مهر.. أم عبودية؟!
بقلم : ردينة حيدر ... 25.07.2009
بعد عامين من قدومي إلى دمشق مدفوعة بهواجسي وأشعار نزار قباني، عن مدينة تحضن بين ذراعيها القطط الشامية وتنام تحت عرائش الياسمين، لحقت بي صديقتي التي لم تكن أقل طموحا مني بحياة مستقلة، مشرقة..
وبعد انقطاع طويل للزيارات بيننا، بسبب عدد البطيخات التي كان على كل منا حملها، وخيبات الأمل المتلاحقة بإمكانية الحصول على عمل مستقر كاف بالحد الأدنى للعيش كإنسان عارك الحياة، واحترف العديد من المهن، ضمانا "ليس أكيدا" على أنه لن يكون يوما في الشارع، ما يعيدنا مباشرة إلى مشكلة التمييز بين المرأة والرجل على أساس أن الشارع سيد المواقف دون أن ننسى أن كلمة الشارع هي "مذكر"..!
فالرجل "أيا كان" يستطيع أن ينام في الشارع، في الحدائق، تحت الجسور، وتحت السماء الرمادية.. فخيارات الجوع والبرد والقر متاحة له بكل متعها ونعمها..!
لكن، صديقتي التي باتت قاب قوسين من " الشارع" تتساءل عن إمكانية نصب خيمة على الطراز الحديث، يتناسب مع وجه المدينة الحضاري! في أي شارع أو حديقة كانت لتواصل حياتها مع طفليها، بعد أن حصلت بجدارة على الامتياز المبدع لقانون الأحوال الشخصية "الطلاق التعسفي".
وبرغم سوء حالها لم تسلم من انتقاداتي اللطيفة واللاذعة أحيانا..!
كانت صديقتي "المطرودة من جنة الحياة الزوجية" قد حصلت على شهادة جامعية، وعملت في القطاع الخاص قبل أن تحلم بميزات العرس والعريس، والتلبيسة.. والدلال الزوجي والطبخ وتربية الأولاد والعلاقات الاجتماعية المتوازنة على حد قولها..!
فما حدث هو أنها تزوجت من الشخص الخطأ، بعد أن يأست من البحث عن نصفها الآخر.. الخطأ القائم على المثل الشعبي المصري "ظل راجل ولا ظل حيطة".
الخطأ الذي ستدفع ثمنه بنات وأبناء جيل كامل، فالخطأ هنا من نوع "الخطأ القاتل"
بعد عرض قدمه الزوج " المنقذ" بمهر مرتفع قياسا بحال عائلتها، سارع الأهل لإقناعها بأنه الزوج المناسب المحب، المخلص، الكريم..إلخ
وكان أن قبلت العرض بصدر رحب، بل إنها سرعان ما أبدت استياءها عندما علمت أنني قمت بتسجيل مبلغ (500) ليرة سورية فقط في عقد زواجي، وأني كنت أنوي رفض المهر بشكل مطلق، لولا أن القانون لا يسمح بذلك..
أردت يومها أن أشرح وجهة نظري، وقناعتي الراسخة أن التكافؤ مع شريك الحياة أمر ضروري، وأني لا أقبل المساومة على جسدي وروحي وإلى ما هنالك من كلام رومانسيات الفتاة الساذجة كما علقت صديقتي ضاحكة.. مصرة على أن المهر هو من حق المرأة قانونيا.. وأن على المرأة الواعية أن تتمسك به، فهو يصون حقوقها، ويحميها من غدرات الزمان.. لا من غدرات الزوج أو القوانين أو المجتمع..!
لم أرغب بزيادة الطين بلة، شددت على يدها وشجعتها على البحث عن عمل مناسب، وخيمة لجوء مناسبة، وأكدت لها "كمسئول اقتصادي عتيد في هذا البلد" أنها لن تكون الوحيدة، أو الأولى من نوعها التي تحقق هذا التقدم العصري المنسجم مع الطبيعة الخضراء، ونظام محميات البشر.. طالما أن المستقبل المشرق آت لامحالة.. وطالما أن المهر يدفع أو يسجل على الورق كهدية ثمينة على الخضوع والقبول بأنصاف الحلول ،وكأداة لجر الأسرة إلى معركة طلاق تبدأ "بالتشكير عن الأنياب" وتنتهي بمصالح الطرف الأقوى على حساب الأطفال الطرف الأضعف دوما، الذين سيتأقلمون كسائر البشر، مع مجتمع الغابة هذا، ليكملوا بجدارة سلسة العنف اللانهائية... أو ليكونوا عنصرا متماهيا فيها...!
المصدر : موقع نساء سوريه
www.deyaralnagab.com
|