logo
اغتراب النساء !

بقلم : ريم عبيدات ... 13.03.2009

إزاء عديد من القصص والتداعيات بالهاتف والايميل، قررنا أن نلتقي، ليس فقط لمناقشة القضية، بل لأننا نحن القضية، “اغتراب النساء”، الذي يستحق أن يكون عنوانا لعصر بأكمله.
بين وداد التي سافرت إلى بلاد الدنيا الواسعة بدءا بالعواصم الأوروبية إلى دول الخليج، فرارا من واقع بلدها السياسي الذي حول الحياة لأعجوبة، والتعليم إلى محال. فبدا فرارها للتعليم ممتدا للعمل، لتستمر مدى الحياة غربة الحلم، من تباشير الأمل بانتشال الأسرة بأكملها من مصيرها الحالك، لتزفر باسمة بحزن: مع نهاية عقدي الخامس، يكون آخر الاخوان على وشك الزواج. أما مستقبل مصيرها فمفتوح على كافة الاحتمالات، وبخاصة بعد وفاة والديها، وعدم توافر مسكن خاص بها، ناهيك عن كون التعليم المدرسي وبعده الجامعي في الاغتراب لا يمنح صاحبه تقاعدا لما بعد العمل.
الأخريات اللائي تمثل وداد وجها على الأقل من وجوه اغترابهن مررن على تجارب ترتفع حدة مرارتها، ليضفن ملامح أنثوية أخرى للتجربة، منهن التي سافرت لتأمين علاج أحد أفراد الأسرة، إلى التي التحقت بزوج فرّ هو الآخر بجلده وأسرته كنتيجة لواحد أو أكثر من وجوه الظلم الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، فكانت الغربة وبالا على إنسانيتها وتطورها وإحساسها بذاتها، لتعيش بين غربات متنوعة شكلا وموضوعا، بدءا بغربة دائمة تداهمها كيفما حركت رأسها والمتمثلة بتناقض الحياة في إطار منزلها المهجري والشارع الذي يقع به، وليس آخرها تداعيات صعوبة تحديد الهوية الجديدة بين الوطن والموطن الجديد وبخاصة بعد سنوات اغتراب طويلة.
وكثيرات اللواتي شكل الاغتراب طاقة الفرج الوحيدة للتطور المهني في واقع مؤسساتي مُزرٍ فأصبح أمر الرجوع مستبعدا، وبخاصة ما تشكله الآفاق المهنية في مثل هذه الحالات من معنى استراتيجي للحياة بأسرها، تهمش إلى جانبها معظم الوجوه والمعاني الأخرى.
صديقتنا عالمة الفيزياء، التي ظلت صامتة طوال الجلسة، تدخلت لتضيف أن ضعف توطين العلوم، وأزمات المعرفة العربية، مهجرا بحد ذاته. أما صعوبة، بل واستحالة الزواج من “امرأة عربية عالمة” فذلك فصل لاذع لكتاب آلام المرأة العربية المثقفة.
وجوه اغتراب النساء تتعدى الجغرافيا، فمنها هجرة الزوج التي تترك المرأة تكابد مصيرا صلدا في تركيبته، في ما تنهبها مشاعر الأسى والألم، وأحدث الدارسات تقول: إن الزوجات هن الطرف الأكثر تضررا من غياب رب الأسرة.
القضية عالمية بامتياز، لكن كثافة الأسباب العربية، هي الأكثر تقطيرا وتركيزا عل مدى التاريخ والجغرافيا.
أما الاغتراب الأزلي لذات الإنسان العربي ولذات الأنثى تحديدا، فهو الحكاية الأولى بالرواية، والممتدة لكافة تفاصيل الثنايا منذ مشرق الشمس ومغربها.


www.deyaralnagab.com