logo
النقب : رهط : ظاهرة العنف القبلي والعائلي في ال "مدينة" اللتي لم تتمدَّن حضاريا وفكريا!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل* ... 11.05.2009

لا يمر يوما او اسبوعا او شهرا الا وتناقلت فيه وسائل الاعلام طوائش عرب النقب الداميه سواء في مدينة رهط اكبر تجمع بدوي في النقب او في تل السبع او كسيفه او حوره او اللقيه واينما تواجد وتجاور بدو النقب, الا ان ما يجري في رهط مدينة ال50000 نسمه من طوشات داميه لافتا للانتباه في تطوره العنيف من جهه وانواع الاسلحه المستعمله في الشجارات العائليه والقبليه, وما جرى مؤخرا في حاره 17 بين ابناء العائله الواحده من شجار ومجزره استعملت فيها الاسلحه الناريه بكثافه يظهر للاسف مدى التدهور وليست التطور في علاقة الناس ببعضها اجتماعيا وعائليا, وبدا ويبدو الامر وكأن الناس تطلق النار على اعداءها وليست على جيرانهم وابناء عائلتهم, ولكن هذا المثال بحد ذاته غيض من فيض الشجارات العائليه في النقب بشكل عام ورهط على وجه الخصوص الذي يستعمل فيه الناس الرصاص الحي في الطوشات لاتفه الامور, ومن بعدها تأتي العواقب الوخيمه من خسائر في الارواح وهجيج ورحيل ولكن بعد ان يكون الفأس قد دخل في الراس,,!, واللا فت للنظر في اكثرية طوشات عرب النقب الداميه هو بداية هذه الطوشات دوما كانت شجار اطفال في الشارع او المدارس او الحاره ومن ثم تتطور القضيه الى طوائش عائليه وقبليه داميه "وعد رجالك ورد المي" وبعدها عِد جرحى وسيا رات اسعاف واعتقالات في روتينيه متكرره يوميا في رهط وفي غيرها من تجمعات البدو في النقب وبالتالي وعلى الرغم من ان الانسان كإنسان هو قيمه حضاريه و اجتماعيه وانسانيه, الا انه في طوشات البدو ورصاص الجُبناء تصبح الانسانيه والبشر مجرد خراف او بط صيد يُطلق عليها الرصاص,.. والبدوي الاصيل والشهم كان يقول حتى لو كان قبيلك في فورة الدم " مزودها" عليك ان تتحاشى ضرب القتل ومنطقة الرأس, بمعنى تجنب القتل والاصابات الخطيره,, ولكن وكما هو واضح ان البدوي الهجين والمُهجن في مدن غابات الحجاره قد نسي او لم يتعلم الحد الادنى من شهامة وعادات اجداده الى حد القول ان البدوي الشهم كان يوقف سيفه في الهواء ولايهوي به على جسد قِبيله عندما كان اخر يقول وجه فلان عليها والعذَّاله, او بجاه الله عليكُم الخ من تاريخنا البدوي الاصيل والمُشرف .... للاسف هذا لم يعُد قائما في مدن وقرى الملح البدويه ولا هو اصلا جزء من ثقافة مجتمع قبلي موبوء بالتخلف ولا هو جزء من حضارة مدينة رهط المدينه التي لم تتمدَّن حضاريا وفكريا وظلت على حالها منذ تأسست في السبعينات من القرن الماضي بمثابة قلاع وحارات قبائل تحضرَّت منظرا وشكلا وتخلفت فكريا وحضاريا وانسانيا وطوَّرت من ادوات حربها وتفاهاتها الى حد يصبح فيه الجبان مالكا او سارقا لسلاح جبان مثله لا يستعمله ولا يضغط على زناده الا في اتجاه اخيه وجاره اوفي اتجاه ابناء عائله او قبيله اخرى وبعدها تبدأ مرحلة اللطم والندم او العكس ..الثأر والثأر المقابل وجا ي ياهابِين الريح ويا من يفكُّنا من هالورطه!!....صار كل جبان [ بغض النظر عن عائلته ونسبه وحسبه الخ] في رهط يطلق الرصاص على الاخرين لمجرد طوشة اطفال, والحق يقال ان هذه المسلكيه عار وفضيحه انسانيه مجلجله, ولا يوجد فيها اي رجوله او شهامه او كرامه حين يُصاب الاطفال والنساء بالرصاص لمجرد انهُم من العائله الاخرى.. هذا البدوي الذي يمتشق سلاحه ضد جيرانه وضد الاطفال والنساء والشيوخ والشباب, بكل بساطه: انسان جاهل وهمجي وجبان ولا شئ اخر يربطه بالرجوله او الانسانيه لابل ان هذه الاشكال البشريه تحتاج الى تأهيل بشري وانساني حتى تعيش بسلام في المجتمعات البشريه!!
من هنا لابد من التأكيد على حقيقه تاريخيه بِغظ النظر عن الوقع الراهن لرهط مدينة الحجاره وواقع سكانها,وهي أن مشاريع توطين البدو في النقب كانت وما زالت مشاريع صهيونيه بحته ومن ضمنها ايضا نَشأة وتطور رهط اللتي تُعتبر اكبر مدينة توطين من جهه وتًعتبر المثال الحي على نجاح مشروع صهيوني جائر في حصر اكبر عدد ممكن من عرب النقب على مساحة ضيقه وصغيره من جهه ثانيه وبالتالي كانت ومازالت نشأة رهط وتطورها كمدينة توطين قسري, مرهونا بِمخططات الدوله الاسرائيليه واهدافها الراميه الى قَولَبَة[قالب] رهط وسكانها القبليون في قالب يُناسب تَوجُهات الدوله من الناحيه الجغرافيه والديموغرافيه والاقتصاديه والسياسيه, حيث كان تطور رهط تطور مقلوب حُرقت فيه مراحل تطور كثيره, حيث انتقلت العقليه البدويه الثأريه من الخيمه الى البيت ومدينة الوهم دون تطور فكري وحضاري, وهذا مايعني ان نشاة وولادة رهط "المدينه" الوهميه لم تكن ولاده طبيعيه ونِتاج لِمخاض وتطور تاريخي من حيث قطع المراحل الطبيعيه بين البداوه والتحضُر المدني,و قطع المراحل التاريخيه والاقتصاديه والديموغرافيه اللتي تَسبق عادة التَحول من نمط حياه الى نمط أخر, وماجرى هو ان ولادة رهط وغيرها من مدن التوطين في النقب كانت قسريه ومأساويه الى حد ان رهط المولوده قسريا كانت ومازالت مُعوقه ومُكبله بِكل اصناف التعسُف التاريخي والاجتماعي والسياسي اللذي يرقى الى مستوى إغتصاب نَشأة المكان والتاريخ وإقتلاع الانسان من جُذوره واستعماله كعَينه إختباريه في يد من قَرّروا وضع عرب النقب في مُختبرات الصناعه الاستعماريه في عملية شامله وكامله تهدف الى تَغيير المكان جغرافيا وديموغرافيا, وتَهجين الانسان اجتماعيا وتاريخيا... والنتيجه هي :غابة الحجاره القائمه اليوم في رهط ويطلق فيها الناس النار على بعضهم البعض لاتفه الاسباب!!
كان الهدف الاسرائيلي من توطين البدو واضحا و وصفه مئير بتس 1966 في كتاب ارض النقب بوضوح بِأنَّه بموجبه [التوطين] سيصبح البدو في الجنوب اللذين سيقطنون المُجمعات السكنيه السبعه القوه العامله في الخدمات العامه في المدن وغيرها خارج مكان سَكناهم ,ومئير بتس هذا كان مهندس لواء الجنوب وشأنَه شأن روبين فيسوكر [ اول رئيس بلديه مُعين لرهط] كان الاثنان من مُخططي توطين البدو ومن هَدَموا بيوت البدو في خطوه اولى نحو التوطين القسري وفرض مشاريع التوطين القسري كأمر واقع من خلال الترهيب والترغيب والاِغراء من خلال بِناء بيوت وحارات حَضريه اوليه في رهط وغيرها كعينه يَلْحق بها الاخرين كما جرى في رهط في بدايات تأسيسها وكما هو حاصل اليوم , إلا ان اسرائيل دأبت على الحفاظ على التركيبه القبليه في رهط حتى تبقى مُقسمه ومُسيطر عليها ليس على مستوى الحارات والاحياء ومشرذمه اجتماعيا فحسب لابل ايضا ان تكون البلديه وتركيبتها وادارتها مقسمه قبليا!!
أننا نرى أنَّهُ من المُهم جدا الخوض في التحليل الفكري لِمعنى الولاده القسريه لرهط " القبيله"المدينه اللتي لم تتمدن حضاريا وفكريا من منطلق تحليل ولادة رهط القسريه وعلاقتها في ولادة نمط اجتماعي مُشوَّه وقسري حاله حال نَشأة رهط الجغرافيه والديموغرافيه في ظل مجتمع سادت فيه التركيبه القبليه مُنذ عُقود من الزمن مع الا خذ بِالحسبان ان السياسه والثقافه والحضاره كفكر ومُمارسه تَحتاج الى تُراث فكري وحضاري لم يكن في مُتناول عرب النقب لإسباب تاريخيه وسياسيه وقبليه,وبالتالي لم تكن هُنالك مراحل محروقه في تطور رهط الاجتماعي والاقتصادي فحسب لابل ايضا هنالك حرق لمدنية هذه المدينه اللتي لم تنضُج ولن تنضُج حضاريا ومدنيا في ظل تَخلف قبلي وفكري اختلط فيه حابل االتخلف الفكري بِنابل الهمجيه القبليه اللتي تطلق في الطوشات القبليه الرصاص على الاطفال والنساء في الشوارع والحارات التي تتحول في رهط الى ارض معركه داميه لاتفه الاسباب وادناها!!.. رهط اليوم ذات البيوت الفارعه ماهي الا غابة حجاره ينمو في داخلها مجتمع دخيل وهجين وفقير وعنيف يُعنف ذاته ولا يُعنف من حوَّلَّ الناس الى مجرد حجاره ومُطلقي نار مسجلين في سجلات شرطة اسرائيل...يا عيب الشوم!!
في مدينة رهط تصل البطاله الى اكثر من 40 %,,وما يُقارب ال 79% بالمئه من سكان رهط يعيشون بالقرب او تحت خط الفقر, وهذا ما يعني ان العنف الجاري في رهط هو مزيج من الاقتصادي والقبلي والتنفيسي لابل ان الحديث عن حال التربيه والتعليم هو بمعنى حدث بلا حرج, فساد, نقص في المدارس ورياض الاطفال, ونقص في الميزانيات , ومستوى مُتدني في التحصيل العلمي والتعليم سواء على مستوى المدارس الابتدائيه أوألاعداديه, او المدارس الثانويه وتدني نسبة من تجاوزوا إمتحانات الثانويه[ البجروت],!!
قد تتلألأ رهط للناظر اليها من بعيد, او تُلمَّع رهط اعلاميا لاهداف سياسيه, الا ان الحقيقه هي ان الوضع في مدينة رهط بشكل خاص والوضع العام لعرب النقب ليس بجيدا , وبدو النقب يُعانون من الفقر والبطاله والعنف القبلي والاقتصادي بسبب سياسة التوطين القسري اللتي فرضتها اسرائيل منذ نهاية الستينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا من جهه وبسبب الاهمال الاقتصادي المُبرمج اللتي تُمارسه اسرائيل ضد عرب النقب وبالتالي تُعاني مدينة رهط وغيرها من القرى العربيه في النقب من غياب البنيه التحتيه ألاقتصاديه واماكن عمل, ومن البطاله والفقر الى حد ان رهط " العصريه" [من وجهة نظر كذب اسرائيل!!] تشبه الى حد كبير جيتو إنساني ملئ بالمأسي والفقر والحرمان والظلم ويعج بالخلافات القبليه والتنفيس عن هذه الحاله يأتي عن طريق الطوشات القبليه والعائليه واطلاق الرصاص بمناسبه او بدون مناسبه.... في رهط يخترعون الطوشه ويختلقون الاسباب بهدف التنفيس عن الذات.. تصدير الازمه الى اقرب الاقربين!!
كل ما في الامر ان رهط تُعاني من نشأتها القسريه ووضعية الجيتو اللتي فرضتها اسرائيل عليها و تُعاني منذ عقود من ظاهرة الطوائش العائليه والقبليه, والملاحظ ان الطوائش وادواتها هي الوحيده اللتي تطورت سلبا واكثر فتكا في رهط , بينما المجتمع الرهطاوي عاد الى الوراء ولم يتطور فكريا وصار اكثر قبليا وذلك بالرغم ان رهط تطورت شكليا نوعا ما , ولكن رهط هذه لم تتمدن حضاريا ولن تصبح مدينه من الناحيه الاجتماعيه والحضاريه في ظل ازيز الرصاص الذي ينطلق لاتفه الاسباب وادناها في رهط بشكل خاص والنقب بشكل عام... المطلوب اليوم تمّدْين رهط حضاريا وفكريا وتأهيل قاطنيها الى حياة مدنيه مشتركه وليست الحفاظ على حال اكوام الحجاره وغابة الحجاره وتقديمها كحالة تقدُم... البشريه لا تتطور من خلال بناء بيت حجري لابل من خلال بناء بيت عقلي وفكري وحضاري.. في النقب عامه ورهط خاصه تطورت البيوت والماكولات والمشروبات الى حد ما ,, وتخلفت العقول الى حد بعيد ..حد طوشات الرصاص الحي على جبهات التخلف القبلي!!

*كاتب وباحث علم اجتماع ..رئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونيه

www.deyaralnagab.com