سينما الحلم المسافر !!
بقلم : ريم عبيدات ... 23.10.2009
لم يعد الجمهور هو الجمهور، ولا النقاش هو النقاش. علاقتنا بالفيلم وثقافته ومجتمعه الثقافي والقيمي والفني، تغرب بصورة تستصعب على المشاهدة. فيما تئن كراسي دور السينما في العالم العربي كله من فرط الإهمال، وكانت النتيجة تراجع مرتاديها، واختلاط نسبها بصورة منفرة مع كافة سلالة الأعمال التجارية التي حطت سيفاً فظيعاً من الشرطية المادية على رقبتها، وقناعاً منيعاً من التجهم على مخيلتها.
غادرنا ذلك الزمن الجميل، الذي كانت فيه السينما ملاذ العائلة العربية نحو سماء الخيال، وملاذ الحلم للأعمار المختلفة، وصديقة المساءات المتألقة، وأتون الفكرة المتألقة، وعمق القضايا وارتشاف ليال خاصة محملة بالمعاني، ومدججة بالحيوية الفكرية والبصرية والامتاعية. جاء التلفزيون مخلفاً إزاحته الأهم للثقافة البصرية في العالم أجمع، وباعثاً لعدد من ظواهر وعادات المشاهدة المتباينة كماً وكيفاً في الجغرافيا الثقافية والمعرفية للعالم. ففي الوقت الذي ضاعف من حجم تحديات المنافسة في الغرب وبالذات في أمريكا، دفع الفن السابع لأن يسعى إلى التفوق على الذات لإحكام السيطرة على شروطه وظروفه، ولينافس بكفاءة واقتدار خيارات المشاهدة الأسهل والأيسر والأرخص، كما الاختيارية والقصدية في التلقي، والحرية المطلقة في الانحياز والاختيار.
إن المشوار الذي قطعه العلم السينمائي في العالم طويل وإنجازاته عديدة ابتداء من العمل المنظم على معمار السينما داخلياً وخارجياً، وعلمية الديكور وراحته للمتلقي، ومراعاة أدق تفاصيل حساب المسافات بين الشاشة والمتلقي والحسابات الفيزيائية للحواس البشرية، واحترام طقوس الظلام وحرية الآخر، وانتهاء بتطور وسائل وأساليب العرض، والمهرجانات المختلفة، كما الأكاديميات السينمائية حول العالم، ولا نزال في انتظار المزيد.
وفي هذا الوقت انزلقت سينما منطقتنا كالماء المستعجل، مخلفة وراءها ذكريات أجيال من الألق وعادات مشاهدة تعامل دور العرض باعتيادية وفظاظة لا تليق بمكانتها الفنية ولا الإبداعية، مثل هذا المشهد المحبط، خلّف تراجعاً مدوياً، ليس فقط في إدارتها وتمويلها، بل وفي سويتها الشكلية وترتيبها ومرافقها وفرشها.
تراجع المشاهدة السينمائية عربياً ظاهرة تلج الى أعماق الوجدان المجتمعي والثقافي والمعرفي، وانعكاس حقيقي لتراجعات عدة لمنابع الحياة الحقيقية فينا.
انحسار مياه الإبداع من سماء الحياة اليومية العربية دعوة لترك الأفراد لمصائر محزنة أكثر كنتيجة لتراجع تفاصيل أنماط الإبداع، وغياب ثقافة الإبداع، وهيمنة النجومية الاستهلاكية على حياتنا.
www.deyaralnagab.com
|