بيد الله !!
بقلم : د.فايز أبو شمالة ... 01.05.2009
بعد أن ثارت أشجاني، وسرح خيالي بعيداً، طلبت من الأخ هشام عبد الرازق، بصفته ممثلاً للمعتقلين في سجن غزة المركزي، ـ صار وزيراً لشئون الأسرى فيما بعد ـ طلبت منه أن يتحدث مع مدير السجن، ويسمح لي بمحادثة تلفونية مع البيت في خان يونس، فأنا أمام مأساة إنسانية، وفي حالة قلق على وضع أطفالي الستة حينئذ، ولاسيما بعد أن أبلغني الزائرون قبل أيام أن أمهم "أم باسل" على وشك الموت، ونقلت إلى المستشفى في حالة بائسة، وأن طبيب الأمراض الصدرية في قطاع غزة الدكتور سميح شاهين قد أبلغهم أنها في وضع يائس، وإن صمدت لأيام، فالطب لا يعطيها أكثر من ستة أشهر حياة.
لم يوافق مدير السجن الإسرائيلي في تلك الفترة من سنة 1993، ولكنه كبادرة حسن نية، ولدواعي إنسانية، ولأسباب أمنية، أبدى استعداداً أن يتكلم بنفسه مع البيت إن رغبت في ذلك، وأن يأتي لنا بالخبر اليقين، فوافقت دون تردد، من منطلق نريد عنباً، ولا نريد مقاتله الناطور، فأعطيت للأخ هشام عبد الرازق رقم التلفون الوحيد الذي أحفظه من سنوات، ويعود لابن عمي عبد العزبز، وبالفعل، لقد عاد لنا مدير السجن الإسرائيلي بالجواب وقال: أنها بخير، ومازالت على قيد الحياة، وقد تغادر المستشفى قريباً. وهذا ما تأكدت منه في الزيارة بعد أسبوعين، وما أكده الزوار عن اتصال أحد اليهود يسأل عن صحة "أم باسل" وكيف تركهم في حيرة، وخائفين من السائل، وعن سبب السؤال، ولاسيما أن المخابرات الإسرائيلية سبق لها واستدعت "أم باسل"، وهي في حالة وضع بمحمد، وأحضرتها أمامي أثناء التحقيق.
خرجت من السجن مع التوقيع على اتفاقية أوسلو 1994، ـ ولا أنكر أن هذه أحدى مميزات أوسلو ـ فكانت المفاجأة بمن حسبتهم أطفالاً قد صاروا شباباً، لقد حسبت أن الزمن يُحبس إذا حُبس صاحبه، فإذا فيه حر طليق يفعل فعله بالأشياء، وبالآخرين، وإذا بأمهم التي حسبتها على وشك الوفاة قادرة على ضمّهم رغم المرض الذي تتقوى عليه بالأدوية، والعلاجات، وأنابيب الأكسجين، إلى أن أزادت الحالة صعوبة، فتم إحضار جهاز منتج للأكسجين في البيت على مدار الساعة.
ولأن الأعمار بيد الله ففي سنة 2006 توفى الطبيب سميح شاهين، وظلت "أم باسل" على قيد الحياة حتى جاء أجلها في إبريل 2009، بعد ستة عشر عاماً من تقدير الطبيب، لتخالف بأيامها المعدودة، والمعلومة على الأرض كل التوقعات، والنظريات العلمية.
www.deyaralnagab.com
|