logo
1 2 3 41367
الطيور تهاجر بلا بوصلة… والمناخ هو المتّهم الأول!!
03.05.2025

تشهد أعداد الطيور في مختلف أنحاء العالم تراجعًا حادًا، وهو تراجع يتفاقم بفعل التغير المناخي، ما يهدد التوازن البيئي ويطرح تحديات علمية وبيئية متزايدة. ورغم الجهود المتعددة لفهم هذه الظاهرة، لا تزال البيانات الدقيقة والموثوقة محليًا تمثل عائقًا كبيرًا أمام محاولات التفسير والمواجهة، لكن دراسة جديدة نُشرت في مجلة “ساينس“ تفتح آفاقًا جديدة في هذا المجال، مستفيدة من أدوات رقمية متقدمة تجمع بين الهواتف الذكية والذكاء الاصطناعي.اعتمدت الدراسة على البيانات الضخمة التي وفرها تطبيق “eBird”، وهو تطبيق علمي تشاركي يستخدمه أكثر من مليون مراقب طيور حول العالم حتى عام 2024. ويُمكّن التطبيق المستخدمين من تسجيل مشاهداتهم اليومية للطيور، بما في ذلك الوقت والمكان والصور أو المقاطع الصوتية لزقزقة الطيور. ومن خلال تحليل 36 مليون عملية رصد جُمعت بين عامي 2007 و2021، شملت مناطق واسعة من أميركا الشمالية وأميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي، رسم الباحثون خريطة دقيقة للتغيرات التي طرأت على أعداد الطيور وأنواعها خلال السنوات الأخيرة.
قادت الدراسة أليسون جونستون، عالمة الطيور والمتخصصة في الإحصاء البيئي بجامعة سانت أندروز، بالتعاون مع فريق دولي من الباحثين. ولجأ الفريق إلى نماذج إحصائية متقدمة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لفصل التغيرات الفعلية في أعداد الطيور عن تلك التي قد تعكس فقط تزايد عدد مراقبي الطيور أو نشاطهم في مناطق معينة.وللتأكد من دقة النموذج، أجرى الفريق آلاف المحاكاة، وركّز تحليله النهائي على 495 نوعًا ثبتت موثوقية البيانات المتعلقة بها، وعلى عكس التحليلات السابقة التي كانت تُجرى على نطاق واسع (مثل ولايات أو أقاليم كاملة)، استخدم الفريق وحدات تحليل أصغر بمساحة 27 كيلومترًا مربعًا – تقريبًا بحجم مدينة نيويورك – مما أتاح صورة أوضح وأكثر دقة للتحولات البيئية والديموغرافية في مواقع محددة.كشفت نتائج الدراسة عن مفارقة بيئية خطيرة: المناطق التي كانت في السابق ملاذًا آمنًا لأنواع معينة من الطيور باتت الآن من بين أكثر المناطق تضررًا. فقد تبين أن 83 في المئة من الأنواع التي شملتها الدراسة تعاني انخفاضًا حادًا في أعدادها في البيئات التي كانت تُعتبر مثالية لها سابقًا.
ولا يسير هذا التراجع في اتجاه واحد فقط؛ فبينما تنخفض أعداد الطيور في مناطقها التقليدية، تشهد مناطق أخرى – لا تعود أصول الطيور إليها – زيادة في أعداد بعض الأنواع، في ظاهرة توصف بأنها “هجرة جغرافية مرتبطة بالمناخ”. ويعني ذلك أن الطيور تغير مواقعها تبعًا لتغير درجات الحرارة والظروف البيئية، وهي إشارة واضحة إلى التأثير المباشر للاحتباس الحراري على توزيع الحياة البرية.ولا تعود أسباب هذا التراجع إلى عامل واحد، بل هي نتيجة لمجموعة معقدة من العوامل البيئية والمناخية والبشرية. أحد التفسيرات المرجحة هو أن الطيور التي تطورت في بيئات وفيرة ومستقرة قد لا تكون مؤهلة للبقاء في وجه التغيرات السريعة في مواطنها الطبيعية. فعلى سبيل المثال، أدت خسارة الأراضي العشبية في منطقة الغرب الأوسط الأميركي إلى تراجع أعداد طائر “بيرد سبارو”، وهو من أقارب العصافير الشائعة.
كما تسهم عوامل أخرى في هذا الانخفاض، مثل الاستخدام المكثف للأراضي، وانتشار المفترسات – كالقطط البرية – التي تؤثر بشكل كبير على أعشاش الطيور وصغارها. الطيور ليست مجرد كائنات جميلة تحلّق في السماء، بل تلعب دورًا حيويًا في التوازن البيئي. فهي تساعد في تلقيح النباتات، وتتحكم في أعداد الحشرات والآفات، وتسهم في تجديد النظم البيئية من خلال دورها في نشر البذور. ومع انخفاض أعدادها، يتعرض هذا التوازن لخطر متزايد قد تنعكس آثاره على الزراعة والغابات والأنظمة الطبيعية كافة.
تؤكد الباحثة أليسون جونستون أن أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها توفر بيانات عالية الدقة تُسهّل على صناع القرار والمخططين البيئيين اتخاذ خطوات عملية لحماية الأنواع المهددة. وتضيف: “ما أردنا القيام به هو النظر بالتفصيل في اتجاهات الأعداد من أجل الحصول على بيانات أكثر ملاءمة لقضايا الحفاظ على البيئة، وفهم ما يمكننا فعله على الأرض.”النتائج التي توصل إليها الباحثون لم تكن ممكنة لولا مساهمات آلاف المراقبين الهواة ومحبي الطيور الذين يستخدمون تطبيق eBird. وهذا يؤكد أهمية “علم المواطن” كمصدر رئيسي للبيانات البيئية في عصر التغير المناخي. فبينما قد تعجز المؤسسات عن مراقبة كل زمان ومكان، يمكن للهواة والمواطنين أن يسدوا هذه الفجوة من خلال ملاحظاتهم اليومية الدقيقة.يعيد التغير المناخي رسم خريطة الحياة البرية على كوكب الأرض، والطيور – بصفتها مؤشرات حساسة للتغيرات البيئية – ترسل إنذارات مبكرة علينا ألا نتجاهلها. وفي ظل هذه الأزمة، تُبرز التكنولوجيا الحديثة وعلوم البيانات دورًا حاسمًا في فهم التحولات البيئية المعقدة، وفتح باب الأمل لحماية التنوع البيولوجي قبل فوات الأوان.


www.deyaralnagab.com