صبرا وشاتيلا ... ذكرى باقية لم تغب وحية لن تمت !!
بقلم : عبد الناصر عوني فروانة ... 17.09.2009
مجزرة صبرا وشاتيلا هي واحدة من أبشع مجازر القرن العشرين ، وهي واحدة من صور الإجرام التي لم ولن تنسى ولم يستطع غبار الزمن إخفاءها ، كما لم يستطع التاريخ طمس معالمها ، فهي باقية لم تغيب وحية لن تمت على الإطلاق ، رغم محاولات قتل ذكراها ، ماثلة أمامنا ، محفورة في أذهاننا و عقولنا ، رغم محاولات مسح آثارها ، شاهدة على أبشع صور الإجرام والقتل والعنجهية .
بدأت أحداثها الإجرامية يوم الخميس 16 أيلول 1982 لتنتهي أحداثها الفعلية يوم السبت 18 أيلول 1982 ، لكن آثارها باقية إلى يومنا هذا رغم مرور سبعه وعشرون عاماً وستبقى إلى الأبد تنتقل من جيل إلى جيل ، لأنها من الأحداث التي لم ولن تتكرر في التاريخ .
صبرا وشاتيلا أبيح فيها الدم اللبناني الفلسطيني ونزف ليروي أرضاً لم تستسلم لمحتليها يوماً وتحولت بركان من البارود يتفجر تحت أقدام الغزاة ، وليمتزج الدم راسماً صورة الوحدة العربية اللبنانية الفلسطينية بأروع صورها لشعبين كانا ولا زالا رمزاً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي .
صبرا وشاتيلا عكست حقيقة سفاحو ومجرمو المجزرة الذين بقروا بطون النساء بالسكاكين ، وذبحوا الأطفال الرضع ، وقتلوا الأجنة في البطون ، وأعدموا الشبان والرجال في الشوارع ، وغدت تلك المجزرة معلماً من معالم معاناة الفلسطينيّين التي لم تتوقف بعد .
**زرت مقبرة الشهداء والتقيت بعدد ممن نجوا من المجزرة
وإنه من دواعي فخري وسروري أنني قد زرت بيروت قبل اكثر من عامين وتجولت في أزقة مخيمي صبرا وشاتيلا ، ووضعت مع زملائي إكليلاً من الزهور باسم وزارة شؤون الأسرى والمحررين على أضرحة شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا ، واستمعت لشهود عيان عاصروا تلك الفترة ، والتقيت بشبان اعتبروا من القلائل الذين نجوا من تلك المجزرة وكانوا أطفالاً آنذاك حينما قتل ذويهم في تلك المجزرة ، وحدثونا بمرارة لا توصف عن الوقائع المذهلة للمجزرة وآثارها المحفورة في أذهانهم ، وكيف كان شارون يراقب عن بُعد أحداثها ، ومنهم من كانت أجسادهم مشوهة .
**شهادة أمريكية نجت من المجزرة
وفي تصريح لصحيفة السفير اللبنانية ( 10-9 ) قالت الأميركية آلن سيغل من الجمعية العربية الأميركية لمكافحة التمييز والتي نجت من مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 عندما كانت تعمل ممرضة في مستشفى غزة آنذاك، فقالت: بعد 27 عاما كل شيء مأساوي وحزين حيث لم يتم فعل أي شيء قانوني بالنسبة للمجرمين الذين ارتكبوا تلك المجزرة، مطالبة بسوق المجرمين الاسرائيليين إلى المحاكمة.
وأضافت سيغل انني اليوم استذكر كيف دخل مسلحو ميلشيا الكتائب إلى المخيمين بعلم القوات الاسرائيلية وقيامهم بتدمير المنازل وقتل الناس ، مشيرة إلى أن جنسيتها الأميركية قد انقذتها في ذلك اليوم المأساوي .
**لم يقدم أي من المجرمين للمحاكمة
ولا زالت صور آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ ، صور القبور الجماعية ، صور أشلاء وأجزاء بشرية في الطرقات تتناقلها الصحافة ، ولا زال هناك الشرفاء ممن هم قادرون على إحياء هذه الذكرى بالشكل الذي تستحقه ... وكل الدلائل تؤكد بأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت على نطاق واسع في تلك المجزرة ، ولكن للأسف العالم صم بكم وكأنه يعيش في كوكب آخر ، ولم يجرؤ على تقديم أي من المجرمين القتلة إلى المحاكمة ، بل منحهم الحصانة والحماية ، ولهذا واصل الاحتلال مجازره في الجنوب اللبناني من قانا 1 وقانا 2 وكان آخرها ما تم من قصف ومجازر في تموز من العام الماضي ، أما في فلسطين فمجازره وجرائمه لا زالت مستمرة وعلى مدار الساعة.
وفي ذكرى المجزرة الأليمة أدعو إلى تشكيل لجنة قانونية لبنانية - فلسطينية لتوثيق الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني لإعداد ملف قانوني وملاحقة مجرمي الحرب في المحافل الدولية كي يمثلوا أمام المحاكم الدولية لينالوا عقابهم على ما ارتكبوه من جرائم بحق الإنسانية ، ولوضع حد للمجازر التي لا زالت ترتكب بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني في فلسطين ولبنان .
كما وأدعو جامعة الدول العربية إلى تشكيل محكمة جنايات عربية لملاحقة القتلة والمجرمين الإسرائيليين ومؤيديهم من مخططين ومشاركين ومحرضين ومنفذين .
وعلى الصعيد الوطني أدعو لأن تخصص إحدى الحصص الدراسية ليوم غد للحديث عن المجزرة وبشاعتها وعنجهية مرتكبيها.
16.9.2009
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين
www.deyaralnagab.com
|