عرب النقب : اسباب تنامي ظاهرة العُنف القبلي والعائلي في الوسط العربي النقباوي!؟
بقلم : د. شكري الهزَّيل ... 18.6.08
نحن نتقاتل على اتفه الاشياء والاسباب ويكفي ان يتشاجر طفلان في المدرسه ليجُران وراءهما طوشه عائليه ومأسي انسانيه!... هكذا كتب لي احدهم من النقب, وفي رسالة اخرى كتب لي اخر: نحن موبوءين بالتخلف والقبليه واكثر ناس تتكلم عن الخير والتسامح وتفعل عكس هذا باتباعها طريق الطوشات والشر واستعمال العنف كحل لكل مشكله!!,.. وكتبت لي سيده بدويه عن مأساتها ومأسات ابناءها بسبب عنف زوجها حيث يضربهم الاب يوميا بعنف وقسوه لاتفه الاسباب, وما يحزنها عدم قدرتها من الدفاع عن اطفالها من ارهاب والدهم ... وحالة اخرى كتب عنها صاحبها بمعانات حياته الزوجيه بسبب رواسب تربيته العنيفه وتعرضه للضرب من قبل والده في صغره,, ويقول ان زوجته شابه طيبه, ولكنه هو السئ ويعاملها بقسوه رغم انسانيتها وصبرها,,, وهنالك حالات انسانيه كثيره تردنا منها رسائل طلب العون يندي لها الجبين الانساني وتقشعر لها الابدان حين ترى أم مُجبره كيف يجلد زوجها كروتين متكرر ابنهما بقسوه لاتفه الاسباب.... وهنالك الكثير الكثير من اشكال العنف المنتشره بين عرب النقب وليست العنف القبلي والعائلي فقط لابل العنف النفسي والجنسي ايضا.
من هناً لا بدّ من التأكيد على أن المُجتمع الموبوء بآفة العنف بكل أشكاله هو في الحقيقة مجتمع فاشل ويحتاج بالضرورة لوقفة تقييمية وتحليلية لما هو جارٍ من مسلكية خطأ وظواهر اجتماعية سيئة ومأساوية يعتبرها المجتمع جزءاً من حياته وجزءاً من واقعه الذي يستسلم فيه المجتمع الضعيف والغير مُحصن ثقافياً وحضارياً لهذه الظواهر السيئة والمُشينة دون أن يُحرك ساكناً أو يتخذ خطوات وقائية وإصلاحية تساعد في امتصاص المآسي الحاضرة والقادمة من جهة، وتساعد على تصحيح القيم الخاطئة بقيمٍ تتناسب مع تطور المجتمع وقيمه الحضارية من جهة ثانية وبالتالي فإن ما يجري في المجتمع العربي النقباوي بشكل عام من ظواهر عُنف مأساوية وما جرى ويجري من طوشات عائليه ومدرسيه تؤدي سقوط الكثير من الضحايا, لا بد له أن يدقّ ناقوس الخطر حول أسباب تفشي العنف ووصوله إلى درجة مأساوية ومحزنة حيث هذا الغضب والعنف الفالت من عقالِه والخارج عن كل التصورات، والمُتجلي بوضوح في الطوشات القبليه في النقب اللتي بدأت تجتاح المدارس بشكل كثيف حيث يستعمل فيها السلاح الابيض واطلاق النار، والذي لأسفنا الشديد هُو بكل ما تعنيه الكلمة جهل وحقد قبلي تُرتكَب فيه جرائم قتل وجرح لأسباب اجتماعية وغضب كان او يمكن بالإمكان كبحه ووأده لو فَكَّر المُجتمع ككلّ في عواقب لحظة غضب تَدفع فيها عائلة ثمناً باهظاً إن لم يكن غلطة عُمر وإشكالية طويلة الأمد بسبب تسرُع وتزمت وانجرار في احيانا كثيره وراء مشاكل اطفال وشباب وطلاب مدارس كما حدث قبل وقت وجيز في رهط واللقيه وغيرهما من قرى عربيه في النقب!!
نحن على دراية كاملة بأن العنف بكل أشكاله الجسدية والنفسية والجنسيه والشذوذية له أسبابه الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والتقليدية كما هو الحال في النقب, ونحن على درايةٍ أيضاً بما ارتكبته الدولة الإسرائيلية من جريمة نكراء وبشعة بحقّ عرب النقب من خلال التوطين والبؤس الاقتصادي والاجتماعي وسياسة عُلب السردين والاكتظاظ السكاني كالحاصل في رهط وغيرها من مدن وقرى الكوارث الاجتماعية وايضا ما يسمى بالقرى الغير معترف بها في النقب. ولكن أن يُصدِّر المجتمع العربي النقباوي أزماتِه إلى ذاته وداخله وإلى داخل العائلة الواحدة شيء، وأن يُعالج الأمور بعقلانية وترو وصبر ومُثابرة شيءٌ آخر... بمعنى وبمنأى عن كل هؤلاء المستفيدين وذيولهم من تناقضات وصراعات المجتمع العربي النقباوي لا بد من القول أن المجتمع العربي النقباوي بطبيعته الأصيلة مجتمع طيب ومُتسامح بقيمه الاجتماعية وفحواه الإنسانية والحضارية, ولكن ما جرى لهذا المجتمع من تغييرات سريعة ترقى إلى مستوى العنف والاغتصاب التاريخي والاجتماعي الذي مكّن الدولة ووكلاءها من محليين من خلق مجتمع وشرائح مُجتمع تتخلله كل العادات الدخيلة والمُتَقمَصَّة من عادات ومسلكيات اجتماعية غَريبة بكل ما تعنيه الغُربة الاجتماعية عن عادات وقيم المجتمع البدوي في النقب!!.....فكروا يا ناس دوما في العواقب وليست في لحظة الغضب والدبوس لايحل المشاكل والاشكاليات لا بل يزيدها تعقيدا ومأساويه!!
من هُنا، نحن بدورنا سَنُقدّم لائحة شرح مَوضوعية تتناول بقدر الإمكان تحديد أسباب العنف القبلي والعائلي الجاري بين عرب النقب, وإمكانية مُعالجة هذه الظاهرة المأساوية على المدى البعيد، وذلك على النحو التالي:
اولا: سياسة الدولة الإسرائيلية: لم تَدّخر الدولة الإسرائيلية أسلوباً من الأساليب الكاذبة والمُخادعة في عملية تبريرها لجرائم وعواقب سياسة التوطين القسري اللتي هي بمثابة كارثة اجتماعية وحضارية أدَّت إلى خلخلة المجتمع العربي النقباوي إن لم تكن سبباً في اقتلاعه من جذوره الحضارية والتاريخية التي أدَّت فيما أدَّت له إلى ظهور ظواهر العنف المُفرِط والمأساوي الناتج عن التغريب الاجتماعي والفقر والبطالة والاكتظاظ والاحتكاك المكثّف بين مجتمع كانت طبيعته الجغرافية والاجتماعية طبيعةً بدوية مُتباعدة جُغرافياً ومُترابطة اجتماعياً, وإذ بهذه الطبيعة تُقتلع بين ليلة وضُحاها ليُرمى بالناس في واقعٍ غريب وعلى مساحة جُغرافية اكتظاظية تُمثل فيها بعض حارات رهط مثلا صارخاً لاكتظاظ علبة السردين والضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي يُولّد في النهاية ظاهرة العنف الأعمى والحاقد المُوجهة ضد الذات والمُجتمع لا بل ضد أقرب الناس للذين يُمارسون العُنف من منطلق الجهل والتنفيس العنفواني ومن منطلق ضائقة إنسانية واجتماعية أو اقتصادية لا حَوْلَ لهؤلاء ولا قوة على حَلَّهَا من جهة، ولا يجدون من يرشدهم أو يساعدهم أو يمتص على الأقل النقمة الاجتماعية والاقتصادية من جهة ثانية.
لم تقم الدولة الإسرائيلية سوى بتوطين البدو قسرياً والاستيلاء على أراضيهم وبث الدعاية أنَّها بصدد تمدين وتطوير حياة البدو, في حين أن الدولة لم تكترث للعواقب الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن اقتلاع البشر من محيطهم والرمي بهم في محيط آخر غير مهيَّأين له فكرياً وحضارياً، لا بل على العكس دأبت الدولة الإسرائيلية على زرع الفقر والبؤس الاجتماعي المؤدي حتمياً لظواهر مثل العنف والإجرام والسموم والانحراف الاجتماعي، وبالتالي ما جرى لعرب النقب موضوعياً يُشبه قطع الرأس عن الجسد, بمعنى فرض القطيعة القسرية بين عرب النقب وبين طبيعتهم الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والحضارية. ومن المؤكد أن الاكتظاظ السكاني والاحتكاك الكثيف بين بشر يتقاسمون مساحةً جُغرافية صغيرة ومُحيطاً بائساً اجتماعياً واقتصادياً يؤدي إلى أخطر أشكال العنف، مع الأخذ بالحسبان التركيبة الاجتماعية والقبلية التي انتقلت من محيط جغرافي واجتماعي واسع إلى معسكر جغرافي ضيق يحلو للدولة الإسرائيلية تسميته بالمدينة أو ما شابه ذلك.. فالمدينة والتمدّن نمط عيش يصل إليه البشر في ظل تطور طبيعي وفكري وتاريخي وليست توطيناً قسرياً, والعنف والجُنح ينموان بكثافة داخل مجتمعات مُغتصَبَة حضارياً ومحرومة اقتصادياً واجتماعياً, وهذا ما هو حاصل للأسف في المجتمع العربي النقباوي المُوَطَّن!!.
ثانيا::قيادة وقُدوة المجتمع العربي النقباوي: يبدو جلياً أن الجاهة وما يُسمى بـ"الوجه" المُتبع في النظام والقانون القبلي والعشائري لم يَعُد كافياً لحل المشاكل أو حتى ضبط إيقاعها واحتواء العنف, وذلك في ظل التفكك الاجتماعي وتغير نمط حياة عرب النقب وبُروز أجيال جديدة نشأت في مُحيط غير تقليدي ومُتأثرة بعادات وأنماط مُستوردة ومُتأثرة بآثار التوطين والتهجين والتغريب الذي لا تُمارسه الدولة الإسرائيلية فَحسب، لا بل أيضاً شرائح اجتماعية بدويه محليه تَقمّصية لا يُستهان بدورها السلبي في عملية ضرب القيم الاجتماعية الذاتية واستبدالها بمُستورَده تحت حجة التطور والتقدم بينما الحقيقة العلمية تُثبت أن المُستورد من العادات والأنماط والمسلكيات يُساهم في صُنع الصراعات والحقد والتناقضات والحزازات داخل المجتمع الواحد المُنشَقّ بين نمط حياة أصيل ونمط مُستورَد ومهجن!!
للاسف يتقمص المجتمع البدوي في النقب عاداتٍ فيها كثير من العُنف والتَنفيس عن الذات المأزومه ، لا بل إن فرض عادات مُكلفة اقتصادياً على شرائح كبيرة وفقيرة من مجتمع متناحر على عادات دخيله سيزيد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سوءاً وسيزيد بالنتيجة النهائية والحتمِية أشكال العُنف وأشكال غُربة المُجتمع عن هويته الحضارية والاجتماعية... فالتغريب يُساهم مُباشرةً في إيجاد وتَعميق الأزمات الاجتماعية والذي جرى ويجري ليست تغريب فحسب لابل اقتلاع المجتمع البدوي النقباوي من جذوره وبيئته الطبيعيه والزج به عنوه في اتون التيه الحضاري والتاريخي !!.
الوضع العام في ما يسمى بالقرى الغير معترف بها هو وضع مأساوي يتجلى فيه كل اشكال المأساويه والفقر والجهل الاجتماعي والثقافي, مما يُولد احباطات واحقاد شخصيه وعامه تُصدر وتُنفَس للاسف عن طريق الطوشات العائليه المأساويه اللتي يستعمل فيها السلاح والذخيره الحيه التي تؤدي الى كثير من الضحايا والاصابات,, وفيما بعد تأتي العواقب الوخيمه عبر هرب العائلات اللتي " اندمت" حسب العرف البدوي من مكان سكناها وتبدأ رحلة عذاب وتشرد لجميع افراد العائله بالرغم من ان اكثرية العائله في كثير من الاحيان لم تشارك في الجريمه والطوشه, ولكنها تُعاقب عقاب جماعي على ما ارتكبه فرد او قله من هذه العائله او تلك!!متى سيتوقف الناس عن العقاب والثأر الجماعي!!.. مأساة التوطين جلبت ايضا مأساة اخرى وهي اجبار العائلات " المدميه" على ترك بيوتهم الثابته وخراب ديارهم!!.. ايام زمان كان البدوي يقطن في خيمه والرحيل امر سهل, ولكن اليوم في ظل السكن في بيوت حجريه وثابته اصبح الامر صعبا ومأساويا في ان واحد!!
من اللافت للنظر ازدياد ظاهرة العنف القبلي والتحشيد القبلي في مناطق فلسطينيي الداخل بشكل عام وعرب النقب بشكل خاص في فترة الانتخابات المحليه, حيث تتخلل فترة الانتخابات ظاهرة التحشيد والتعبئه القبليه التي تؤدي الى صراعات وطوشات بين القبائل والعائلات التي يرشح ابناءها لرئاسة اوعضويه المجالس المحليه والبلديه في النقب, وبالتالي لابد من التعامل مع هذه الظاهره السلبيه كمنبع لتوتر دائم تبقى رواسبه وعواقبه الوخيمه لفترة طويله بعد انتهاء الانتخابات!!
المطلوب اليوم مما يُسمى بالقيادة والقدوة الاجتماعية هو الخروج من دائرة التفكير النمطي والتقليدي والمصلحِي ضيّق الآفاق, والدخول في نمط فكري وِقائي يُعالج القضايا والمشاكل الاجتماعية في مهدها وليس بعد انفجارها وتسببها بهذا الكم الهائل من الضحايا والمأسي الاجتماعية والإنسانية، وبالتالي ومن وجهة نظرنا لم يعد بالإمكان الاعتماد فقط على العادات والقضاء العشائري في كبح العنف لا بل المطلوب ايضا برنامج اجتماعي ولجان علمية ومُتخصصة لطرح برامج وقائية لامتصاص العُنف ومُعالجة هذه الظاهرة من خلال رصد مناطق التوتر ونُقاط الخلاف والحيلولة دون تحولّها إلى كوارث... والمُجتمع الصامت على ما يجري في داخله لا يُساهم في ترسيخ ظاهرة العُنف والدبوس كحلٍّ مغلوط فقط لابل يساهم ايضا في ترسيخ ظاهرة العنف كأمر عادي!!
واخيرا وليس اخرا على الجميع ان يحتكم للعقل وخاصة في لحظة الغضب, وان يفكر الانسان في حقيقة انه يطلق النار على جاره وجيرانه, وتدمير عشرة العمر والعيش والملح والجيره بين الناس,, ومن الملاحظ في الوقت الاخير ان طوشات اولاد المدارس تجر في احيانا كثيره الى طوشات العائلات وسقوط الضحايا!! والسؤال المطروح: هل يعقل هذا الامر وهذه المسلكيه ان ينجر الجميع لمشاكل عويصه كان بالامكان تفاديها بالعقل والحكمه وليست بالسلاح والقتل!! اتقوا الحال بأنفسكم وبالاخرين ولا تحمل الدبوس والسلاح لمجرد تفاهه انسانيه واجتماعيه تقود الى كوارث الموت والتشرد والعذاب الانساني!!...الانسانيه تكمن في العقلانيه وليست في التهور والعنف بكل اشكاله والمطلوب برامج وخطط اجتماعيه واقتصاديه لتجفيف مصادر ومنابع العنف بكل اشكاله الجاريه في الوسط العربي النقباوي!!
الكاتب : باحث علم إجتماع ومتخصص في قضايا عرب النقب والداخل الفلسطيني, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونيه
www.deyaralnagab.com
|