هل ضاعت الثورة في فندق فتح؟
بقلم : رشاد أبوشاور ... 14.08.2009
منذ أيام، تحديدا منذ أعلن عن عقد مؤتمر فتح السادس في بيت لحم، وأنا أترنّم لا طربا، ولكن كأخ ـ ونداء أعضاء فتح لبعضهم: يا أخ، ويا أخت ـ يندب أخا عزيزا يضيع أمام عينيه ولا يملك أن يُنقذه، بمطلع قصيدة ساخرة سوداء مرّة للشاعر الصديق أحمد دحبور.
كتب أحمد قصيدته تلك في تونس، وقد هاله ما يجري للفلسطينيين الذين (هاجروا) بفلسطينهم إلى تونس الخضراء مضطرين بعد انتهاء معركة بيروت عام 82، من أولئك الذين تحكّموا بهم، واستغلّوا حاجتهم، وغربتهم، فضيّقوا عليهم، وأذلوهم، وابتزوهم حتى المهانة.
يقول مطلع القصيدة التي كتبها أحمد من واقع المعايشة، والتي، في استعادة الذاكرة لها، تبدو كأنها كُتبت للتو في وصف ما جرى، وما نتج عن مؤتمر فتح السادس:
آه من فندق فتح
وازدحام النزلاء
ضاعت الثورة فيه
ولكم طول البقاء
ومن أسف أنني نسيت بعد عشرين سنة بقيّة أبياتها إلاّ من صدر هنا، وعجز هناك، يعني شظايا كما لو أن يد النسيان مرت ومسحتها وأبقت كلمات تبدو وحيدة.. فمثلاً ها أنا أتذكر عجز البيت الذي يصف أحد المتحكمين في عيش الفلسطينيين:
... ... ... عنده خاب الرجاء
نسي بعض من تابعوا مؤتمر فتح السادس أن المؤتمر زوّر عندما سُرق ونُقل إلى بيت لحم، وأن هذه العمليّة هي أكبر عملية تزوير وتضليل، وكل ما جاء بعدها باطل لأنه بني على باطل، وهو مُعد برضى الاحتلال المهيمن على الأرض، ومباركة الأمريكان والأوربيين.
من( أُنجحوا) في انتخابات اللجنة المركزيّة لكّل منهم ماض، ودور، ومهمّة. ربما باستثناء السيّد مروان البرغوثي الذي نجح و.. سيبقى في السجن إلى أمد بعيد، وهكذا فنجاحه ذّر للرماد في العيون، وعملية ترضية للمزاج الفتحاوي الوفي لهذا المناضل الصامد، والذي رفع صوته من داخل الزنزانة بكلام هو الأوضح والأصدق قياسا على كل ما جاء في المؤتمر، ولا سيما خطاب أبي مازن الذي انتخب رئيسا لفتح برفع الأيدي.. ويا ويل من كان سيبقي يده غير مرفوعة، تمهيدا لمرحلة رفع اليدين معا!
ديمقراطية المؤتمر السادس ذكّرتني بحادثة دهس الفلاّحة في رواية (ثرثرة فوق النيل)، فالمجموعة التي كانت في السيّارة الصادمة، اقترحوا أن يصوّتوا هل يعودون وينقذون الفلاّحة.. أم ينجون بأنفسهم متفادين خطر القبض عليهم، والمساءلة والمحاسبة على الجريمة.
بالتصويت الديمقراطي اتخذ القرار بعدم التوقف والعودة لإنقاذ الفلاّحة.. ومن شاهد الفيلم يتذكر مشهد الفنان الكبير عماد حمدي وهو يركض مذهولاً بين أطلال مدينة السويس المهدّمة إثر عدوان حزيران 67، وهو يهذي: الفلاّحة ماتت.. الفلاّحة ماتت و.. أنا كرسي.
طبعا كان محششاً، ومسطولاً، ولكن ضميره كان يُعذبه على قتل الفلاّحة، وعدم العودة لإنقاذها!
بالتصويت نجح قادة الأمن، وهم حصلوا على دورات أمنيّة في أمريكا، والأجهزة التي قادوها قتلت تحت التعذيب، وأفسدت، و.. ضيّعت غزّة.. أندلس جماعة أوسلو المفقود!
رغم كل الفساد فازوا ديمقراطيا.. والمؤتمر سيّد نفسه!
كانت في المؤتمر عضوتان تزغردان طيلة الوقت.. من كانت تمثلان يا تُرى، أي ساحة من ساحات تنظيم فتح؟ هل غوبلز الناطق بلسان المؤتمر هو الذي حشدهما لزوم البهجة والفرح والتعبير عن الروح الشعبيّة المُلتفة حول المؤتمر الـ6؟!
أحمد دحبور يتعافى حاليّا في مدينة حمص السورية التي نشأ فيها، بعد أن غادر غزة التي ترتفع فيها حاليّا راية حماس الخضراء، ويفرض فيها الحجاب، وزيارة البحر مع محرم...
مطلع الستينات لمع اسم أحمد دحبور في حمص، والتي منها انطلق مبشرا بزمن فتحن وما تمثله الحركة:
ولقد رأيت الجبل الكبير يمشي
أخي أحمد: ونحن رأينا الجبل يمشي، والأرض تحمل الفدائي على صهوتها، والوديان تخبئه في جفونها، وتضلل مطارديه الصهاينة، و.. الكهوف والمغاور تحبل به وتلده من جديد شهيدا، أو في قيامة متجددة، ولكن هذا المؤتمر السادس.. رأينا الجبل يتشقق، والفندق مزدحما بالنزلاء الدائخين، أو رافعي الصوت محذرين، ورأينا الشرفاء الذين قضوا أعوام عمرهم فدائيين وأسرى لدى العدو، و.. لكننا رأينا الختام ليس مسكا، فالمفاوض الكبير صاحب عبقرية (الحياة مفاوضات) يلزم للمرحلة المقبلة، و..المُزاحم على العلاقات الخارجيّة فوّز في الوقت الضائع، ورموز أجهزة الأمن رغم سيرهم وسوء سمعتهم عادوا مكللين بالنصر، فهم يلزمون للحقبة الدايتونيّة المندفعة لبسط هيمنتها على شعبنا...
من حّق شعبنا أن يسأل بعض الذين لم يفوزوا: صّح النوم.. أكنتم ستنتقدون بهذه المرارة لو أنك فزتم بعضوية اللجنة المركزيّة؟!
ومع ذلك فلعل سقوط بعضهم هو بداية لصعود حركة فتح من القاع الذي ألقيت فيه!
استقالة تنظيم غزّة وارتفاع الأصوات المُشككة بنتائج انتخابات اللجنة المركزيّة، و.. ( الكوكبة) الأوسلويةّ التي ( فوّزت) بتدبير مُحكم و.. مفضوح، هي فضيحة على الهواء مباشرة..
وكما يقال: ربّ ضارة نافعة، فأبو اللطف لن يُستفرد به، وإذا ما اجتمعت أصوات رافضي نتائج المؤتمر السادس، وبدأت جدياً مرحلة تجميع صفوف المؤمنين بجبل فتح الذي أقلع عام 65 ..واندفع وعلى قمّته علم فلسطين بعد هزيمة حزيران /يونيو، فإن هذا سيكون حدثا انقلابيّا ـ ثوريّا ـ كبيرا، جوهره نقد وفضح مرحلة الغوص في أوهام التسوية التي توّجت باتفاقات أوسلو، وظهور سلطة الفساد والخراب...
أبوعلاء قريع أمامه ومن معه أمامهم فرصة ( للتوبة)، والمراجعة، وفضح أسرار أوسلو وأوهامه، وهذا ما لمسناه في حواره مع 'القدس العربي' في عددها يوم الخميس 13 آب /اغسطس الجاري...
إنقاذ فتح هو ضرورة وطنيّة فلسطينيّة، وقوميّة عربيّة، لأنها عندما تعود لقيادة المقاومة، فإنها ستنقذ نفسها، والثورة، من الضياع، وسيعود الجبل لاستئناف مسيرته مكتسحا كل العوائق، ولن يحمل سوى راية فلسطين، وأسماء الشهداء على قمّته، والوعد بتحرير فلسطين، فوهم الدولة تبدد بعد رحلة الكذب على النفس، وتصديق أكاذيب الإدارة الأمريكية، والوعود الأوروبية، والجرائم الصهيونية في القدس، وكّل الضفّة، وحصار غزّة، و.. قتل عرفات بالسّم، واحتجاز ألوف الفلسطينيين في الزنازين، بمن في ذلك الأطفال الذين ولدوا في برودة السجون وأمهاتهم اللواتي يرضعنهم حليب حرية فلسطين والحقد على من تفوقوا على النازيّة والفاشية وكّل أشكال العنصرية...
هل يكون المؤتمر السادس بداية للصحوة، وانقلابا على من ضيعوا نتائج الانتفاضتين، وخسّروا فتح شرف القيادة، وحوّلوها إلى ثورة مضادة؟!
www.deyaralnagab.com
|