logo
أربع نساء في الفجر !!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 10.11.2009

يلتقين مع أذان الفجر عند الدوّار، ثمّ ينطلقن كما اعتدن. تسبقهن أقصرهن بثلاثة أمتار تقريبا، وتحافظ على المسافة رغم قفزاتها المفتعلة التهريجيّة. تمشي مثل الماعز نشيطة حيوية، وتتعفرت في مشيتها، فهي تتثنّى كأنها ترقص، تعلّق على ما يتناهى إلى سمعها من صاحباتها الثلاث اللواتي يتبعنها وكأنها تقودهن، وتعلّق بكلمات قليلة فيفرطن من الضحك. الطويلة كنخلة تمشي في الوسط، والاثنتان الأخريان عن يمينها ويسارها. وهي تلتفت، وتطّل على كل واحدة بحركة من رأسها، وهي تضرب كفّا بكفّ.
يتركن الطريق العام، مبتعدات عن السيّارات التي تكون قليلة في هذا الوقت المبكّر، ويندفعن إلى شوارع فرعيّة، بينما ترقبهن نسوة كسولات من وراء الزجاج أو من الشرفات وهن يستغربن ما يلحظنه من سلوكهن، فهن لا يركضن كالرياضيات، ولكنهن يتضاحكن طيلة الوقت بلا حرج بأصوات ملعلعة تترافق مع حركات غريبة من أجسادهن وبغير احتشام.
أجسادهن رشيقة ولا يبدين بحاجة لتخسيس تلك الأجساد، فليس لهن أرداف كبيرة، ولا بطون منتفخة، ولا أوراك ثقيلة.
يبدو وكأنهن يلتقين، يتمشين، يقضين ساعة من الزمن، ثمّ يعدن إلى بيوتهن بعد أن يتفرقن عند الدوّار الذي ينطلقن منه كلّ فجر وهن يضحكن، كما لو أنهن في تمرين صباحي على الضحك.
غريب: ماذا يحكين ولماذا يضحكن كل هذا الضحك؟ من يدري، فالنساء عندهن دائما ما يضحكهن، وإن كنّا لا نعرف ماذا يفعلن عندما يعدن إلى بيوتهن، وينهمكن في حياتهن اليوميّة الرتيبة...
أربع نساء مرحات في غبش الفجر، يمرقن ببيتي والخيط الأسود ما زال مختلطا بالخيط الأبيض.
منذ انتبهت لهنّ بتُّ أنتظر فجر اليوم التالي، وبلغ بي الأمر أن سعيت لمعرفة من أين ينطلقن وأين يتفرقن، وإن لم أحاول تتبع تفرقهن ومعرفة بيوتهن.
أنا أفتقدهن يوم الجمعة، اليوم الوحيد الذي لا أراهن فيه غاذات السير، ضاحكات، نشيطات، منهمكات في تبادل كلمات قليلة سريعة تثير ضحكاتهن، نفسي أعرف ما هي، وهذا ما بات يدفعني لتخمين نوعية الكلام، وإن كنت لا أجزم!
أربع نساء بات يومي يبدأ معهن، يعبرن مع أوّل الضوء، يشعن المرح، ثمّ يختفين في اللون الرمادي...


www.deyaralnagab.com