logo
فلسفة التعلِيب : دولة "كبير المفاوضين الفلسطينيين" اللتي صارَّت دولة " دايتون"!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 27.06.2009

لعل من المفارقات العجيبه في تاريخ الشعوب العربيه هو العلاقه بين تكرار الاحداث ونسيانها في ان واحد, ولكن عجب العجائب العربيه يكمن في قصرذاكرة الشعوب ونسيانها لاحداث تاريخيه لعبت دورا اساسيا في مسار التاريخ العربي, ولا يبدو ان العرب يتذكرون ان الاستعمار والاستكبار الانجليزي والفرنسي قتل الملايين من العرب وقصف مدنهم وقراهم باعتى انواع الاسلحه والمواد الكيماويه السامه على مدى عقود من الزمن ما زالت اثارها جاثمه على صدر العالم العربي حتى يومنا هذا, ولعلنا نقول او ندَّعي اننا امام ظاهره فقدان ذاكره تبدو روتينيه او طبيعيه , الا ان الاحتلال الامريكي للعراق وتدميره شعبا ووطنا لم يحدث منذ عقود ولا منذ قرون لابل منذ عدة سنوات فقط وما زال يُدمر ويذبح الشعب والوطن العراقي من الوريد الى الوريد, واذا دار الحديث عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين فحدث بلا حرج حول قصر باع الذاكره العربيه والفلسطينيه التي تتحدث اليوم بما يُلقمها به خطابات اوباما ونتانياهو من كلام معسول تحدثت عنه سابقا خطابات كلينتون وبوش وشارون واولمرت اللتي تحدثت عن امكانية قيام الدوله الفلسطينيه في اطار مفهوم صهيوني وامريكي امبريالي يرى في الحديث وفلسفة الخطابات مجرد لعبة وملهاة للعرب الذين لم يتعلمون من التاريخ وتكرار الاحداث اي شئ يذكر,, واذ ا كان التاريخ بحد ذاته مدرسة ذاكرة الشعوب اللتي تُحدد من خلالها مسارات النجاح والفشل عبر الزمن والازمان المتعاقبه, الا انه للاسف لا بد من القول ان التاريخ في واد وذاكرة العرب في وادي التيه او في وادي النيح , وعليه يترتب القول ان العرب اُجبروا طوعا وقسرا على اكتساب صفة الذاكره القصيرة المدى الى حد انهم ينسون ويتناسون للمثال ما هو حاضر من احداث في العراق وفلسطين ويكتفون بمراقبة وتحليل ما يلقيه عليهم اوباما ونتانياهو من خطابات تتحدث عن السلام وقيام الدوله الفلسطينيه المزعومه ... كلام في كلام وعصا وجزره وشده وانفراج[شِد وارخي],,,هذا هو ما استوعبه اوباما ونتانياهو في كيفية التعامل مع النفسيه العربيه,,الاول ما زال جيشه يعيث خرابا وذبحا في العراق والثاني يكمل مسيرة ذبح فلسطين شعبا ووطنا, وسخرية السخريه ان الاثنان يتحدثان عن السلام وعن الدوله الفلسطينيه الكارتونيه كفلسفه خطابيه تهدف الى تعويم الامور على ما هي عليه من حاله سيئه ومزريه يعيشها الشعب الفلسطيني سواء في مناطق الضفه الفلسطينيه او مناطق قطاع غزه اللتي وصف جيمي كارتر ما يجري فيها ويجري للشعب الفلسطيني بكونه""تعامل مع حيوانات وليس بشر", او مخيمات الشتات اللتي تعاني من الفقر والعوز والاكتظاظ السكاني....علب سردين.. والحديث يدور هنا عن حاله ليست ربانيه او غيبيه او كارثه طبيعيه حدثت للشعب الفلسطيني لابل عن حاله مستمره منذ عقود من الزمن.. يضربون ويبكون ويخطبون ويستنسخون القديم من جديد ويخرجون ليبرمان ونتانياهو من جديد في طبعة وشكل جديد يحمل نفس الفحوى والصفات:: احلال واحتلال واستيطان فلسطين وترحيل شعبها او كما هو جاري حبسه او حصرِه في اقفاص جغرافيه[ دولة الاقفاص الفلسطينيه] ليموت جوعا وقهرا في انتظار غيث اوباما ونتانياهو وعباس ومبارك::: القضيه صارت قضية طخ كلام واستغباء واستهبال واستغفال:: الجميع يتحدث عن الدوله الفلسطينيه المزعومه وحتى نتانياهو استوعب اللعبه وفهمها وبدأ يتحدث عن الدوله الفلسطينيه!!؟. والغرب الامبريالي كعادته بدأ يستوعب ليبرمان ويبارك خطاب نتانياهو, ويهلل لجواهر نتانياهو الذي اطلقها في تل ابيب,, وسلطة اوسلو كعادتها بدأت تولول وترفض وتستنكر وتمارس لعبة وفلسفة الخطابات كإستراتيجيه مستمره منذ زمن,,, وكأن هذه السلطه لاتعرف نتانياهو من جهه ولم تصمت هي نفسها على الاستيطان الاسرائيلي في الضفه الفلسطينيه من جهه ثانيه وبالتالي وكما هو واضح : ظل كبير المفاوضين الفلسطينيين المزعوم يصيح وينوح ويتفائل ويتشائل على مدى عقود مبشرا تارة بالدوله الفلسطينيه القادمه[ لامحاله على حد زعمه!!] واخرى نائحا وصائحا من وضع اسرائيل للعراقيل امام قيام دولةعباس وعريقات وعبدربه من جهه ثانيه وبالتالي ما جرى اننا امسَّينا على وعود واكاذيب كبير المفاوضين الفلسطينيين وقيام الدوله الفلسطينيه واصبَحنا على حقيقة دولة دايتون الذي اعادت الوضع الفلسطيني في الضفه الفلسطينيه الى ماهو اسوأ من زمن روابط القرى "الفلسطينيه" في مطلع الثمانينات من القرن الماضي, وحتى لايظن احدا اننا نسينا الدوله المنسيه والمهمشه في قطاع غزه فلابد من القول ان الوضع الفلسطيني يترنح بين دويلات الميليشيات ودولة وهم كبير المفاوضين الفلسطينيين ودولة دايتون الذي لا يُنكر انه ينسق مع اسرائيل في كيفية بناء اجهزة الشرطه الفلسطينيه؟؟
من هنا وارتكا زا على ماذكر اعلاه يبدو اننا نرقص فعلا في "عرس بغل" ونستمتع بتصريحات اوباما ونستريح لجوهرة نتانياهو وحديثه عن الدوله الفلسطينيه الكارتونيه ومنزوعة السلاح والاعتراف بيهودية اسرائيل كشرط اساسي, بمعنى واضح : كل ما تحدث عنه نتانياهو في خطابه الاخير هو موجها لامريكا والغرب وينسجم مع استراتيجية الغرب والكذب والوهم اللذّي يروج له الصهاينه والامريكان منذ عقود مضت وهي استراتيجيه واضحه:.. تحدثوا وفاوضوا وراوغوا وفي نفس الوقت: استمروا في بناء المستوطنات وفرض الوقائع على الارض الى ان وصل الحد الى الحديث عن مستوطنات شرعيه وغير شرعيه واراضي متنازع عليها وليست مُحتَّلَّه, بمعنى بسيط:: الحديث عن الدوله الفلسطينيه هو حديث مطاطي ممدود عبر الزمن والازمان الى حين يُقال للفلسطيينين::اسِفين[ سُورِي] لاتوجد ارض لقيام دوله فلسطينيه ولربما لايوجد شعب بعد جولات الاحلال والاحتلال والترحيل القسري!!..... العقليه والاخلاق الغربيه والصهيونيه اللتي اجازت احتلال فلسطين وتشريد شعبها عام 1948 ’ ظلَّت هي نفسها ولم تتغيَّر, و المراقب والباحث في تاريخ الاعلام الغربي يجد ان الغرب ما زال على استعداد ان يتقبل نفسيا واعلاميا بقاء اسرائيل على حساب فناء الشعب الفلسطيني لا بل على حساب تدمير المشرق والمغرب العربي!!...تمعنُوا جميعا في قضية:: كيف روَّج الغرب لمصطلح الشرق الاوسط بهدف محو اسم وهوية المشرق العربي لتكون اسرائيل جزءا من الشرق الاوسط الغير عربي بعد انتزاع فلسطين من قلب هذا المشرق واحلال اسرائيل مكانها!!!.. فلسفة الخطابات والمصطلحات الاستراتيجيه والترويج الاعلامي[ لعبت اذاعة لندن التابعه لوزارة الخارجيه البريطانيه منذ عقود من الزمن, دورا رئيسيا في ترسيخ مصطلح الشرق الاوسط في العالم العربي!!] اللتي تجعل اجيال من العرب يتحدثون اليوم عن الشرق الاوسط ولا علاقه لهم بكلمة المشرق العربي او المغرب العربي!!! وللاسف يتعرض الشعب والوطن الفلسطيني منذ امد[1948] الى نفس التشويه اللتي تعرض له مصطلح ومفهوم المشرق العربي::: فلسطيني:: فلسطيني عربي اسرائيلي...عربي اسرائيلي.... غزاوي....ضفاوي... لاجئ..فلسطيني...اسرائيلي..عضو برلمان اسرائيلي...نائب عربي, والان جاء دور الضربه القاضيه وهي::الاعتراف بهوية اسرائيل اليهوديه وتطهيرها من الوجود الفلسطيني واغلاق ابواب العوده امام اللاجئين:: محو اسم فلسطين!!! الم تسمعوا كيف خاطب ميتشل نتانياهو بالدوله اليهوديه؟؟..بداية جولة اخرى من الوهم والكذب والخداع لمحَّو كل ماهو فلسطيني على مستوى الحق والتاريخ والجغرافيا........ السلطه الفلسطينيه نفسها هي جزء من اللعبه وليس طرف بها ولا بما يسمى بالمفاوضات:: اسرائيل وامريكا سعيا منذ عام 1994 لخلق سلطه فلسطينيه عاجزه وفاسده ومُلحقَّه بمؤسسات الاحتلال الاسرائيلي!!...دايتون وما يجري في الضفه خير دليل على هذا الطرح!!!!
ما لم يستوعبه الكثيرون في العالم العربي هو ان امريكا والغرب لايعتبرون انفسهم وسطاء سلام بين الاسرائيليين والفلسطينين لابل يعتبرون انفسهم ملزمون بتأمين وجود اسرائيل فقط ومساعدتها على تأمين تفوقها العسكري والاقتصادي على الفلسطينيون والعرب اجمعين مجتمعين وبالتالي ما جرى ويجري منذ قرار تقسيم فلسطين و مشروع روجر ومرورا بروس وحتى ميتشل اليوم هو ان امريكا تحاول حل القضيه الفلسطينيه من خلال وجهة النظر الاسرائيليه وعلى راسها استمرارية الاستيطان ودعمه على كامل التراب الفلسطيني وللتذكير دعم جورج بوش عام 2004 ليس فقط الاستيطان الاسرائيلي في الضفه الفلسطينيه لابل دعمت امريكا مشروع تهويد مناطق النقب والجليل وهي تعلم ان المستهدفون في النقب والجليل هم الفلسطينيين العرب الذين كانوا وما زالوا سكان الجليل والنقب قبل نشأة اسرائيل وامريكا كدولتين استيطانيتين واحلاليتَّين!!
كل ما في الامر ان امريكا واسرائيل والغرب ومشتقاتهم من عرب وفلسطينيين يمارسون فلسفة التعليب, بمعنى تعليب الخطابات والوهم وتسويقه وبيعه بين الفينة والاخرى في العالم العربي...علب الطعام والمواد تاخذ تاريخ استهلاك محدد,, بينما علب الوهم الامريكيه والاسرائيليه تأخذ تاريخ مفتوح ولا تنتهي صلاحية استعمالها منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا.....في الوقت الراهن لا يوجد كما يبدو سوى وهِم خطابات اوباما ونتانياهو,, وعلى ما سمعت في الاخبار هنالك خطاب قادم لخالد مشعل[ باسم البركه:: زَي اوباما ونتانياهو..تاريخي ايضا!], وبطبيعة الحال لاننسى خطابات كبير المفاوضين الفلسطينيين:: متشائم...متفائل... متشائل...نوَّاح... سوَّاح....كأسك ياوطن...وهمَّك ياوطن.. ومرحبا بكم في جمهورية " دايتون"....فلسفة التعليب والتلقيم!!

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونية

www.deyaralnagab.com