قراءة سياسية في خيارات صعبه وأخطار داهمة!!
بقلم : تيسير خالد ... 27.9.06
في نهاية تموز الماضي وفي ذروة الحرب ، التي شنتها اسرائيل ضد لبنان انعقد مجلس وزراء الخارجية العرب وسط أجواء مشحونة وانقسام عربي واضح ليس حول الموقف من العدوان بل الموقف من مقدماته . ولم يغلق ذلك الخلاف الطريق على اتفاق وزراء الخارجية العرب حول أسباب عدم الاستقرار وانعدام الامن في المنطقة . قرارات ثلاثة صدرت عن ذلك الاجتماع يتصل الاول بالعدوان الاسرائيلي على لبنان والثاني بالعدوان على الاراضي الفلسطينية ويتصل الثالث بما يترتب على هذا العدوان من تداعيات تسهم في تفاقم تدهور الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط بأسرها .
" عملية السلام " خرجت عن مسارها . على ذلك اتفق وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم . " هذه العملية التي تحدث عنها وزراء الخارجية يجب ان تعود الى مسارها بعد " فشل الاليات الراهنة ، سواء اللجنة الرباعية الدولية أو خارطة الطريق أو الوسيط النزيه أو غيرها " . أمين عام الجامعة العربية ، السيد عمرو موسى ، كان واضحاً وهو يجمل الوضع المحتضر " لعملية السلام" ويسلط الضوء على الأسباب التي اخرجتها عن مسارها . " الولايات المتحدة الاميركية اعطت حصانة لاسرائيل من القوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولي ،وسلمت عملية السلام بالكامل الى الطرف الاسرائيلي ليتلاعب بها كما يشاء " .
ومن اجل ان تعود العملية الى مسارها اتفق وزراء الخارجية العرب على نقل المسؤولية عنها الى الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي . وهكذا بلورت المجموعة العربية خطتها لتخليص العملية من سيطرة واحتكار الولايات المتحدة الاميركية ومن تحكم حكومة اسرائيل باعتبارها اللاعب الوحيد ، الذي يتلاعب بها ويخرجها عن مسارها . وقد ارتكزت خطة المجموعة العربية ، او وزارء الخارجية العرب ، على خطوات ثلاث مترابطة تدعو اولاً الى بدء المفاوضات بين الاطراف استناداً الى الاتفاقيات المعقودة والى جدول زمني محدد بمساعدة المجموعة الدولية واشراف مجلس الامن ، وتطلب ثانياً من الامين العام للامم المتحدة وبالتشاور الوثيق مع الاطراف المعنية اعداد تقرير حول الاليات المناسبة لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الاطراف وتقديمه الى مجلس الامن وتؤكد ثالثاً على اجتماع مجلس الامن الدولي على المستوى الوزاري للبحث في التدابير التي يتعين على المجلس اتخاذها بالاستناد الى تقرير الامين العام .
هل نجحت المجموعة العربية في اعادة " عملية السلام " الى مسارها أو وضعت حجر اساس لخطوة في هذا الاتجاه . الاجابة على هذا السؤال ليست بالامر الصعب ، فما حدث في الامم المتحدة وعلى هامش الدورة الواحدة والستين للجمعية العامة كان مزيجاً من الانجازات الشكلية ومن الفرص الضائعة . فقد اجتمعت اللجنة الرباعية الدولية بعد انقطاع وعقد مجلس الامن اجتماعاً على المستوى الوزاري ، غير ان النتائج كانت دون مستوى طموح خطة المجموعة العربية . فاللجنة الرباعية الدولية تكيفت في الموقف وفي البيان الذي صدر عنها مع مواقف كل من الادارة الاميركية وحكومة اسرائيل . واجتماع مجلس الامن الدولي تحول الى منبر للخطابة يكرر من خلاله المتحدثون شروط اللجنة الرباعية لاستئناف جهود التسوية ، بعد ان رفضت الادارة الاميركية ان ينعقد مجلس الامن في جلسة خاصة تحت عنوان " البحث في عملية السلام " وفرضت على الجميع موقفها الخاص باعتبار ان الجلسة هي " جلسة وزارية خاصة " غير مخولة باتخاذ قرار أو حتى اصدار بيان رئاسي ليس له صفة الزام بالاساس .
كيف جاءت النتائج على هذا النحو . بعيداً عن التشكيك بنوايا وجهود وزراء الخارجية العرب ورغبتهم في تحرير "عملية السلام " من سيطرة واحتكار الادارة الاميركية وتلاعب الحكومة الاسرائيلية ، فقد كان أجدى وأنفع لو كان الحضور العربي في الامم المتحدة على مستوى الزعماء من الملوك والرؤساء ، خاصة وان الدورة الواحدة والستين للجمعية العامة للامم المتحدة تنعقد في اعقاب حرب كان يمكن ان تخرج احداثها عن السيطرة فتتحول الى حرب تدور رحاها في ساحة أوسع بكثير من الساحة اللبنانية ، ألم يكن هذا هو تقدير بعض الدول العربية المركزية ، انه ليس أمراً دون مغزى ان نجد انفسنا امام حالة من التناقض بين الاحساس بخطر حرب واسعة في الاقليم وبين الاحجام عن التدخل على المستوى الذي عليه تقع مسؤولية نزع فتيل الخطر ، وهو خطر كامن في الاصل والاساس في انحراف "عملية السلام" عن مسارها وتحكم طرف واحد ، وهو الطرف الاسرائيلي المدعوم من الادارة الاميركية ، في مصيرها .
وحيث سارت الامور على النحو الذي سارت عليه في الامم المتحدة وفي غياب المستوى العربي صاحب القرار والاختيار بين الحرب والسلام ، فقد تمكنت كل من الادارة الاميركية وحكومة اسرائيل من استيعاب الموقف وتفريغ خطة المجموعة العربية من محتواها ومضمونها في اتجاهين تمثل الاول في قدرة الولايات المتحدة على فرض أجندة اولويات في معالجة شؤون المنطقة بدءاً بايران والعراق وانتهاء بالسودان ولبنان ، وتمثل الثاني في الالتفاف على مجلس الامن واللجنة الرباعية بالطلب من وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الاستعداد لزيارة المنطقة ومن وزيرة الخارجية الاسرائيلية بفتح قناة حوار ، ولعله حوار من اجل الحوار ، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس . على المستوى الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام من الصعب النظر الى هذه النتيجة باعتبارها انجازاً أو خطوة على طريق تحريك جهود"عملية السلام" أو حتى التسوية السياسية ، فاجندة وزيرة الخارجية لا تلحظ في أولوياتها اعادة "عملية السلام" الى مسارها أو حتى بث شئ من الروح في خطة خارطة الطريق . ذلك واضح من سلسلة المواقف التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الاميركية وعبر عنها عدد من الشخصيات المركزية في الادارة الاميركية . فالاولوية في هذه الاجندة لملف ايران النووي في ايران واحتواء ما تسميه هذه الادارة بالارهاب في العراق وفي افغانستان كذلك ، وفي البحث عن شراكة سياسية ، حسب رايس ، بين الحكومة اللبنانية والحكومة الاسرائيلية لبناء لبنان الجديد بتوازنات سياسية جديدة وفي البحث عن حل لمشكلة قائمة في دارفور – السودان . وهكذا جرى تسليم ملف " عملية السلام" عملياً للادارة الاميركية ، التي لم تخذل اسرائيل في اللقاءات التي جرت مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس .
فقد توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى اللامم المتحدة وبين يديه ورقتان ، الاولى خطة المجموعة العربية والثانية الاتفاق الذي توصل اليه مع رئيس الوزراء اسماعيل هنيه . الورقة الاولى كانت ضعيفة بعد ان أفرغتها الادارة الاميركية من محتواها ومضمونها ، اما الورقة الثانية فقد كانت بدون ثمن ولم تكن بقيمتها تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به ، بعد ان تراجعت حركة حماس عن موافقتها وتوقيعها عليها وبعد ان شيعتها حتى قبل ان يصل الرئيس الفلسطيني الى نيويورك باعتبارها تفرط بالحقوق وتمس بالثوابت . كان على الرئيس عباس ان يدرك ذلك ويتصرف على اساسه أولاً في لقائه مع الرئيس الاميركي جورج بوش ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس وثانياً في اجتماعه مع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي وثالثاُ في مشاركته في " الجلسة الوزراية الخاصة " التي عقدها مجلس الامن الدولي ، فيضع جانباً الاتفاق ، الذي تحول الى عبء والى أداة من ادوات الابتزاز السياسي والضغط الظالم لانتزاع تنازلات سياسية مجانية ، وان يركز الاهتمام على المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وسياسة الحصار والخنق الاقتصادي وتجفيف الموارد والعقوبات الجماعية وتنكر اسرائيل لكل التزاماتها الدولية بما فيها تلك التي نصت عليها خارطة الطريق ويدعو لفتح الطريق أمام تسوية سياسية من خلال مؤتمر دولي ينعقد تحت اشراف مجلس الامن الدولي .
لا شك ان حصاد الجانبين الفلسطيني والعربي من الحركة السياسية التي جرت اثناء انعقاد الدورة الواحدة والستين للجمعية العامة للامم المتحدة وما واكبها من اجتماعات ولقاءات على هامشها كان مزيجاً من الانجازات الشكلية الخالية من المضمون ومن الفرص الضائعة . فاشادة الرئيس الاميركيي جورج بوش بشجاعة الرئيس الفلسطيني كشريك في عملية سلام غير قائمة وحديثه عن معاناة الشعب الفلسطيني لا يمكن ادارجه في اطار الانجاز، بل في اطار رسالة ترضية لا قيمة لها ، خاصة امام الرسالة الواضحة التي وجهها الى حكومة اسرائيل أولاً بتعطيل دور مجلس الامن الدولي وثانياً بالضغط على دول الاتحاد الاوروبي ودفعها نحو التكيف في خطابها السياسي مع الخطاب السياسي للادارة الاميركية وثالثا بطمأنة حكومة اسرائيل بأن الادارة الاميركية باقية على تمسكها بشروط اللجنة الرباعية الدولية في الموقف من الجانب الفلسطيني ، وثابتة على رفضها لاتفاق "لا يرقى الى مطالب اللجنة الرباعية وينطوي على غموض غير بناء " كما جاء على لسان وزيرة الخارجية الاميركية تعليقا على اتفاق حكومة الوحدة الوطنية بين الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه اسماعيل هنيه حتى قبل ان تتراجع عنه حركة حماس .
هل يعني هذا كله ان تفقد المجموعة العربية ويفقد الجانب الفلسطيني الثقة في امكانية الجهود السياسية ودفعها نحو فرص جديدة تفتح نافذة امل لاعادة "عملية السلام" الى مسارها وتحريرها بقدر ما من سيطرة واحتكار الادارة الاميركية وتلاعب الحكومة الاسرائيلية بها . القراءة السياسية المتأنية لتطور الاوضاع في المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب على لبنان توحي بعكس ذلك ولكنها تؤكد في الوقت نفسه ان شيئاً ما يجب ان يتحرك على الجانب الفلسطيني وعلى الجانب العربي كذلك .
فالحرب على لبنان فضلاً عن الوضع في العراق وغرق جيوش الغزو البريطانية والاميركية في رمال العراق المتحركة وفي مستنقعات الرافدين وشط العرب ، ودخول ايران بقوة على الاوضاع في المنطقة ، بصرف النظر عن الموقف من ذلك ترحيباً أو توجساً ، بدأ يؤثر على الوضع في دول الاتحاد الاوروبي ، بدءاً بالحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الاتحاد . لم يعد باستطاعة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الدفاع عن " نظرية في السياسة الدولية " ترى في الدعوة الى ضرورة ايجاد توازن مع القوة الاميركية خطراً يهدد الامن والسلم الدوليين ، فالعولمة المتوحشة المطعمة بنزعة مسيحيانية متطرفة تستسهل الخروج الى الحرب لنشر الديمقراطية اصبحت تذكر بالمبادئ الامبراطورية القديمة ، والتي على أساسها قامت الحروب الاستعمارية والكولونيالية ضد" الشعوب البربرية لنشر قيم العالم المتحضر في ربوعها" ، وتؤكد انها هي بالتحديد الخطر الذي يهدد أمن وسلام العالم .
والحرب على لبنان اطلقت في اسرائيل حركة جدل من الصعب تجاهل المدى الذي يمكن ان تذهب اليه حول حدود القوة ومدى تأثيرها في الاوضاع الاقليمية . كان هدفاً من اهداف الحرب اعادة صياغة التوازنات الداخلية اللبنانية والتوازنات الاقليمية بما يخدم سياسة ومصالح كل من الادارتين الاميركية والاسرائيلية ، فاذا بها تتحول الى الداخل الاسرائيلي بتوازناته وخياراته المستقبلية ، وتتحول الى الداخل الاسرائيلي لتحديد الخيارات بين الحرب وعدم الاستقرار وبين البحث عن تسويات مع دول الاقليم تتمكن اسرائيل من خلالها من حل عقدة التناقض بين وهم وحدود القوة وبين التكيف مع متطلبات الاستقرار وتوجيه موارد الدولة نحوها ، هذه الموارد التي تتوزع في ضوء نتائج الحرب على نحو متساو بين نفقات الامن ومتطلباته وبين تسديد اعباء الديون الخارجية والداخلية وبين بقية الوزارات والادارات وميادين التطوير .
سياسة اسرائيل ووضعها بعد الحرب على لبنان ليست في احسن حالاتها وكذلك هو الحال مع الادارة الاميركية ، التي تقف حدود قوتها عاجزة عن مواجهة الازمات ، ازمات سياسية من صنعها هي ، في العراق وأفغانستان وفي فلسطين ولبنان فضلاً عن أزمة سياستها وعلاقتها بايران.
في سياق واطار هذه القراءة السياسية يجب ان يتواصل الجهد الفلسطيني والعربي لتحرير " عملية السلام " من سيطرة واحتكار الادارة الاميركية ومن تلاعب حكومة اسرائيل بها بتوجه جديد يستخلص دروساً مفيدة من التجربة التي خاضها الجانبان الفلسطيني والعربي في الدورة الاخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى هامشها . فأخطر ما يمكن ان يواجه الوضع الفلسطيني والعربي هو الانكفاء بعد تجربة لم تكن ناجحة ، لأن الانكفاء وممارسة سياسة انتظارية من شأنه ان يضع الجميع امام تحديات خطيرة وحلول مؤلمة لعل اخطرها الدولة الفلسطينية المؤقتة أو دولة فلسطينية في حدود مؤقتة ميدانها الرئيسي في قطاع غزه وساحتها الخلفية بعض المعازل في الضفة الغربية .
وفي مواجهة هذه التحديات والحلول المحتملة يجب الاسراع بتشكيل حكومة ائتلاف وطني فلسطينية تعلن صراحة ودون مواربة التزامها بمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية واستعدادها لتسوية سياسية على اساسها في طار مؤتمر دولي للسلام تحت اشراف مجلس الامن والمجتمع الدولي ، كما يجب التوجه نحو الاتحاد الاوروبي بشكل خاص والرباعية الدولية بشكل عام لعمل مشترك في هذا الاتجاه ، يستند الى تبادل المصالح ، التي ينبغي ان توظف في دفع الاتحاد نحو استعادة دوره المفقود . للاتحاد الاوروبي دور يلعبه على هذا الصعيد ، وقد سبق ان اضطلع به بنجاح في اكثر من مناسبة ، كانت الاولى عام 1988 وكانت الثانية عام 2002 ، مستخدماُ ما تفرضه اتفاقية الشراكة على دولة اسرائيل من التزاماتها تقوم على احترام حقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية . فاقتصاد دولة اسرائيل يعتمد في اكثر من 45 بالمئة من وارداته و 30 من صادراته على دول الاتحاد الاوروبي . فضلا ًعن ذلك تجمع دول الاتحاد الاوروبي اتفاقيات شراكة مع عدد من الدول العربية تغيب عنها الشراكة السياسية من أجل حفظ الامن والسلم في المنطقة . وقد كانت نقطة ضعف خطة المجموعة العربية وهي تتوجه الى مجلس الامن افتقارها الى شراكة سياسية مع قوى دولية هي في حاجة لها من أجل تسوية صراع باتت معظم دول العالم خاصة بعد الحرب على لبنان تجمع على ضرورة نزع فتيله بحل يستجيب لحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني ويوفر متطلبات الامن والاستقرار لدول شعوب المنطقة.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
www.deyaralnagab.com
|