logo
1 2 3 41344
الجنس والحب والزواج في السينما الأفريقية .. فيديو!!
27.10.2019

كتب أمير العمري*..نظرات على فيلمين نيجيريين: "الرجل الذي شق الوشم" و"السائر مع الظلال".
تضمن برنامج الدورة الـ63 لمهرجان لندن السينمائي 24 فيلما تعرض للمرة الأولى على الساحة العالمية، كما تضمن عددا كبيرا من الأعمال الأولى لمخرجيها، وهو ما أتاح الفرصة لاكتشاف المواهب السينمائية الجديدة خاصة القادمة من القارات الثلاث.
من الأفلام الأفريقية التي شاهدناها في المهرجان الفيلم الأول من نيجيريا وهو “الرجل الذي شق الوشم” The Man Who Cuts Tattoos للمخرج مايكل أومونا، وهو أول أفلام هذا المخرج الشاب الروائية الطويلة. هنا لدينا تجربة تدور حول “الجنس” أو العلاقة بين الرجل والمرأة، وبين المرأة والتقاليد النيجيرية القبلية القديمة، وحيرتها بين الاستسلام لما يفرضه عليها مجتمع الرجال طبقا للنظرة الذكورية السائدة، أو السعي لاكتشاف الذات عبر اكتشاف قدرة الآخر، وهو هنا الرجل، على التضحية مثلما تضحي هي.
هناك قصتان من زمنين ومكانين مختلفين نراهما بالتوازي. الأولى لفتاة من إحدى قرى مقاطعة “إيدا”، في الزمن الماضي، تقوم طبقا للتقاليد المفروضة عليها، بتقديم التضحية المطلوبة تمهيدا للزواج. فيتعين عليها القبول بما تفرضه التقاليد من عنف جسدي أو بالأحرى انتهاك لجسدها عن طريق الوشم الذي يقوم به رجل متخصص في إجراء هذا النوع من الوشم العميق عن طريق شق الجلد 18 مرة من الظهر، وليس تشريط الوجه، لكي تثبت لزوج المستقبل أنها تضحي من أجله.
أما فتاة المدينة العصرية لاغوس، فقد أقامت علاقة مع شاب أدت إلى الحمل، لكنه يريد أن يرغمها على إجراء عملية إجهاض لا تقبلها.. يأتيها بشراب خاص يقول لها إنه كفيل بتخليصها من الجنين، لكن هذا الشراب يؤدي إلى شعور حاد بالألم، فتلجأ لتعاطي المخدر للتغلب على الألم، لكن ألمها النفسي أكبر كثيرا من الألم الجسدي.
فيلم بسيط يبرز قسوة الموروث وكيف أنه يساهم في تعذيب المرأة، التي يُطلب منها تحمل الألم الشديد الناجم عن الوشم
إنها تحب هذا الشاب الذي يدعى “أمريكا” لكنها في الوقت نفسه، تشعر بالغضب منه. وهو يحبها لكنه متردد فهو متزوج من امرأة أخرى ويريدها زوجة ثانية له في حين أن اعتزازها بنفسها يجعلها ترفض.
تتمكن الفتاة من الحصول على قارورة من نفس السائل الذي أرغمت على تعاطيه، وتطلب منه أن يثبت لها حبه بأن يتناوله، وتراهن صديقتها أنه لن يفعل، لكن الشاب يشرب السائل، وتشعر هي بالارتياح والألم في نفس الوقت. لقد أثبت لها أنه يمكنه أن يضحي من أجلها، ولكنها تشعر أيضا أنها لم تحقق شيئا من وراء ذلك في نهاية المطاف، وليس معروفا ما إذا كانت علاقتهما يمكن أن تثمر شيئا.
فيلم بسيط يبرز قسوة الموروث وكيف أنه يساهم في تعذيب المرأة، التي يُطلب منها تحمل الألم الشديد الناجم عن الوشم أو تلك الجروح المتعددة العميقة التي تخترق جسدها، بينما يعفي الرجل من المرور بتجربة مماثلة، كما يبرز الوعي الجديد لفتيات المدينة العصرية، والشعور الذي ينمو بالاستقلال عن الرجل واتخاذ القرار دون وصاية منه، بل وطالبته أيضا بتحمل الألم إن أراد أن يستمر الحب، ولكن هل يستمر؟
ينجح المخرج الشاب في تحقيق التوازن بين القصتين، وينتقل في ما بينهما في سلاسة وبساطة آثرة، كما ينجح في التحكم في أداء الممثلين، وتصوير البيئة المحيطة بحيث يربط بين الشخصيات والمكان طوال الوقت، في عمل شديد الأصالة رغم بساطته الظاهرية.
*السير مع الظلال
الفيلم النيجيري الثاني هو “سائر مع الظلال” Walking with Shadows وهو العمل الأول للمخرجة الأيرلندية أوف أوكيلي عن رواية الكاتب النيجيري جود ديبيا Jude Dibia الصادرة عام 2005. وقد صور الفيلم في عاصمة نيجيريا لاغوس وشارك في بطولته عدد من الممثلين النيجيريين، وجاء ناطقا في معظمه باللغة الإنكليزية.
وقد شهد مهرجان لندن العرض العالمي الأول للفيلم الذي يصور ربما للمرة الأولى في فيلم نيجيري (بتمويل بريطاني) موضوع المثلية الجنسية وموقف المجتمع الأفريقي منها من خلال بطل الفيلم أدريان الذي نراه زوجا طيب القلب، يحب زوجته الجميلة أدا ولديه معها ابنة صغيرة. وقد تمكن أدريان من تحقيق حياة جيدة لأسرته بفضل وظيفته الممتازة، لكن مكالمة تليفونية لزوجته ذات ليلة، تقلب حياته رأسا على عقب. فالمتصل يخبر الزوجة أن زوجها مثلي الجنس وقد أقام علاقات مع الرجال في الماضي.
مواجهة الزوجة المنهارة لزوجها تسفر عن اعترافه بأنه كان على علاقة برجل في الماضي قبل أن يتزوجها ولكنه تخلى عن مثليته بعد أن وقع في حبها. ما يأتي بعد ذلك من مواقف، تكشف أن أدريان كان دائما ينكر حقيقة مشاعره وميوله إرضاء لعائلته المسيحية المتشددة، لكنه يجد نفسه مرغما الآن على مواجهة نفسه بحقيقة مشاعره.. إنه يتردد على الحانة التي كان يغشاها في الماضي ويلتقي أمثاله من المثليين، يزور صديقه القديم يريد أن يعرف كيف استطاع الاستمرار في طريقه دون أن يخشى ما يقوله الناس عنه وكيف واجهت عائلته الأمر.
يمزج الفيلم بين التداعيات التي تدور في ذهن أدريان عن طفولته وعلاقته المضطربة بوالديه وشقيقيه وتعميده من قبل القس، وما تعرض له من قسوة ومعاملة فظة، وبين ما يواجهه من مشكلات بعد أن ذاع أمره بين رفاق العمل وانتقل الخبر إلى عائلته التي تعتقد أنه مريض يتعين شفاؤه فتستدرجه إلى جلسة يمارس فيها القس عليه أقسى درجات العنف وكأنه يخرج الشيطان من جسده!
المشكلة أن الفيلم يظل منذ لحظة الكشف عن حقيقة بطله يدور داخل نفس الدائرة دون أن ينجح في اختراقها أو في تصعيد الحدث ونقله إلى مستوى أكثر درامية وتركيبا. فنظل ندور داخل حلقة ميلودراما سطحية يهبط خلالها الإيقاع كثيرا، وتتعاقب مشاهد تتشابه مع بعضها في تأكيد الفكرة الأساسية في الرواية أي كيف يعاني الفرد- المختلف في مجتمع يرفض الاختلاف، ينظر إلى المثلي باعتباره مريضا أو منحرفا ولا يمانع من تدمير حياته.
*ضعف الحوار
هناك اهتمام بالتركيز على مشاعر الزوجة والمأزق الذي تواجهه خاصة موقفها من ابنتها وكيف تواجهها بالحقيقة، ولكن المشاهد المتعاقبة لا تنقل الفيلم إلى مستوى أكثر شمولية وتظل تتأرجح بين مشاعر أدريان التي تقوده للبحث في ثنايا المحيط الذي يتلاءم معه ومع طبيعته كمثلي ودفاعه المستمر عن نفسه وكونه “طبيعيا وليس شاذا”، وبين ما يتعرض له من عقاب اجتماعي: فقدان وظيفته، الإيذاء البدني والموقف العدائي من جانب أسرته.. مع التوقف طويلا أمام شعوره بالذنب كونه لم يصارح زوجته من البداية بالحقيقة. ولعل ما ساهم في هبوط مستوى الفيلم عموما، تكرار الكثير من المشاهد المقصودة لإدانة المجتمع الأفريقي “الذكوري”!
عدم تطور الفيلم واستمراره في الدوران حول الفكرة، قلّلا كثيرا من قوة الموضوع، ولكن ما هبط كثيرا بمستوى الفيلم المستوى الضحل للتمثيل بوجه عام، والحوار الضعيف الذي يجعل الممثلين يترددون كثيرا ويتوقفون وكأنهم لا يجدون ما يقولونه أو ينطقون بعبارات لا معنى لها في السياق. وحاولت الموسيقى البديعة التي كتبها البريطاني-المصري سامي العناني التي تعتمد على البيانو منفردا أو البيانو مع الناي، متناغمة مع أجواء الفيلم، إضفاء العمق على الصورة مع الانتقال من الحزن إلى المرح، أو من القسوة إلى التأمل الهادئ، ولكن دون جدوى، بسبب سطحية السيناريو واضطراب الإخراج بشكل عام رغم وجود الكثير من المناظر الموحية لمدينة لاغوس في الليل، مصورة من زوايا مرتفعة بكاميرا متحركة، كانت تقطع تسلسل المشاهد.
ويثبت هذا الفيلم مجددا أن قوة أي فيلم لا ترتبط فقط بالاستناد إلى رواية جيدة، بل على ما يمكن أن يضيفه المخرج من خياله الخاص إلى الموضوع والشخصيات وما يدخله من تفاصيل تثري الصورة، فالمتفرج لن يقرأ وصفا للمشاعر الداخلية بل يريد التعبير عنها من خلال مواقف درامية مصورة.
*كاتب وناقد سينمائي مصري..المصدر : العرب


www.deyaralnagab.com