logo
بلاد يأكل مواطنوها الشمس! وبلاد..!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 23.09.2009

علم اليابان فيه دائرة حمراء ترمز للشمس، فاليابان هي بلاد الشمس، ولعل مواطني اليابان آمنوا أنهم أبناء الشمس، وشمسهم غير شمس الإمبراطورية البريطانيّة التي لا تغيب، والتي غابت غير مأسوف عليها، وإن لم تغب الكوارث والنكبات التي تركتها بعد أن زرعتها في أرجاء العالم شرقا وغربا، شمالاً وجنوبا، باختصار: في كل القارات، ولا سيّما في بلادنا العربيّة وقلبها فلسطين.
قبل أيام قرأت خبرا مثيرا، وما هو بغريب عن اليابان، والخبر يقول بأن امرأةً، وهي امرأة غير عادية، فهي زوجة رئيس الوزراء المنتخب، قالت لمذيع إحدى محطات التلفزة اليابانيّة بأنها تأكل من الشمس!
ولدهشة المذيع فقد تناولت شيئا من الهواء، وكأنما قطفت كسرة شمس، ودستها بلطف في فمها، وبدأت تمضغها بهدوء وبتلذذ وببطء وبدون تمثيل، يعني بكل صدق.
المذيع لم يُصدّق، ولا كذّب، فقد ترك الأمر للمشاهدين، مع تأكيد من السيدة مايو كي هاتو ياما، زوجة رئيس الوزراء الياباني المنتخب، يويكو هاتوما، بأنها فعلاً تتغذّى من الشمس، وهذا هو طعامها المفضّل.
يا سيدة مايو كي: أتعرفين ماذا نأكل في بلاد العرب؟!
أنت بالتأكيد لا تسمعين أخبارنا، وهذا تقصير منك، ولا تعرفين عن موقع بلادنا العربيّة الكثير. أنا متأكد من هذا الأمر رغم أن أحدا لم يسألك، ولم يستفسر منك عن جغرافية بلادنا، وتاريخها، وأهمية وتميّز موقعها، وغنى سمائها بشمس لا تغيب فعلاً إلاّ في الليل، فلا ضباب في بلادنا إلا لساعات نادرة في بعض أيّام الشتاء.
نحن يا سيدتي عقدة المواصلات في العالم، رغم أن بلادنا حاليا تعاني من عُقد لا تخطر على بال كل علماء النفس والاجتماع في العالم. نحن على كثرة الأبوات في بلادنا نعاني من اليتم من جهة الأب، لأن هؤلاء الآباء قساة إلى الحد الذي يجعلنا لا نشعر تجاههم برابطة الدم، بل نتمنى أن يغوروا في سابع أرض ويغيبوا عن وجوهنا، وينصرفوا إلى غير رجعة، فلا جمعنا الله بهم في الآخرة، وجعل مأواهم الجحيم، لأنهم أجحموا حياتنا وجعلونا نرتجف خوفا لأقل طرقة باب في الفجر، رغم ان الفجر في بلادنا شفيف، طري، حنون، أقصد كان دائما هكذا في قديم الزمان، وفيه قال الشعراء العرب الساهرون من لوعة الفراق قصائد الحنين التي ما زلنا نتغنى بها حتى أيامنا. ولكن الفجر العربي منذ عقود بات كابوسا، فهو فجر أجهزة المخابرات والأمن، يعني القمع بشتى الأسماء، وهي الأسماء السيئة المتداولة سرّا وهمسا بين مواطنينا.
نحن يا سيدتي كنا ـ اقصد كان أسلافنا ـ يسرون مع الفجر، ويمشون مع القمر، ويحددون وجهاتهم مع النجوم برّا وبحرا، منذ زمن الكنعانيين إلى زمن ..ابن ماجد، وخير الدين وعرّوج بربروس الشقيقين اللذين طاردا قراصنة البحر المتوسط، وجعلاه بحيرة عربيّة، أيّام تسيّد البحر الفتية السمر الذين ارتوت عروقهم من شمس سمائنا الفيّاضة بالنور الساطع.
نحن يا سيدتي اعتدنا ـ اقصد اعتاد أجدادنا ـ على مخاطبة حبيباتهم بـ: يا شمس حياتي، يا شمس أيامي، يا .. نهاري..يا ..ومن ثمّ دخلنا في مرحلة: يا ليل..وهذا نداء استغاثة، ولوعة، وحنين، وها نحن في الليل الثقيل والكثيف السواد الذي يُسدله العسس، والبصاصون، واللصوص، وسارقو الطمأنينة من نفوس ملايين العرب التعساء الغرباء في بلادهم.
إذا كنت تظنين نفسك تقومين بأمر عجب، خارق للطبيعة، لا يركب على العقل، فأنت غلطانة، فنحن في هذه البلاد التي تستوردون منها النفط، و..تضاعفون به أرباحكم من الصناعات المتطورة ..نحن يا سيدتي نأكل ما لا يمكن لكم في اليابان أكله!
تظنين ربما أنني سأتحدث عن اللحوم، وطرائد الصيد والقنص بالصقور ـ أتصدقين حقا صيد العرب بالصقور يا سيدتي؟! ـ أمام كاميرات التلفزيونات، وأسواق الصقور التي يباع فيها الصقر أحيانا بما يصل إلى مليون دولار! ..يعني ما يساوي سعر ألف مواطن في بلادنا التي تملأ الشمس فضاءها، صحاريها، وسهولها، وتغمر جبالها، وغاباتها ـ ما تبقّى من غابات ـ و..قصور أثرياء نفط، وسماسرة أوطان، و...
اعذريني فأنا أطلت عليك، ولا تنسي أنها فرصة لواحد مثلي أن يفضفض عن قلبه لسيدة يابانية لا تعرف لغته، ولم تسمع بشكواه من قبل، وتجهل معاناته، وظروف حياته التي لا تختلف عن حياة الملايين من أبناء جلدته.
أنا لا أحدثك عن المعلبات الغذائية الفاسدة المستوردة من بلاد الفرنجة، وهي بالمناسبة ليست بلادكم، ولا هي بلاد الصين، فتجّار بلادنا مولعون بالاستيراد من تلك البلاد، وهم يعتبرون بطوننا مكبا للنفايات والفضلات.
لا تعجبي يا من تأكلين أكثر من ثلاث وجبات يوميّة من الشمس، فنحن رغم فيض الشمس على بلادنا، بتنا نشبه دود الأرض، نتوارى، ونندس في الثقوب، خشية من أبوات بلطجيّة يسوموننا سوء العذاب، يستمتعون بتمريغ رؤوسنا في الحضيض، يمسخون نداء الشمس والقمر والنجوم والفجر في نفوسنا.
آخ يا سيدتي لو تعرفين ماذا نأكل، لأدركت أننا بلاد المعجزة التي لا شبيه لها، لأننا مع ذلك نعيش، ونتكاثر، و..ننهزم بفضل مطعمينا الذين سأخبرك بعد قليل باقتراحي لكيفية التعامل معهم.
طبعا هذا شيء لا تعرفونه في اليابان ـ أعزكم الله، وقياداتكم المنتخبة التي تتداول الحكم، ومنها دولة الرئيس زوجك الذي تسلّم الحكم قبل أيّام قليلة، وتحاسب، وتطرد، وتزج في السجون إن هي أخطأت ـ ولا حتى في بلاد المجاعات الأفريقيّة!
أود قبل أن أتحفك باقتراحي كيفية التعامل مع حكّامنا أن أوصيك بأمر، وهو أن تزوري موقع (الجزيرة نت)، وتسمعي ـ وطبعا مع ترجمة فورية من عربي يعيش في بلادكم ـ حلقة من برنامج (بلا حدود) الذي يقدمه السيّد أحمد منصور، وهي بُثت بتاريخ 9/9/2009 ..يا له من تاريخ!
استضاف أحمد منصور الدكتور العالم في شؤون البيئة مصطفى كمال طلبة، وهو رجل وقور، وعالم، ومتعدد المناصب محليّا ودوليا، وكانت الحلقة حول كارثة بيئيّة وصحيّة تعاني منها مصر المحروسة! ..والتي صارت بلا حراسة، فاللصوص هم سادة حياتها، ومنذ ثلاثين سنة. فمياه المجاري تروى بها مئات ألوف الدونمات المزروعة بالخضار والفاكهة، ومصر الثمانين مليونا باتت مسممة تماما!. هل تعرفين يا سيدتي ما هي مياه الصرف الصحي؟ وهذا هو الفرق بين غذائك النظيف الصحّي وغذاء المصريين والعرب عموما!
الحل الوحيد الذي أقترحه يا آكلة الشمس، هو برأيي الحل الوحيد الذي أعتقد أن ملايين العرب يشاركونني القناعة به، رغم عجزهم وخوفهم وتقاعسهم، والذي لم يعد لأمتنا التي حباها الله بفائض من نور الشمس، والهواء، ونورالقمر، وعناقيد النجوم..غيره.
إنه: أن نأكل هؤلاء الأبوات وورثتهم، فعلاً لا مجازا، بحيث لا ينبت لهم ورثاء من بعد، رغم أن لحمهم ربّما يتسبب لنا بأنفلونزا أين منها أنفلونزا الخنازير!!


www.deyaralnagab.com