ضمائر مستترة تتجلبب بأسماء مستعارة؟!
بقلم : آمال عوّاد رضوان ... 17.06.2009
حين نذكر الأسماء المستعارة، فنّيا وأدبيّا وسياسيّا وتراثيّا، تتبادر وتلمع في أفق الذّاكرة ألقاب انطبعت وطغت على الأسماء الحقيقيّة، وما أكثرها، مثل: العندليب الأسمر "عبد الحليم حافظ"، وكوكب الشّرق "أمّ كلثوم"، والأخطل الصّغير "بشارة الخوري" وأمير الشّعراء "أحمد شوقي"، وعميد الأدب العربي "طه حسين"، وأدونيس "أحمد سعيد"، وبدوي الجبل، وشاعر القطرين.
القائمة طويلة تزخر بالكثير والعديد من أسماء، تفخر بها الذّاكرة الثّقافيّة على مرّ العصور!
هذه الألقاب والأسماء المستعارة شمخت وعلت بأصحابها شأنا، وانتصبت أمام الرّيح وما اهتزّت، بل وأثبتت حضورها المشرّف والمترسّخ والمتأصّل على السّاحة الثّقافيّة والحضاريّة بجدارة، ولو تتبّعنا مسيراتها الزّاخرة بالإبداع، لوجدنا معظم هذه الكائنات بكياناتها، كانت تنأى بعيدًا عن الأنظار، وتشقّ دروبها بشقّ الأنفس، وبمنتهى الثّقة والاعتزاز بالنّفس، وباحترام المنافسين دون طعن بأخلاقيّات الآخر إلى حدّ ما، وقد وصلت للشّهرة وللتّقدير، بالصّمت والتّحرّك السّلحفاتي أو الحلزونيّ البطيء، وبعد وقت طويل!
لكن الأمر اختلف اليوم في غمرة التّكنولوجيا الحديثة، من حيث السّهولة والسّرعة وفرص النّشر دون رقابة، فنشهد تصريحات مختلفة الألوان، ترد بشتّى المواضيع، بعضها يفتقر إلى أسماء صريحة، وبعضها يرد تحت اسم حقيقيّ، لكن، وفي كلا الأمرين، ومن خلال الطّرح والتّعقيب، نلحظ ما لا يتعدّى الرّكاكة وأرنبة أنف الكاتب!
المسيء في الأمر هو تفاقم لغة الحوار غير المُجدي في المواضيع الجيّدة نسبيّا، إضافةً إلى التّعقيبات المقنّعة أسفل الطّرح، والخروج بعيدًا عن الموضوع، أو انشغال المعقّبين بحواراتهم التسفيهيّة، ممّا يجعل الطّرح يفقد رونقه وفكرته الأساسيّة.
وتدور الأسئلة في أفلاك الاستغراب وتتلاحق حيرة:
لماذا هذا التّخفّي وتجلبب الضّمائر بعباءة الأسماء المستعارة؟
ما هي الدّوافع الحقيقيّة التي تقف وراء هذه الضّبابيّة؟
هل هذا الأسلوب هو متنفّس للتّلميح والتّعبير بسبب الخشية من تحمّل مسؤوليّة القلم والفكر؟
أم هو منهج للتّعتيم والتّشويه؟
بعض الأسماء الوهميّة أو المستعارة يعشّش سوس البلاء في أفكارها ونواياها، وتعمل من منطلق النّقمة أو الكسب بألوانه، بمنتهى الخطورة وسرعة الانتشار في ترويج الأدب الهابط، وتشويه شخصيّات وجماليّات الثّقافة الرّاقية، وقد يكون موجَِّها بموجة مُعدية ومُعادية، تنخر في هيكل عتيق له قدسيّته الحضاريّة وعلى جميع الأصعدة!
هل التستر وراء الأسماء المستعارة هو وسيلة مشروعة تبيح كلّ محظور، في سبيل تحقيق الأهداف والمآرب المجافية للحقائق، أو في بثّ سموم الحقد والنّميمة والشّرذمة والتّفسّخ، من خلال طرح وتعقيبات ناقدة لاذعة غير صائبة وغير موضوعيّة!؟
بعض كائنات لها كيانات ممهورة بأسماء مستعارة، تتظلّل وترتكب من تحتها أخطاء وإشاعات وإساءات مهينة في حقّ شرفاء ومؤسّسات وعقائد!
هل لأنّ هذا الأسلوب هو لغة التّخلّف، أم التّقدّم الحضاريّ "بحسب التّأويل"؟
أم أنّه لغة أسهل تتيح التّساهل في التّجريح والطّعن والإساءة؟
هل هذا أسلوب اختلاسيّ، ينبع من عدم وصول مجتمعاتنا إلى النّضوج السّلوكيّ والفكريّ؟
أم بسبب الافتقار إلى آليّات ومهارات في كيفيّة استيعاب الآخر؟
هنالك أيضًا بعض كائنات لها كيانات تختبئ في قوقعة الاستعارة الإيجابيّة، فتفيد أحيانًا وتستفيد، أمّا فائدتها فلا تزوّدك بانطباع مؤثّر في صِدقه وقوّته أو الاعتماد عليه، حتّى وإن كان مُقنِعًا، كونه مًقنَّعًا ومجهول الهويّة!
فلم اللجوء إلى مثل هذه الأساليب؟
هل هذه إحدى طرق التّمرّد على واقع متخلّف ومكبوت لا يسمح بالتّعبير الصّريح؟
هل هذا أسلوب للتّحرّر من ضغوطات المناصب أو مراكز حسّاسة يشغلها الأفراد؟
أم هو لسان قصير يطمح إلى النّطق والتّحرّر من ضغوطات بيئيّة واجتماعيّة وقيود مفروضة عليه؟
هل بسبب حساسيّة المواضيع المطروحة والنّاقدة، خاصّة السّياسيّة والدّينيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة؟ أم بسبب عدم القدرة على مواجهتها وجها لوجه؟
هل هي لغة تنوير من أجل المطالبة بالحقوق الجوهريّة للإنسان العربيّ؟
أم هي لغة تبرير لخلاصه من الاستبداد والظّلم والتّهميش؟
هل لأنّ بعض أفراد وأشخاص يعتبرونه دربا يُواريهم، فيسلكونه في الخفاء من أجل اتّقاء شرور السّفهاء، ممّن يطرّزون المقالات بتعقيبات ثريّة بالتّهكّمات والسّخرية وبعيدًا عن الموضوعيّة؟
أم أنّهم يفتقدون إلى الجرأة والشّجاعة، في توصيل رسالة ناضجة سامية في نقدها البنّاء؟
الأسئلة كثيرة والتّساؤلات أكثر، تتفاقس خلال التّحليل المخبريّ، وما من مجيب عنها، إلاّ ذاك الواقف أمام مرآة الحقيقة!
وما الحقيقة سوى مارد ينتفض عاريًا من وجهِهِ صارخًا:
إلى متى تظلّ ضمائرنا متستّرة بعباءة الأسماء المستعارة؟
www.deyaralnagab.com
|