الزقوقو” مساكنهم مع كل موسم إلى السلاسل الجبلية حيث توجد أشجار الصنوبر، ويحطّون الرحال وينصبون الخيام البلاستيكية ويصنعون لهم حيث حلوا أفرانًا لاستخراج “الزقوقو” قبل أن يعودوا إلى الديار ببعض الدنانير أو بدين ثقيل نهاية الموسم.وسجل إنتاج “الزقوقو” لهذا الموسم انخفاضا بحوالي 30 في المئة مقارنة بالسنة الفارطة، علمًا وأنّ إنتاج السنة الفارطة كان في حدود 100 طن، وفق ما أكده رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بمكثر من محافظة سليانة طارق المخزومي.وذكر في مداخلة له مع إذاعة محلية أنّ سبب تراجع إنتاج “الزقوقو” للموسم الحالي يعود بالأساس إلى الجفاف الذي عرفته تونس بسبب تراجع تساقط الأمطار، والحرائق المهولة التي جدّت بعدة غابات في الشمال الغربي التونسي.وأشار المخزومي إلى أنّ تراجع الإنتاج ينعكس آليًا على الأسعار، مشيرًا إلى أنّه يتم بيع الكيلوغرام الواحد من “الزقوقو” في الوقت الحالي بسعر يتراوح بين 27 و30 دينارًا في سليانة، علمًا وأنّ سليانة هي المحافظة الأولى في إنتاج “الزقوقو” في تونس، بما يعني أنّ الأسعار قد تختلف في ولايات أخرى، مذكرًا بأنّ الكيلوغرام الواحد كان يباع في سليانة بـ25 دينارًا (حوالي 8 دولارات).
www.deyaralnagab.com
|