logo
لكم مزمارُكمْ ولي مزماري!!

بقلم : سعود الأسدي ... 09.05.2009

لي من يَرَاعِ تَغَزُّلـي مِزْمارُ
وأنا الهوَى وجناحِيَ الأشعارُ
وَلِيَ القصيدةُ إن أُرِدْ شبّابةٌ
وليَ القصيدةُ إن أُرِدْ قيثارُ
ولقد أعَرْتُ العازفينَ أناملي
فترنَّمَتْ بأناملـي الأوتارُ
أرْعَى قطيعي في الجبالِ تَعَبُّداً
في موطنـي وَلِيَ الجبالُ مَزَارُ
ألتينُ والزيتونُ خَفْقُ كرومِهِ
واللـوزُ والسُّمّاقُ والصُّبّارُ
ولهُ العتابـا والموشَّحُ جُنَّةٌ (1)
والبَيْلســانُ سياجُهُ والغارُ
فإذا تَلفّـتَ موطنـي مُتَلَهِّفـاً
يهفو بقلبـي زنبـقٌ وعَرَارُ (2)
وأرَى الخُزامَى تستميلُ مباسماً
للوردِ حيـثُ تفتَّحَتْ أزرارُ
وتميسُ أغصانُ الشُّجُونِ بخاطري
وتبـوحُ لـي بغرامِهـا الأزهـارُ
فتغارُ من وطني الفراقدُ والسُّهَى
بـلْ كلُّ نجمٍ في السماءِ يَغـارُ
إنّي وقد غنَّى الهَـزارُ بمهجتي
لي مـن أغاني العاشقينَ هَـزارُ
" جفرا ودلعونا " وأصفِنُ فيهما
غنّاهمــا لـي بلبلٌ ثرثـارُ
بينـا أنا في صفنـةٍ فتّانـــةٍ
ترنـو لسِحْرِ عناقِها الأسْحـارُ
مَرَّتْ رفـوفُ حمائمي عطشانةً
فتدفّقتْ مـن راحتي أنهـارُ
ونثرثُ من كفّي الحُبوبَ فأخْصَبَتْ
منهـا المروجُ الفِيْحُ (3)والأوعارُ
من بعدِ ما أودَى شُبَاطٌ في الصِّبا
وأطــالَ عُمْـرَ نهارِهِ آذارُ
صارَ المدى بسنابلي مُتماوِجاً
وأتَـى لِشَحْـذِ مناجلـي أيّارُ
ذَرَّيْتُ فيهِ بيــادري ومواسمي
أمَـلاً لَـدَيَّ بأن يُرَدَّ بِـذارُ
وأكلتُ خبـزي وهوحافٌ بينما
ظَمِئَتْ إلى ماءِ العيـونِ جِرارُ
وشدوتُ بين الأهلِ حُرَّ قصائدي
فترنّمَتْ بقصائدي الأحْـرارُ
وتراقصتْ أغصانُ حُبّـي في دمي
فكأنمـا تنمـو بـهِ أشجـارُ
قد عشْتْ سِحْرَ الأرضِِ منذُ طفولتي
فيهـا فكانَتْ ثروتــي الأقمـارُ
ونَصَبْتُ خُصّي فوق كِتْفِ سناسلي
صيفاً وقد كَثُرَت به السُّمّارُ (4)
وركوتُ جنبَ النارِ دَلَّةَ قهوتي
منها يفـوحُ الهالُ والمسمارُ(5)
ورأيتُ أسرابَ النجومِ تزورني
تُهـدي إليَّ جمالهَـا الأنوارُ
مـا مرَّ نجـمٌ واستباحَ قصيدتي
إلاّ تكشّفَ أنّـهُ غَـرّارُ
كنتُ الغريرَ بِحُبِّهـنَّ فَغَرّني
مُهْرُ الخيـالِ وما عَـرَاه عِثَارُ
فأنا المشرّدُ بين أفــلاكِ الرُّؤَى
وعجبتُ للأفلاكِ كيـفَ تُدارُ
فاذا مشيتُ إلـى اليمينِ أعاقني
سيري وأغْـرَى بالمسيـرِ يسارُ
والغيمُ ما فَتِىءَ الرّحيـلُ عباءَتي
وخيامُ مَوْسِمِ رحلـتي الأمطارُ
والبردُ يَلْحَسُ جانبيّ وأخوتي
تحتَ اللحافِ " مُكَنْعِشُون " كِثارُ
" أحّـو يَ بَرْدي " قالها آباؤُنا
ولكمْ بلوناهـا ونحنُ صِغـارُ
رَعْيـاً لموقدِةٍ يَعِـجُّ دخانُهـا
ويطيـرُ في كلِّ الجهـاتِ شَرارُ
نَعْمَـى بها فيفيضُ سَيْلُ دموعِنا
فكأنّمــا بعيونِنـا عُــوّارُ(6)
والدَّلْـفُ ينزلُ فوقَنـا مِزْرابُهُ
ونقومُ مِـلءُ أنوفِنا الشُّحْبارُ(7)
نمشي حُفاةً في الشتاءِ دروبُنـا
وَحْلٌ وفي الصيفِ الطويـلِ غُبارُ
إني لأذكرُ طولَ مَشْيي حافيـاً
حتى هَرَاني الشوكُ والمُـرّارُ
ولقد خَبِرْتُ الشَّوْبَ فـي إبّانِهِ
والبَرْغَشَ الملعونَ وهو مُثَـارُ
ورأيْتُ أسرابَ الظِّبـاءِ بموطني
ظَمْأَى كما ظَمِئَتْ بيَ الآبـارُ
لَهْفي على ذاتِ الوِشَاحِ وقد أتَتْ
والليلُ غاشٍ والظّـلامُ سِتـارُ
فأضَأتُ قنديلي ولكنْ نورُهـا
غَطَّـى عليهِ فإذْ بـهِ يَنْهـارُ
لم تَبْقَ عندي غيـرَ شُرْبِ سِجارةٍ
خَوْفَ الرقيبِ وما سَيَحْكي الجارُ
حتى إذا نَهَضَتْ لَمَسْتُ مكانَها
فأصابَنــي ممـا لَمَسْتُ دُوَارُ
فإذا ذكـرْتُ جمالَهـا وظلالَهـا
جاشَ الأنيـنُ فمدمعي مِـدْرارُ
وأرى الصّخورَ كأنها مخمـورةٌ
وكأنّنـي في حانِها خَمّـارُ
أبكي وتبكيني الصّخورُ تأسّفـاً
وَكَفَـى بأنْ رَقَّتْ لِيَ الأحْجارُ
أشدو " العتابا "في فراقِ أحِبَّتي
وَ " الأوفُ " مني إذ تَطولُ نهارُ
ولقد أنـوحُ مع النسيمِ بأنّةٍ
فإذا أنينـي منبـعٌ فَـوّارُ
أروي تـرابَ مرابعي بمدامعي
حتـى يَلُفَّ سكونَهـا إعصارُ
ولقد أثورُ مع الريـاحِ تمرُّداً
فإذا حـروفُ قصائـدي ثُوّارُ
وإذا الشَّـرارُ من الحروفِ مواقدٌ
قد سُعِّـرَتْ منهـا تَهـجُّ النارُ
أحببتُهُ وطني وحُبّـي جارفٌ
وعواطفـي فـي حُبِّـهِ تيّـارُ
لي منه سيمفونيّـةٌ حَمَلتْ أسَىً
فيهِ تعــومُ وتَغْـرَقُ الأبحارُ
لا كنتُ إمّـا قد تأوّهَ موطنـي
وأنـا بقلبــي لا يَشُـبُّ أُوارُ
إنّي أقولُ وذا لسانـي ناطقٌ
جَهْراً وخيرُ النطقِ وهو جَهارُ
لي موطنٌ ، هُوَ جَنَّتي ، وأنا لهُ ،
بـاقٍ بهِ ، وسِـواهُ لا أختـارُ
ـــــــــــ
1) جُنّة : دِرْع . 2) عرار : نرجس 3) ألفِيْح : الواسعة ، جمع أفيح . 4) الخُصّ : بيت من قصب أو شجر . 5) المسمار : حَبّ القرنفل تُطيَّب به القهوة .6) عُوَّار : قذى أو رمد .7) الشُّحْبار ( الشِحْتار ) كلمة سريانية : سواد الدُّخان .


www.deyaralnagab.com