المرأة بين تحقيق الذات وحالة الاغتراب المجتمعي والثقافي!!
بقلم : مريم علي جبة ... 13.04.2009
هل لا تزال المرأة تعيش صراعاً بين تحقيق الذات وحالة الاغتراب.. وهما حالتان متناقضتان إلى حد كبير.. وهل يمكننا القول أنها حققت ذاتها أم أنها لا تزال تعيش ذاك الاغتراب الموروث من ثقافتنا ومحاطاً بقسوة المجتمع.
يقول عالم الاجتماع والروائي المعروف حليم بركات.. لا تزال المرأة مغتربة تعاني من مشكلات أساسية.. لكن ما هي هذه المشكلات؟
لا شك أن المرأة حققت الكثير من التقدم والتطور من خلال انخراطها في العديد من مجالات الحياة، رغم الصعوبات والعوائق الجمّة التي اعترضتها ووقفت في طريقها.. نعم المرأة حققت الكثير.. ولكن هذا الكثير هل حققته لنفسها أم لمجتمعها؟ وبمعنى أصح هل حققت المرأة ذاتها؟
تقول الناقدة خالدة سعيد بهذا الخصوص لا تزال المرأة كائن بغيره ذاته، وتحدد هويتها بكونها بأنها أم لفلان، وزوجة فلان، وابنة فلان، أو أخت فلان.. إلخ إذاً المرأة أنثى الرجل بكافة الأحوال وتعرّف بالنسبة للرجل، وهذا معناه أنه ليس للمرأة وجود مستقل، ما يؤكد أنها كائن بغيره لا بذاته، ولأنها كذلك فسيكون من الصعب عليها، في إطار الأوضاع التقليدية، أن تعيش بذاتها فيغيب عنها شعور الاكتمال بذاتها، كما أن المجتمع لن يقبلها ككائن بذاته. ومع ذلك كله يمكن أن يطلق عليها "المثال النموذجي للاغتراب".
ويرى البعض أن المرأة لا تزال مغيّبة كنوع اجتماعي مهم في المجتمع كأنثى، وحتى قضاياها تُطرح من خلال مفهوم المرأة كأنثى، ويؤكد المهتمون بشؤون المرأة على أن تمكين المرأة يحتاج إلى طرح قضاياها في ضوء مفهوم جديد ينقل قضاياها من حيز الجنس إلى حيز النوع الاجتماعي، من حيث أن مفهوم النوع الاجتماعي ليس مكوناً بصورة نهائية بل يتكون من خلال ممارسته فتضاف عناصر إليه وتضمحّل عناصر أخرى.
هل لا تزال المرأة مثالاً "نموذجياً" للاغتراب؟
يقول الباحث حسن المحمداوي: لا يخفى على أحد منا أن الاغتراب، كظاهرة ومفهوم قد أخذ حيزاً واسعاً وكبيراً في الحياة الإنسانية بشكل عام، ولست هنا بصدد أن أؤرخ لهذه الظاهرة الممتدة عميقاً بامتداد الحياة الإنسانية على اعتبار أنها لازمت الوجــود الإنساني منذ النشأة إلى ما شاء الله، ولكن ما يهمني هنـا أن أتصدى لهـذه الظاهــرة من حيث تمكنها من المرأة أي بمعنى غربــة المرأة عن ذاتها أي بمعنى الانفصال الواعي للفرد بين ذاته المثالية وبين الصورة الواقعية للذات وبتبسيط أكثر بمعنى أن يمثل الاغتراب درجة اعتماد سلوك معين على جزاءات مستقبلية وهذه الإجراءات تكون متخفيةً خارج الفعل نفسه، مثل المرأة التي تعد الطعام كيفما أتفق بغض النظر عن جودته ولذته، ولكن من أجل القيام بالواجب على سبيل المثال، فهنا الاغتراب يتجسد بعدم قدرة الفرد على إيجاد أو العثور على جزاء ذاتي نابع من النفس يضفي على الفرد نوعاً من الرضا وتقدير الذات.
والحقيقة -وهذا الكلام للباحث المحمداوي- ولا أريد أكون جازماً ومن خلال الاطلاع على ظاهرة الاغتراب والبحوث التي تناولتها بشكل عام، أجد بأن المرأة تعاني من هذه الظاهرة أكثر من معاناة الرجل لها، ولعل من أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك تكمن في الاتجاهات الاجتماعية الغالبة والنسق القيمي السائد في المجتمعات العربية، فعلى الرغم من توفر فرص التعليم وكثرة التغيرات القانونية والتشريعية في صالح المرأة وعلى الرغم من تطور المجتمع بقيمه ومعاييره إلا أننا نلمس في مجتمعاتنا الشرقية ضغوطاً كبيرة تتعرض لها المرأة في حياتها اليومية.
ويضيف حسن المحمداوي أن ثمة مناخ يدفع المرأة العربية للوقوع في شباك الاغتراب عن الذات والمجتمع وبما ينعكس سلباً على صحتها النفسية وحياتها العامة، لأن خلق حالة من اللوم اللامنطقي وحالة من التمييز ضد المرأة هو في حقيقة الأمر نيل من إنسانيتها أو تقيدها أو استعبادها أو المساس بحقوقها الشخصية والاجتماعية والنفسية والثقافية والسياسية والمدنية على أساس الجنس والنوع، وكل هذه الأمور تضعف عند المرأة موارد الثقة بالنفس ومتطلبات التقدير الذاتي.
وبناءً على ما تقدم يمكننا القول أن المجتمعات الشرقية هي مجتمعات ذكورية تتغنى بالذكر وترفع من شأنه على حساب الأنثى بحيث تتمدد هذه الفكرة لخلق نواحي التعامل الحياتية في المجتمع وتكوين المعايير التي تحكم سلوكيات الجماعة ، وهذا ما نلمسه دائماً. ومن خلال تفرد الذكور بممارسة أعمال واحتلال مراكز يتم حرمان وصول المرأة إليها نتيجة هذا التمييز البغيض والذي يبنى على أسس خاطئة ومعايير اجتماعية تواترت إلينا عبر الأجيال، وهذا في حقيقة الأمر مخالفاً للفطرة الإنسانية ولإحكام المنطق والعقل، لأن التمييز بين المرأة والرجل ينبغي أن يكون على أساس الخصائص وليس على أساس التفضيل، بمعنى أن كل جنس له من الخصائص ما تؤهله للقيام بمهام معينة، ولذا ليس من العقل والمنطق أن نقول بأن الرجل أفضل من المرأة لأن عضلاتة قوية فنكون بهذا مثل الذي يقول بأن الغزال هو أفضل من السمكة لأنه يجري بسرعة، والحقيقة أن السمكة خلقت لأجواء تختلف عما خلقت عليه الغزال، حيث لكل دوره وإبداعه وإسهاماته في بناء الكون وتعمير الأرض.
ويتابع الباحث "المحمداوي" أن هناك من النظريات في المجال السوسيولوجي كنظرية التدرج الاجتماعي تسهم بشكل أو بآخر في أخفاء دور المرأة عن مسرح الرؤية السوسيولوجية وبالتالي فهي تسهم في اغترابها رغم وجودها الاجتماعي الواضح، حيث ترى هذه النظرية بأن الرجل هو مركز الأسرة وتغفل الدراسات التي تنطوي تحت هذه النظرية الأدوار الأساسية التي تنهض بها المرأة في الحياة وما هي الضغوط النفسية التي تتعرض لها من جراء ذلك، ومثل هذا الإغفال يؤدي من حيث نشعر أو لا نشعر إلى تعميق التمسك بالقشور من الحقائق دون اللب وهو ما يعمق شئنا أم أبينا التمسك بالمعايير الجلفة والغير منطقيه والتي من خلالها نصدر أحكامنا ونشيد أسرنا بالشكل الذي ينعكس سلباً على أدائهم وتوافقهم النفسي والاجتماعي، فلا تزال هذه المعايير التي لا تنتمي إلى عقل أو منطق تحكم سلوكنا وأدائنا ونطبقها قسراً على من يعيشون معنا حتى في بلاد المهجر وهي بالتالي تنسحب على أحكامنا المتصفة بالسطحية، حيث غالباً ما تكون أحكامنا على أخلاقية المرأة مثلاً من خلال مظهرها لا من خلال جوهرها وما تحمله من قيم وأخلاق والحقيقة تقول والمنطق والعقل يقولان، بأنه ليست هناك من ملازمة بين أن تكون المرأة منتجة ومبدعه وبين أن ترتدي شيئاً غير منافي للذوق العام، خاصة ونحن في بلاد المهجر، حيث أن بعض الأزياء فيها نوع من المغالاة والتي قد تجبر المرأة في الكثير من الأحيان على ارتدائها مما يشكل في حقيقة الأمر إثارة واضحة لجلب انتباه سكان المجتمع الأصلي ما يجعل استجابة الكثيرين منهم لا تخلو من السخرية والتهتك والخوف وخاصة عند الأطفال لأنهم لم يألفوا مثل هذه المناظر( المبالغة في التحجب)، وهذا ما حدث فعلاً في مدينة ( هلسنبوري) جنوب السويد عندما عزف أطفال المدرسة خوفاً من الركوب في الباص حيث كانت سيدة عربية ترتدي حجاب مبالغ فيه خافية حتى عينيها، وقد نشرت الصحف هذه الحادثة، والله وحده يعلم مآثر هذه الحادثة على الوضع النفسي لهذه المرأة وكيف يعمل عمله في اغترابها عن ذاتها وأسرتها وبالتالي مجتمعها.
ويضيف المحمداوي أننا نلمس ومن خلال الأبحاث السيكولوجية والسوسيولوجية المتعلقة بالمرأة أنها تركز على أدوار المرأة الطبيعية (كزوجة وربة بيت) وبالتالي تنصب اهتماماتها على المسائل الغير جوهرية والتي لا تتعلق بإبداعاتها وما تتمتع به من قدرات وإمكانات لوجدت المناخات المناسبة لها لارتقت يقيناً إلى مستوى أخيها الرجل، فعلى سبيل المثال توصلت دراسة (سفيلد)، إلا أن المرأة تلعب دوراً أساسياً في القرارات اليومية المتعلقة بنماذج الاستهلاك والموضات وحضور العروض السينمائية في المجتمع الأوربي والأمريكي، كما وجد بان التأثير الأنثوي كان في قمته منصباً فيما يتعلق بقرارات الاستهلاك وبدرجة أقل فيما يتعلق بالشؤون العامة، هذا بالغرب. فكيف يكون الأمر في المجتمعات الشرقية التي قد يتأثر باحثوها بتأثير الهالة بشكل كبير وخاصة فيما يتعلق بالنظرة إلى المرأة ومدى تأثير الإرث الثقافي على عدم موضوعية هذه النظرة وتطبعها بالطابع الاجتماعي السائد لأننا لا نزال نعيش ونكتب ونبحث في ظل عصر شرقي يتميز بالتحيز الشديد ضد الإناث ولا تزال استجابات عينات بحوثنا تنحو هذا المنحى مما ينعكس سلباً على نتائج بحوثنا التي نتوصل إليها ونعمم من خلالها.
وخلاصة لما تقدم-حسب رأي الباحث حسن المحمداوي- يمكن القول بأن اغتراب المرأة يتجسد في شعورها بعدم الفعالية وتهميش الدور التي يمكن أن تقوم به وكذلك بالنظرة المتدنية إليها من قبل مجتمعاتنا الشرقية المعاصرة بالمظهر لا بالجوهر مما يعكس هذا شعوراً لديها بان السلوك الذي تقوم به خالِ من المعنى والأهمية وهذا الأمر يدفعها دفعاً للاستشعار بالعزلة والغربة الذاتية.
ولا يفوتنا في هذا المضمار أن ننوه إلى الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة من أجل إحداث تغير في المعيار القيمي بالنظرة إليها وأن تزيح عن نفسها شباك الاغتراب وهذا يكون في حقيقة الأمر من خلال عملها الجاد والمثمر في هذا الاتجاه والناظر إلى حقيقة الأمور لا إلى القشور من أجل أن يكون عطائها متميزاً بالحيوية والبناء والتطور.
رغداء الأحمد نائبة رئيسة الاتحاد النسائي تقول: إن الواقع بكل ميادينه وبكل إشكالياته التي فرزتها معطيات التقدم الذي أحرزته المرأة على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونبوغها الفني والأدبي والرياضي، ورغم كل مظاهر اللامساواة أو التمييز إلا أن الحقيقة تعبر عن نفسها، إذ أثبتت المرأة وجوداً فاعلاً وحضوراً نوعياً ريادياً عبر مشهدين الأول بدعم ومساندة ممن له حق الولاية أو المشاركة أو الاندماج الأسري والثاني عبر استغلاليتها وتجاوزها الكثير من الهنات والمعيقات الاجتماعية الموروثة التي حاولت أن تفرض عليها التبعية وأحياناً الذوبان بالآخر لتنهض مسلحة بعلمها ومتمردة على الدور التقليدي المرسوم لها.. والمرأة تساهم فعلياً في حياة الوطن، لنقول فعلياً أنني هنا.. أنا كائن بذاتي ولي شخصيتي وقدراتي وبصمة اليد التي تميزني ولي الأدوار العديدة التي أقوم بها، ولو أمعنا النظر بالرأي النقدي لخلصنا إلى نتيجة مفادها أن الرجل أيضاً من غير الممكن أن يكون بذاته.. إذن، إن منطق الأمور وفلسفة الحياة والوجود تقتضي وجودهما معاً لدور مسؤول لا يمكن أن يتحقق إلا بما يمتلك كل منهما من قدرات ومهارات ذاتية تزداد غنى ونضوج بالتكامل ولكنها لا تموت بالفصل أو بتنحية الآخر لا سيما المرأة، ويجب ألا ننسى أن من يضع الذكر والأنثى هي المرأة عبر احتوائها واحتضانها وإرضاعها وغرس أبجديات التعامل مع الحياة فمن غير المنطق أن تكون المرأة الكائن التابع وهي الذات المخلوقة والصابغة لما لديه من المقومات التي ربما تساهم العادات والتقاليد بسيادتها على أصلها ولكن الواقع يبرهن قدرة المرأة على صنع المعجزات منفردة إذا ما أحسنت استثمار إمكانياتها.
المصدر : موقع نساء سوريه
www.deyaralnagab.com
|