logo
العراق:إنتخابات وخيبات؟!..الحلقة (2)

بقلم :  علي الكاش* ... 16.10.2009

**فيما يتعلق بالمفوضية العليا للإنتخابات:
هي النواة المركزية في العملية الإنتخابية لأنها تجسد مصداقية الإنتخابات وشفافيتها ونزاهتها، ومن المؤسف القول بأن المفوضية الحالية كانت ببعد الأرض عن السماء في موضوع النزاهة والأمانة في جميع أنشطتها بإعتراف بعض منتسبيها. ولأن المفوضية لا تضم عناصر مستقلة وإنما ممثلين عن الكتل والأحزاب السياسية الحاكمة فهذا يؤكد إنها مثل عرائس متحركة بخيوط الكتل السياسية. حتى لو إفترضنا جدلا وجود عناصر شريفة (رغم شكوكنا في هذا الأمر) فأن تلك العناصر لا يمكن أن تنزع عنها اللجام الذي كبلتها به الأحزاب الحاكمة, فهذا رئيس مجلس النواب المستقيل محمود المشهداني يعترف بعد خراب البصرة بأن" مفوضية الانتخابات بوضعها الحالي ستدمر الانتخابات البرلمانية المقبلة. فهي غير قادرة على إدارة ملف الانتخابات ويجب إعادة تشكيلها، اذ إن رئيسها وأعضائها ينتمون للأحزاب الحاكمة مما يفقدها إستقلاليتها. كما إن المفوضية منظومة مخترقة ولدينا الأدلة الكافية عليها وإن عناصرها يقومون بعملية بيع وشراء الأصوات".عجبا ألم تكن رئيسا للبرلمان يا مشهداني ولماذا إلتزمت الصمت كل تلك السنوات؟ أهكذا تصان حقوق الشعب؟
أما النائب جلال الدين الصغير فقد إنتقد بدوره المفوضية بوصفها" ليست حيادية، وتسببت في منع أكثر من مليون ونصف عراقي من الوصول الى صناديق الإقتراع" ملمحا بإن حكومة المالكي ربما ساهمت في هذا أيضا. ولنا أن نتصور حجم المأساة بتغييب مليون ونصف صوت فأية إنتخابات جرت وأية نزاهة وأمانة إتصفت بها المفوضية؟ ونسأل الصغير إذا لماذا تقزمت حينها عن قول الحق؟ سكت دهرا لتنطق كفرا!
أما النائب المستقل عز الدين الدولة فقد أوضح بأن المفوضية "هي مفوضية محاصصة، وكل شخصية في المفوضية رشحت من قبل حزب أو جهة أو طرف في الحكومة مما أدى إلى أن يكون أدائها غير مرغوب به من قبل الكثير" وعن التقاعس في إستجواب المفوضية عن الخلل في إدائها ذكر بأنه "كان من المفروض أن يتم استجوابها منذ فترة طويلة، ولكنه تأجل وتأخر لأكثر من مرة بسبب وجود ضغوطات سياسية". أية مصيبة تلك يا أشباه الرجال! ولماذا لا تشخصوا الجهات الضاغطة؟ ولماذا لا تحترموا الشعب وتسموا الأشياء بأسمائها الحقيقية؟ ولماذا كل هذا اللف والدوران؟ أما النائب كريم محسن عن حزب الفضيلة فقد ذكربأن " أغلب أعضاء مجلس النواب أصبحت لديهم القناعة الكاملة بضرورة تغيير مفوضية الانتخابات، بعد كشف تقصيرها وتسببها بضياع أصوات الناخبين"؟ أية بطولة تلك فبعد مضي ما يقارب الأربع سنوات من الشخير، يستيقظ برلمان الحجيج الجماعي من غفوته ليكتشف عدم نزهة المفوضية.. يا لعاركم؟
حتى عملية الإستجواب لفرج الحيدري رئيس المفوضية العليا للإنتخابات من قبل البرلمان كانت لذر الرماد في العيون ومحاولة أظهار بعض البقع اللامعة في صفحة البرلمان السوداء, فالإستجواب وكشف المستور من بعض فضائح المفوضية جاء في الرمق الأخير من عمر الحكومة والبرلمان فما الفائدة منه! فهو مشهد أشبه ما يكون بمجموعة من المتفرجين يراقبون مجرما يذبح إنسان في ساحة عامة تغص بالناس, وقبل أن يموت الضحية إنبروا لسؤاله بأدب" لطفا هل تحتاج لأسعاف" ؟ ولماذا لم يتم الإستجواب قبل إجراء إنتخابات المحافظات أو بعدها مباشرة بعد أن كشف التلاعب الكبير في نتائجها؟ من المثير أن رئيس المفوضية نفسه إستهزأ بتوقيت الإستجواب منوها بأن" سحب الثقة عـن المفوضية من قبل البرلمان يعني عدم إجراء الانتخابات التشريعية في البلاد دون تشكيل مفوضية جديدة وهذا يتطلب وقتا وإصدر قانون جديد" وبسخرية أكبر أضاف" نحن كمفوضية مستمرون في العمل".
مع هذا فأن سحب الثقة من رئيس وأعضاء المفوضية ليس بالأمر المستحيل كما يحاول أن يموهنا فرج الحيدري! حيث يمكن طلب مساعدة من الأمم المتحدة لإرسال خبراء قانونيين في مجال الإنتخابات بما يضمن إجرائها بوقتها المقرر مع ضمان الشفافية والنزاهة. ولكن كما يبدو فأن تأجيل الإنتخابات هي رغبة البرلمان والحكومة والمفوضية حيث يضمن لكافة الأطراف الفائدة بأستثناء الشعب العراقي المغلوب على أمره. ولم نشر بالطبع إلى مساعدة الجامعة العربية رغم انها تزخر بمثل تلك الكفاءات والخبرات لسبب واضح وبسيط، فالتدخل العربي في قضايا العراق يزعج الجارة إيران وستمنعه رغم أنف الجميع! فالعراق أصبح ضيعة لها برضا الولايات المتحدة الأمريكية ومباركة المرجعيات الدينية!
وكنا قد شهدنا بإعتراف المفوضية العليا للنزاهة وجود عدد هائل من البرلمانيين لا يحملون شهادات دراسية أو يحملون شهادات مزورة, وهذا يعني ان مفوضية الإنتخابات لم تكن نزيهة لعدة أسباب من بينها عدم تدقيق صحة معلومات المرشحين، أو معرفتها والسكوت عنها بتواطئ مع الأحزاب التي رشحتها مما يغرب عنها صفة النزاهة. كما أنها أخفت هذا الموضوع ما يقارب الثلاث سنوات وكشفته بسبب صراعات بين الكتل السياسية ليس أكثر! لذلك عندما يكون ربً الدار بالدف ناقرا فشيمة أهل الدار سوف لا تكون التعبد والزهد! لقد فشلت المفوضية عملها قبل الأنتخابات من خلال إنعدام الرقابة وتدقيق المعلومات عن المرشحين وبرامجهم الانتخابية والدعاية الانتخابية وإلتزام المرشحين باللوائح القانوينة. وكذلك بسبب التزوير والتلاعب في نتائج الإنتخابات السابقة والتصويت على الدستور المقرف.
من المعروف إن الإنتخابات هي وسيلة بحد ذاها وليس غاية فهي الطريق الذي يوصلنا إلى مفرقين متناقضين، إما التقدم أو التخلف, التوحد أو التشتت, البناء أو الهدم، بل الحياة أو الموت. وحتى تكون الإنتخابات شفافة ومقنعة للمواطن، لا بد من طرد كافة أعضاء المفوضية الحالية وإختيار هيئة من القضاة برئيس وأعضاء في المحطة الاخيرة من مشوار العمر، خبروا الحياة وخبرتهم. ذوو خبرة متراكمة ومشهود لها بالفضيلة والسمعة الحسنة والأمانة وكذلك من المستقلين سياسيا وليس لهم قرابة أو علاقة بالمرشحين. وأن يقسموا بكتاب الله بأن لا يخونوا أمانة الشعب، ويحدد سلطانهم وواجبهم بقانون واضح لا لبوس فيه. هذه الأستقلالية من شأنها ان تؤمن العدل والنزاهة في العملية الإنتخابية في كل مراحلها. وفي المقابل أن تسن عقوبة شديدة لمن يخون أمانة الشعب وتعتير جريمة كالخيانة العظمى مخلة بالشرف, مع مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة للخونة. وقبل هذا فأن سحب الثقة عن رئيس وأعضاء المفوضية الحالية إجراء غير كاف! فلابد من إحالتهم إلى القضاء وسحب كافة الأمتيازات التي حصلوا عليها ليكونوا عبرة لغيرهم.

**فيما يتعلق بالحكومة:
لم تكن حكومة المالكي المنتخبة كما يتشدق البعض أفضل إداءا من حكومة علاوي والجعفري والمفاضلة المنطقية هي بين السيء والأسوأ, وقد لمسنا الخلافات الحادة بين البرلمان والحكومة في العديد من المواقف ورغم شدة تلك الصراعات لكن المصلحة كانت القاسم المشرك بينهما! فقد أتفقا على تقاسم الكعكة العراقية, لذلك فأن فتح ملفات الفساد كما تبين في حالة وزير التجارة السابق فلاح السوداني وما ترتب عليه من توجيه المالكي لوزرائه بعدم الإستجابة لإسضافة البرلمان والتهديد بفتح ملفات الفساد في البرلمان إن أصروا على كشف الفساد المالي والإداري الذي ينخر دولة القانون يؤكد بأن الجانبين على قدر كبير من القذارة والخسة. فالقانون في دولة القانون لا يسري على الحكومة والبرلمان وإنما على الشعب فقط! كما أن مشهد المالكي مؤخرا برفقة الوزير المقال فلاح السوداني يثير الحيرة! لأنه تحدي سافر لإرادة الشعب العراقي والإستهانة بمشاعره.
الحكومة في الدول الديمقراطية كما هو معروف تتحمل جزء غير يسير من مسئولية توعية الجماهير من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة دون أن ترجح كفتها على بقية الكتل المنافسة بإعتبارها تخضع كافة المؤسسات لسلطانها وتضع يديها على المال العام. ويمكن توعية المواطن من خلال الندوات الجماهيرية العامة، وتوضيح قانون الإنتخابات لاسيما النقاط التي يعسر على المواطن البسيط فهمها, وإستضافة خبراء قانونيين متخصصين لتسليط الأضواء على أهميها، وتقديم نبذة عن حياة المرشحين وشرح أبعاد برامجهم الإنتخابية وإمكانية تطبيقها ومدى تلبيتها لحاجة المواطنين, علاوة على توجيه المواطنين نحو نبذ التعصب الديني والطائفي والعنصري والعشائري في إختيار المرشحين، ومراقبة نشاطات المرشحين بالشكل الذي يضمن عدم إنتهاك قانون الإنتخابات، أو إستغفال المواطنين في الدعاية الإنتخابية. علاوة على عدم تسخير موارد الدولة واجهزتها القضائية و الأمنية والإعلامية لترجيح كفة دون أخرى. ولابد أن تنأى الحكومة عن التدخل في عمل المفوضية العليا للإنتخابات, وأن تجري الإنتخابات بنزاهة وشفافية( ليس المقصود شفافية إبراهيم الجعفري) خارج إطار الرشاوى والمساومات والمحسوبية والمنسوبية والوعود والمكافأت لعناصر المفوضية. وقد شهدنا أفعال الحكومة المنتخبة والدروس الباهضة التي دفعنا جميتا ثمنها الباهض وهي تتبجح بشرعيتها, ينطبق عليها قول الرصافي:
إن ديك الدهر قــد باض ببغداد وزارة
ووزير ملحق كالذيل في عجز حـمارة
وهو لايملك أمرا غير كرسي الوزارة
**فيما يتعلق الإعلام:
يحاول السياسيون شراء ذمم الإعلاميين فالسياسي يركض لاهثا وراء الإعلامي أثناء الحملات الإنتخابية, يحمل معه سلة من الوعود يوزعها عليهم, ويفتح جيبه بكرم حاتمي لإقامة الولائم وتوزيع الهدايا والهبات لشراء ذمم الإعلاميين متوكلا على أقلامهم وألسنتهم لدعم ترشيحه، والإعلامي يركض وراء السياسي بعد الإنتخابات عسى أن يترجم له وعوده بمنصب أو مزايا مادية كانت أو معنوية. لكنه سرعان ما يكتشف أن السياسي( بياع كلام ) لا أكثر, وان الطرواة والبشاشة واللباقة والضيافة والكرم هي وسائل مطلوبة في الصفحة الأولى من الدفاع الإنتخابي! ولكن بعد الإنتخابات يتحول السياسي إلى صفحة الهجوم على الصحافة بكل أنواع الأسلحة من شيمة وقدح وإعتقال وتعذيب ويصل الحال إلى التهديد بالقتل أو ممارسته فعلا.
وقد شهدنا محاولات الإعتداءات الآثمة التى طالت رجال الصحافة والإعلام من قبل المسئولين وحماياتهم الخاصة, وطردهم من باحة البرلمان بكل جلف وغطرسة من قبل همام حمودي نائب رئيس البرلمان, بل أن رئيس الحكومة المالكي وصف إحدى أهم وسائل الإعلام " بمكب نفايات" واصدر قرارا بمنع وزير الصحة ومؤسساته من الإدلاء بأية معلومات عن ضحايا التفجيرات لوسائل الإعلام, ناهيك عن التعويضات المليارية التي طالب بها المولى الفقير أياد الزاملي صاحب موقع كتابات وصحيفة الغارديان البريطانية، ويكفينا معرفة أن العراق الديمقراطي الجديد يحتل الموقع(158) في الترتيب العالمي لحرية الصحافة.
وكانت المأساة الأخيرة تعرض الإعامية العراقية زهراء الموسوي المعروفة بسمو أخلاقها ونبلها إلى أعتداء سافر حقير في شارع عام, جرت المأساة أمام المواطنين و جردت الموسوي من ثيابها وتركت في حالة يرثى لها من قبل أوباش الحماية الخاصة لنجل رئيس دولة القانون نوري المالكي في ظل غفوة الرضيع مؤيد اللامي (نقيب الصحفيين العراقيين) في أحضان المالكي، فقد نذر اللامي نفسه بأن يبقى رمزا خالدا للسمسرة والعهر الصحفي في زمن الإحتلال. جريحة الصحافة زهراء أن كان قد عريت من قبل أوباش المالكي نقول لها أختاه (لا تبتأسي لقد أنتقمت بنفسك منهم شر إنتقام ورديت لهم الصاع بصاعين، لقد عريت المالكي وحكومة القانون من ورقة التوت الأخيرة, فبانت عوراتهم على مرأي الجميع).
زهراء بالطبع ليست من الطائفة المكروهة من قبل الحكومة الطائفية، وليست من أزلام البعث أو تكفيرية أو سلفية, إنها موسوية من نسل آل البيت رضوان الله عليهم, وأبوها يشغل منصبا رفيعا في دولة القانون، مع هذا فقد جرى ما جرى! فكيف لو كان الحال مع سيدة يحل عرضها ومالها من وجهة نظر البعض؟ وأين دولة رئيس إئتلاف القانون من كل هذا؟ ولماذا إلتزم جانب الصمت ليس كعادته، فلا هو ولا أحد عباقرة مجلسه الإستشاري علق على الحادث! هل من أرتكب هذه الجريمة الحمقاء من تنظيم القاعدة أو البعثيين أو التكفيريين؟ أنه من أهل بيتك ومن تربيتك الإسلامية كما تدعي! فهل ستنفذ القانون بحقه؟ الجواب معروف! بصمتك المكشوف ... هكذا يقول المنطق، ومن الأولى أن يستذكر العراقيون هذه الفاجعة وغيرها عند التصويت، فمن يستبيح أعراضهم بهذه الطريقة البشعة حصان خاسر لا يمكن المراهنة عليه.
لنقف دقيقة نراجع بها أنفسنا ونساءل مالذي قدمته الحكومة وبرلمان الحجيج السنوي لرجال الصحافة والإعلام أكثر من سراب رغم التضحيات الجسيمة التي تحملها رجالها في سبيل الأماني الضالة؟ وماهي نتيجة التطبيل الإعلامي والتزلف والهمز واللمز لرجال السياسة؟ فقد رفعوهم على أكتافهم مهللين بمزاياهم وطلوهم بأصباغ المجد والرفعة والأمانة, لكن سرعان ما سقط الطلاء وبانت العيوب؟ لقد ضلل الإعلاميون السائرون في ركب الإحتلال المواطنين أبشع تضليل, فكانوا جزءا من المشكلة بدلا من الحل, وتحول الإعلام من سلطة رابعة إلى كلب أمين للسلطة الثالثة ينبح على الإعلام الشريف المقاوم. وأصيب الإعلام بنفس الأعراض المرضية التي تعاني منها حكومة المحاصصة من العمالة و الطائفية والعشائرية والعنصرية والإنتهازية والمصلحية. كانت الدروس عميقة ومؤلمة خلال المرحلة الإنتخابية الأخيرة. دروس مؤلمة لابد أن يستخلص الإعلامي الشريف العبر منها! فليس من الحكمة أن يعثر بنفس الحجرة كل مرة.
لذلك لابد أن يلتزم الإعلام بالحياد ويتصرف بإيجابية منطلقا من قاعدة وعي متكامل بحجم المسئولية الوطنية، دون العبث بتغيير مسار الإنتخابات لصالح جهة أو جهات معينه ولاسيما الموجودين في السلطة. وأن يتم التعامل مع جميع المرشحين بمسطرة واحدة فلاق فرق بين مرشح وآخر إلا بأخلاقة وإلتزامه الوطني وأرضيته الثقافية و السياسية والتأريخية وبرنامجه الإنتخابي المعلن. لابد أن يتحرر الأعلام من سلطان الحكام وان يتقيد فقط بسلطان الضمير والوطنية, وأن يتولى مهام واجباته كسلطة رابعة تراقب سير العملية الإنتخابية بإيجابياتها وسلبياتها من بدايتها حتى نهايتها بل والإستمرار بمتابعة مدى الإلتزام بتنفيذ البرامج المعلنة، وتشخيص وكشف وإعلان مواطن الخلل بلا تردد مهما كانت التكلفة والثمن. فالالتزام الوطني هو المعيار الحقيقي للإعلاميين، ولا بد له ان يسمو على الالتزام الحزبي والقومي والطائفي والعشائري في تحليل كافة المظاهرالتي ترافق الإنتخابات وتقديم تحليل واقعي رصين يجعله موضع ثقة للمواطن.
**فيما يتعلق بالمرجعيات الدينية:
نؤكد بإن الإنتخابات فرض وطني دنيوي وليس ديني ولا يحتاج إلى الدوافع الروحية والإرشادات والمواعظ، ولحساسية موضوع الإنتخابات وما يرافقها في الغالب من ألاعيب سياسية، لذا من الأولى أن لا يحشر رجال الدين أنوفهم فيها، وأن يلتزموا بالصمت المطبق فقد أسبغوا رضاهم وبركاتهم على اللصوص و المجرمين وزكوهم وزينوهم أمام العالمين في الإنتخابات السابقة ودفع العراقيون جميعهم ثمن تلك الأخطاء التي نمت وتحولت إلى خطيئة, لقد زرعوا ألاشواك وتركوها تنخزنا وتورمنا، وهم بمنأى عنها يستلذون بآلامنا بكل سادية, جريمة بشعة تغضب الأرض والسماء إذا قام بها مجرمون فكيف الأمر وقد قام بها رجال دين؟
يجب أن يعلم الشعب بأن الإنتخابات هي عملية سياسية بحته لا علاقة لها بالدين, وهناك فرق بين المجد والتمجد، الشعب لا يختار فيها خليفة للمسلمين بل حاكم سياسي, وإذا تدخل رجال الدين فيها فأنهم آجلا أم آجلا سيحتذون من قبل السياسيين. وتدخل رجال الدين في الإنتخابات ان أدى إلى خير فلا يشكرون عليه، وأن أدى الى شر سيلامون عليه فعلام التدخل إذن؟
الإنتخابات أمر دنيوي يتعلق بتعاليم أرضية وليس سماوية وإن أدخال الشعارات الدينية في الدعايات الإنتخابية هي مناورة سياسية قذرة وإساءة بالغة للدين وإستغلال بشع ورخيص لأسمى عامل في الوجود، يعكس في مقومه الأرأس قلة الوعي بنواميس التأريخ البشري, وقد شممنا في الإنتخابات السابقة إبخرة الغليان الطائفي التي سدت منافذ عقول الكثيرين وأعيتهم، معذرة من الرجوع إليها بين تارة واخرى فليس الغرض هو القيام بنكأ الجراح الماضية، بقدر ما نرغب بإستخلاص الدروس وإستخرج العبر لكي لا نلدغ من جحر واحد عدة مرات، وهذا يتطلب الإجابة بوضوح على سؤال في قد يكون محرجا وهو: هل كانت مباركة المرجعية للإنتخابات السابقة والحث على المشاركة فيها بإصطفاف طائفي يتناسب من نوعية الذين تم إنتخابهم في ضوء النتائج التي تمخضت خلال السنوات الأربع الماضية؟ وهل كانت متاجرة الكتل السياسية بشعارات آل البيت(رضوان الله عليهم أجمعين) تتناسب مع دعوات المرجعية؟ وهل كانت مباركة المرجعية للعملاء واللصوص والمجرمين الذين يحكمون العراق اليوم سواء في البرلمان أوالحكومة على حق؟ الإجابة بصراحة هي التي تضع النقاط على الحروف.
في الحلقة القادمة سنتناول دور المواطن في العملية الإنتخابية . ولأهمية دوره بإعتباره الوسيلة والغاية من الإنتخابات أفردنا له حلقة خاصة.

*كاتب ومفكر عراقي

www.deyaralnagab.com