logo
الى أين تُقاد حركة فتح ؟!

بقلم : د.عدنان بكرية ... 14.05.2009

يؤلمنا جدا تفجر الأوضاع التنظيمية داخل حركة فتح الأمر الذي بات يهدد وحدتها في ظل الخلافات الحادة بين قيادييها وأقطابها وإصرار ابو مازن على عقد المؤتمر داخل الضفة وتقليص عدد اعضاء المؤتمر الى اقل من النصف ومحاولة فرض اعضاء من المحسوبين عليه كي يسهل عليه الاستئثار بالمؤتمر وقراراته التنظيمية والسياسية وفي النهاية اختيار لجنة مركزية على مقاساته السياسية والتنظيمية !
ان الأزمة التي تعصف بالحركة والتي قادت النضال الثوري الفلسطيني عقود من الزمن هي نتيجة لتراكمات سياسية وتنظيمية عديدة يقف في مقدمتها تخلي بعض قادة الحركة وعلى رأسهم (محمود عباس) عن خيار المقاومة ومحاولة شطبه رسميا من ادبيات حركة فتح .. زيادة على الزحف الدائم خلف خيارات "سلمية" أثبتت أنها ليست إلا مراوغات اسرائيلية تهدف الى تهميش وشطب القضية الفلسطينية وفي النهاية فرض حلول استسلامية مؤلمة .
ما يحصل اليوم داخل الحركة من انفجار لا يمكننا ان نعتبره خلافا شخصيا بين قادة الحركة بل انه خلاف سياسي فكري من الدرجة الاولى بين متناقضين سياسيين .. الاول بزعامة فاروق القدومي (ابو اللطف ) والذي يريد استعادة الإرث الثوري للحركة ودفعها إلى الواجهة كحركة ثورية تؤمن بالمقاومة كخيار استراتيجي ويريد خلع لباس (أوسلو) عن جسم الحركة والذي اثبت انه لم يكن إلا لباسا رثّا فصّلته الإدارة الامريكية بما يخدم مصالح اسرائيل الاحتلالية والتوسعية وطريقا وعرا وشائكا ومهادنا في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني ومسيرة حركة فتح بالتحديد ... اما على الطرف الآخر فتقف مجموعة الرئيس عباس التي تريد السيطرة الكلية على الحركة مع الحفاظ على خيارات التفاوض العبثي الذي لم يأت بشيء بل همش الحركة ووضعها أمام مساءلات عديدة وأدى الى تراجعها على كافة الأصعدة السياسية والتنظيمية!
جذور الصراع وعيناته
الصراع الفتحاوي برز بعيد اتفاقات اوسلو ومعارضة بعض اعضاء اللجنة المركزية لها وبدأت مؤشرات تفجره تظهر للعيان بعد اغتيال الرئيس ابو عمار واستلام ابو مازن مقاليد الرئاسة ومحاولاته إقصاء القيادة التاريخية والعناصر "المتشددة" داخل فتح وعلى رأسهم (فاروق القدومي) والذي أعفي من مهامه كوزير للخارجية ليحل مكانه ناصر القدوة.. أما مروان البرغوثي والذي وبحسب أقوال (بنيامين بن اليعيزر) احد ابرز الساسة الاسرائيليين رفض ابو مازن عرضا اسرائيليا للافراج عنه تخوفا من وقوفه بوجه ابو مازن وتصديه لتياره !حاول الانتفاض على ابو مازن ومن حوله حين أعلن ترشيح نفسه للرئاسة الفلسطينية السابقة لكن سرعان ما تراجع .
مؤتمر حركة فتح والمزمع عقده في أوائل حزيران شكل القشة التي قصمت ظهر البعير بعد اصرار ابو مازن وجماعته على قولبة المؤتمر بأعضائه وبقراراته السياسية بما يتماشى ومصالحهم التنظيمية والتفاوضية ..فجهدوا في سبيل إضافة أعضاء جدد وكل يوم لضمان أكثرية لهم داخل المؤتمر الأمر الذي فجر الاجتماعات التحضيرية المنعقدة في عمان وجعل (القدومي) يخرج عن صمته منتفضا على نهجهم وبالنهاية أقدم أبو مازن على عملية انقلابية ضد فتح حين أعلن عن نيته عقد المؤتمر في رام الله الأمر الذي سيحول دون حضور العديد من الكوادر والقيادات الفتحاوية من الشتات وعلى رأسهم القدومي ... وبهذه الطريقة يكون محمود عباس قد خطى الخطوة الانقلابية الاولى وأسس لمرحلة انقسام حركة فتح!!
اغلاق الهاتف بوجه عباس
من خلال متابعتي للاحداث والمقالات والأخبار التي تصل مجموعتي الإعلامية (فلسطين ال 48 ) لمست ان هناك بوادر انقسام سيحصل داخل حركة فتح في الأيام القادمة.. اذ وصلت المشادات داخل اللجنة التحضيرية الى حدود الضرب (فنصر يوسف) يضرب (حكم بلعاوي) بعصا المارشالية (وابو ماهر) غنيم مسؤول التعبئة والتنظيم للحركة يقفل الهاتف بوجه عباس .. وعباس يستشيط غضبا ويحل اللجنة التحضيرية للمؤتمر ويصر على عقد المؤتمر في الأراضي الفلسطينية ! وقالت مصادر فلسطينية مطلعة ان اغلاق الهاتف في وجه عباس من قبل ابو ماهر غنيم دفع الاول الى اتخاذ القرار بالاعلان عن عقد المؤتمر العام في الأراضي الفلسطينية وحل اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي يرأسها غنيم.
اللجنة المركزية ترى ان أي مؤتمر يعقد تحت حراب الدبابات الاسرائيلية لن يكن بمقدوره تلبية مطالب وطموحات الشعب الفلسطيني بل ان قراراته ستكون خاتما مطاطيا بيد اسرائيل !
لا ننكر اننا هنا في فلسطين ال 48 وعلى الأقل الغالبية هنا ترى بان هذه الأيام ستكون مفصلية وحاسمة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإذا ما قدر وانقسمت حركة فتح فان النضال الوطني الفلسطيني سيتعرض لضربة قاصمة وإذا ما قدر واستحوذت العناصر المهادنة على المؤتمر والحركة فان الحلول المهادنة سترتقي أكثر الأمر الذي سيضع القضية الفلسطينية على منعطف حاد وخطير فحركة فتح ليست حركة عابرة في التاريخ الفلسطيني بل كان لها الدور الأكبر في مسيرة النضال الفلسطيني منذ تأسيسها قبل حوالي نصف قرن .
الى أين تتجه الأمور
يوم بعد حل اللجنة التحضيرية وبعد تدخل وساطات بين اللجنة المركزية والرئيس أصدرت الاولى بيانا تنظيميا لوسائل الإعلام يشير الى عدم وجود خلافات ،بل ان اجتماعا للجنة المركزية سيعقد وسيتم تداول الاشكالات وحلها !
يبدو ان اللجنة المركزية مصرة على عقد المؤتمر في الخارج وبكامل اعضاءه ويبدو ان عباس ابدى ليونة بهذا الخصوص خاصة وان غالبية اعضاء اللجنة المركزية تؤيد وتصر على عقده في الخارج وبكامل اعضاءه ال 1600 .
من متابعتي يبدو لي أن الأوضاع تتجه نحو الأعقد والأصعب على صعيد وحدة حركة فتح وحتى لو تم الاتفاق على القضايا التنظيمية المتعلقة بعقد المؤتمر..مكانه وعدد اعضائه ،الا ان البرنامج السياسي المطلوب تبنيه من قبل المؤتمر سيفجر الاوضاع .. فهل سيقبل المؤتمر الاستمرار بالمفاوضات العبثية والتخلي عن الكفاح المسلح كبرنامج تعتمده حركة فتح ؟ وهل سيتم شطب مصطلح الكفاح المسلح من أدبيات الحركة ؟!
فاروق القدومي هو الوحيد القادر على قلب المعادلة داخل فتح لصالح القوى الثورية وطبعا بمؤازرة الاخرين فهو يحظى باحترام وتقدير خاص لدى ابناء الشعب الفلسطيني لما يمثل من وجهة نظر وطنية ثورية مركزية ويصر على الثوابت الفلسطينية .. هو الوحيد القادر على النهوض بحركة فتح من جديد واعادتها الى مكانها الطبيعي وباعتقادي من الخطأ ترك (الميدان لحميدان) والقبول بما يخطط له (جماعة اوسلو) حتى لو كلف الامر سلخ هؤلاء عن جسم الحركة او الانسلاخ عنهم ! فالانسلاخ او السلخ يعني الحفاظ على حركة فتح قوة ثورية وطنية والسلخ يعني نفض الغبار الذي علق بالحركة منذ اعوام .
الأهم في هذه الأزمة ان (جماعة أوسلو) كما يسمون يجهدون في السيطرة على المؤتمر ومن ثم السيطرة على الحركة وبأساليب ملتوية بعيدة عن نص النظام الداخلي للحركة وهنا يحتدم الصراع .. فهل ستكون النتيجة انقسام في الحركة أم عزل ديموقراطي لأقطاب أوسلو ؟ سؤال من الصعب الإجابة عنه فلنتركه للمستقبل القريب.

كاتب فلسطيني

www.deyaralnagab.com