logo
هكذا تكلمت النساء!

بقلم : ريم عبيدات ... 16.03.2009

لم يكن مستغربا ما خرجت به الدراسة التي حملت عنوان “هكذا تكلمت النساء”، إذ يعرض لعدد من الضبابيات العربية المعاصرة وظواهر مستقبلية تشي بحياة حالكة للمنتج المجتمعي العربي برمته..
والكتاب دراسة اجتماعية بحثية تركت كاتباتها مسرح رواية النتائج بتواضع جم وهن الانثروبولوجية د. الثري التركي، والاجتماعيتان د.ملك رشدي ود.آمال طنطاوي، ليتوارين وراء المبحوثات أنفسهن، ليروين التفاصيل الأكاديمية عبر المجريات اليومية للحدث الاجتماعي بتقلباته الموجعة في الواقع ولتطور الأحداث الذي تعانيه الشخصيات موضوع الدراسة فجاء اختيار مدخل دراسي وإبداعي جديد في الآن ذاته.
ويتماهى الخط الأكاديمي مع الروائي عبر إفساح المجال لصاحبات القضية لاستخدام أصواتهن الحقيقية في تفاصيل الدراسة، إيمانا من الباحثات بضرورة أن تصبح المرأة هي الراوي الحقيقي، وبخاصة مع كون الرواية النسائية العربية الفنية لا تزال حبيسة الحناجر، وفي أحسن الظروف خافتة أو متوارية وراء متطلبات الرقيب النفسي أولا والاجتماعي ثانيا والفني ليس عاشرا... ناهيك عن الاختباء وراء الظلال، من زوج أو صحافي أو محام أو روائي أو فنان، فلا يصلنا من المرأة الحقيقية أخيرا إلا انعكاسات بعيدة تفلتت بحسب رؤيته ومجساته الشخصية وموقفه من الحياة عموما والمرأة خصوصا.
كما جاء خيار المؤلفات بالانحياز لشريحة الحراك الأعلى المتمثلة بالشرائح الدنيا والوسطى ظاهرة جديرة بالتوقف، كارتفاع عمالة النساء في الشريحة الدنيا في القطاع غير الرسمي. وهي بحد ذاتها قضية خصبة بالتحليلات والتأويلات والمعاني المختلفة. ناهيك عن انعكاسات خطيرة تبرزها الظاهرة من الاستغلال الشديد لهذه الطبقة العاملة التي تتسع بصورة مرعبة مع استحكام حلقات الفقر والبطالة والتفكك الأسري وظواهر أبناء الشوارع وتنامي العشوائيات، كما وتدني الأجور وضعف التعاطي بقوانين العمل المعترفة بحقوق الأطراف، وبخاصة مع تسرطن ظاهرة المرأة المعيلة التي تستحق أن تكون أيضا إحدى العلامات الفارقة للمجتمع المعاصر.
لقد صهرت التجربة والتغيرات الطاحنة التي شهدها الواقع خلال العقدين الأخيرين حياة البطلات لتخرج بعضهن من التجربة أكثر قوة فيما ضاعت أخريات في مراراتها وقسوتها. إلا أنهن وعلى حد تعبير الباحثات اشتركن في شرف المحاولة والكفاح من أجل تحقيق حياة إنسانية لم تجد في المناخ المحيط الكثير من الدعم.
التجربة بحثيا وفنيا لافتة وتحتاج للكثير من التأمل والوقفات المتعمقة، وتفتح أفقا جديدا لاختلاط الأكاديمي بالواقعي بالأدبي، إضافة لكونها معلما يستحق الوقوف والتقدير في تقاليد المعرفة لإخراجنا من نفق الفردانية البحثية والعملية والانجازية، وبالذات في المعرفة حيث تكمن معظم أزماتنا المصيرية.


www.deyaralnagab.com