"تعريب" عملية التفاوض الفلسطيني!!
بقلم : نقولا ناصر* ... 09.05.2009
حقائق الوقائع على الأرض الفلسطينية المحتلة والحراك الدبلوماسي العربي المتسارع تصب جميعها في اتجاه واحد: توسيع الحصار على المقاومة وتشديده ، وبخاصة في قطاع غزة ، عبر خطة تنتظر توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما عليها عندما يلتقي أواخر الشهر الجاري مع القادة المعنيين بإحياء عملية التفاوض العربية – الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو ومحمود عباس وحسني مبارك) ، خطة تستهدف "تعريب" عملية التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية في إطار "مبادرة السلام العربية" ، وهي خطة فلسطينية – عربية تستهدف إظهار "المرونة" في مواجهة تطرف حكومة الحرب التي تمخضت عن الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال ، بتفصيل المبادرة العربية على قياس يتقاطع مع "شروط الرباعية الدولية" ويتناسب مع ما يمكن أن تقبل دولة الاحتلال به.
وهذه وصفة سياسية ينذر نجاحها بإجهاض حوار القاهرة الفلسطيني في جولته الخامسة منتصف أيار/مايو الجاري ، ويوفر شروطا موضوعية لتخيير المقاومة في قطاع غزة بين الانضمام إلى ركبها وبين مواجهة عدوان جديد يستهدف هذه المرة استئصالها نهائيا من معادلة الصراع ، لأن تعريب عملية التفاوض الفلسطينية يوفر للمفاوض الفلسطيني ما وصفه الزميل عريب الرنتاوي ب"شبكة أمان" عربية ل"تنازلات" فلسطينية جديدة متوقعة في سياق الخطة الجديدة في قضايا اللاجئين والقدس والحدود والتطبيع.
وفي السياق نفسه تندرج تفاصيل استمرار الحصار المحكم على القطاع وتفاصيل الحملة "الأمنية" التي تشنها قوات الاحتلال وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني على قوى المقاومة في الضفة الغربية في إطار رفع مستوى التنسيق الأمني بينهما ، وهي تفاصيل غنية عن البيان ، ويندرج كذلك استمرار الحديث في رام الله عن أن "الرئيس سوف يؤلف حكومة جديدة تضع استراتيجية جديدة للتعامل مع حماس ومع الوضع الفلسطيني الداخلي" إذا فشلت الجولة الخامسة المقبلة من حوار القاهرة كما قال السفير الفلسطيني في بيروت عباس زكي يوم الأربعاء الماضي ، وتأليف حكومة كهذه ، ربما حتى قبل جولة الحوار الخامسة في السادس عشر من الشهر الجاري ، يحظى ب"دعم خارجي" كما قال أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه في اليوم التالي ، بعد أيام من تحريض محمود الهباش الوزير في حكومة تسيير الأعمال المستقيلة في رام الله على إسقاط حكومة حماس في غزة بكل الوسائل.
إن التجربة الوطنية الفلسطينية كانت مرة مع العزف العربي "المنفرد" على أوتار الصلح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمخضت عن صفقة أوسلو المسؤولة عن المفصل التاريخي الخطر الذي تمر فيه القضية الفلسطينية في الوقت الراهن ، وفي ضوء هذه التجربة لا يستطيع عرب فلسطين إلا التطير من أي عزف عربي "جماعي" على هذه الأوتار تستعد له جوقة التفاوض العربية على قدم وساق حاليا.
وبالرغم من نفي الأمين العام لجامعة الدول العربية ، عمرو موسى ، ونفي وزير الخارجية الأردني ناصر جودة والناطق باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي ، لوجود "أي تعديل" على مبادرة السلام العربية ، فإن عباس أعلن يوم الأربعاء الماضي أنه ونظيره المصري مبارك يخططان لعرض صيغة "مشروع عربي متكامل لحل الصراع "في المنطقة" على إدارة أوباما وسط توقعات نقلتها وكالات الأنباء عن "مصادر فلسطينية" في رام الله بأن تتبنى الإدارة الأميركية هذه الصيغة لكي "تفرض خطة سلام أميركية جديدة" على طرفي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي . وقد أكد توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية إلى المنطقة أنه يجري العمل على وضع "إطار جديد" للتفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي سيقدم إلى أوباما خلال أسابيع .
ولم تفوت الإدارة الأميركية فرصة انعقاد المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية (إيباك) الأسبوع الماضي لكي تزود واضعي الخطة العرب بذخيرة تساعدهم على تسويقها ، فعلى مسمع من رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس حرص نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عشية زيارة عباس ومبارك ونتنياهو لواشنطن على تسجيل استمرار التزام إدارته ورئيسها ب"حل الدولتين" في رسالة بدت موجهة بصورة واضحة إلى حكومة نتنياهو التي قال "إن عليها العمل" من أجل هذا الحل وحثها على وقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات "العشوائية" والسماح للفلسطينيين تحت الاحتلال بحرية الحركة ، مطالبا إياها ب"إظهار" نواياها السلمية عمليا.
لكن بايدن لم يرسل في المقابل أي رسالة إلى الجانب العربي حتى بوجود "نية" لدى إدارته للتخلي عن السياسة الأميركية الثابتة بعدم ممارسة أي ضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل "إظهار" التزامها باستحقاقات السلام "عمليا" ، بينما تستمر الضغوط الأميركية على العرب دون توقف من أجل إظهار ما قال إنه "جديتهم" في "تطبيع العلاقات" مع دولة الاحتلال إذا "تنازلت" عن "أرض" تحتلها ، بينما ترك لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بالكونغرس ، جون كيري ، تفسير مطالب إدارته من حكومة نتنياهو بأنها من أجل "إقناع" الفلسطينيين بأن هناك "مكافأة للاعتدال" وليؤكد استمرار إدارته في تغذية الانقسام الفلسطيني بتأكيده على أن "حماس قد فازت في انتخابات واحدة ولا يمكننا السماح لها بالفوز في انتخابات أخرى"!
وقد لفت نظر المراقبين البيان المشترك الذي أصدره الاتحاد الأوروبي وكندا بعد قمتهما في براغ في اليوم نفسه ، الأربعاء ، وحثا فيه الطرفين على استئناف المفاوضات الثنائية ، وعلى "النظر في مبادرة السلام العربية ، التي توفر أساسا صلبا ومناسبا للتقدم نحو تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط" . واللافت للنظر هنا هو اعتبار المبادرة العربية "أساسا صلبا" لإحراز تقدم بينما من المعروف أن كلا الموقعين على البيان يعارضان ما نصت عليه المبادرة من "حل متفق عليه" لقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 194 التزاما منهما بالأمن الديموغرافي لدولة الاحتلال ولذلك فإنهما لم يفعلا شيئا طوال الستين عاما المنصرمة لحل هذه القضية حلا عادلا ، والتفسير الوحيد لاعتبارهما المبادرة العربية "أساسا صلبا" هو بالتأكيد أن الاتحاد الأوروبي وكندا كانا يتحدثان عن مبادرة عربية "أخرى" ، على الأرجح أنها المبادرة التي يجري صوغها عربيا وفلسطينيا الآن !
إن الوتيرة المتسارعة للحراك الدبلوماسي لأطراف الخطة الجديدة قد خلقت ازدحاما في الحركة يتدافع فيه الأطراف حتى يكادون يتعثرون في خطى بعضهم البعض ، فقد اجتمع وزراء الخارجية العرب بمن حضر منهم يوم الخميس الماضي ، بينما دعت روسيا مجلس الأمن الدولي للانعقاد في الحادي عشر من الشهر لإعطاء "قوة دفع" جديدة لعملية السلام في المنطقة ، وفي اليوم نفسه من المقرر أن يجتمع نتنياهو ومبارك في شرم الشيخ ، قبل أن يلتقي الرجلان وعباس كل على حدة مع أوباما في واشنطن أواخر الشهر ، لكي تجتمع الرباعية الدولية بعد ذلك في حزيران / يونيو المقبل للغرض ذاته ، ناهيك طبعا عن اللقاءات العربية المتواصلة وبخاصة الفلسطينية والمصرية والأردنية.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ، الذي التقى أوباما مؤخرا باسم الجامعة العربية ، قد أكد في مؤتمر صحفي ببرلين الأربعاء الماضي على أن "إننا ننظر إلى القضية في المنطقة على أنها عملية إقليمية ، فهي تتعدى كونها فلسطينية إسرائيلية إلى كونها تعني كل المنطقة وتستند إلى مبادرة السلام العربية" (بترا) موضحا أن " ما نبحثه اليوم هو مقاربة موحدة تجمع العرب والأوروبيين والولايات المتحدة كفريق لخلق الظروف خلال الشهور القليلة المقبلة التي تسمح ليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين بالجلوس إلى الطاولة بل أيضا للبنانيين والسوريين ودول عربية" ، ومتوقعا أن تتضح "الخطة" علنا بعد اجتماع أوباما – نتنياهو المقبل.
والظاهر أن الرئيس الأميركي أوباما ، الذي نجح خلال الأسبوع الماضي في تنسيق جبهة باكستانية – أفغانية لحسم الحرب التي تقودها بلاده على أفغانستان بتوسيعها إقليميا بفتح جبهة باكستانية – باكستانية فيها ، يأمل في أن يفوز بجائزة سياسية خارجية ثانية في "الشرق الأوسط" حيث يبدو الوضع العربي – الفلسطيني في الظاهر مهيأ لتنسيق جبهة عربية – إسرائيلية ، لم ينجح سلفه بوش في إقامتها ، لاحتواء إيران بدءا مما يعتبره الأطراف المرشحون لجبهة كهذه جناحا لإيران في قطاع غزة ينبغي أولا تعريب عملية قصه وتدويلها بعد الفشل العسكري الإسرائيلي في هذه المهمة أوائل العام الجاري.
ويكاد يكون مؤكدا الآن أن على الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة وقواه المقاومة أن يستعدوا خلال الشهور الباقية حتى نهاية العام لانهيار "الهدوء الهش" الذي حذر منه روبرت سيري مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط في الخامس من الشهر الجاري ، بدل أن يستمروا في انتظار وصول الأربع مليارات ونصف المليار دولار التي وعد المانحون بها لإعادة اعمار القطاع والتي لم يصل منها شيء حتى الآن ، كما أكد مؤخرا جون جينغ المسؤول الأول عن عمليات الأمم المتحدة في غزة ، لأن مصير القطاع وأهله ما زال يتقرر في إطار الشراكة الاستراتيجية بين دولة الاحتلال وبين راعيها الأميركي ، ولأن الحراك الدبلوماسي العربي ما زال أسيرا لهذه الشراكة بغض النظر عن المعارض لها والقابل بها مكرها على مضض.
*كاتب عربي من فلسطين
www.deyaralnagab.com
|