logo
ابتسام ... لها الكلمة الاخيرة!!

بقلم : الاء الجبوري ... 08.08.2009

[قصص حقيقية ]
حدثت هذه القصة في 2005 وانتهت بمأساة ضحيتها قتاة بعمر17 سنة وهو جانب من العنف الذي تعيشه المرأة الريفية التي تعاني من الامية والاعراف البالية كالزواج المبكر وعرف ( النهوة) الذي تصدى له قانون الاحوال الشخصية المعدل لسنة 1959 السؤال هنا ماذا لو طبقت الزامية التعليم هل ستحرم ابتسام وامثالها من التعليم حتى اصبحت الامية صفة المرأة الريفية في العراق ؟ وماذا لوفعلنا القانون الذي يمنع استخدام عرف النهوة ؟ ماذا لو كانت هناك توعية للمرأة الريفية بالمطالبة بحقها لانها شريك الرجل في البيت والحقل؟ واخيرا ماذا لو كان هناك مؤسسة حكومية تلجيء اليها المرأة التي تتعرض للعنف امثال ابتسام فهل ستفكر في الانتحار.
ابتسام .... لها الكلمة الاخيرة
ابتسام فتاة من عائلة ريفية تتكون من اربعة اولاد وبنتين وهي اخر العنقود ..... كانت محبوبة ولبقة , خطواتها سريعة وهي تحمل حقيبتها المدرسية لتسبق الجميع وتجلس في المقدمة, تتابع المعلمة وتقرأ وتكتب ببهجة وفي نهاية العام الدراسي تنجح وتكون الاولى على صفها , وبفرح عارم تحمل الشهادة الى اهلها ولكنها لاتشعر بوجود الفرحة في عيونهم . لم تستمر ابتسام في المدرسة اذ امر الاب ابنته بترك الدراسة مادامت تعلمت القرأة والكتابة ولكن والدها تراجع عن قراره امام بكائها وعلامات الذبول التي بدت على وجهها وهي ترى الطلاب يتوجهون الى مدارسهم , عادت ابتسام الى المدرسة ونجحت الى الخامس لابتدائي ولكنها لم تعد مرة اخرى الى الدراسة فقد كان القرار هذه المرة قرار اخوتها اذ كانوا يرددون مهما درست فان مصيرها الى بيت زوجها وهو مسؤول عن اعالتها فكانت ترد عليهم ( انا صغيرة ولما اكبر اتزوج والان خلوني بالمدرسة ) ولكن لا احد يسمع كلامها او يحس حسرتها وهي ترى الطلبة يحملون حقائبهم المدرسية وهي تحمل المنجل في الحقل .
بدأت ابتسام مرحلة جديدة فكانت اغلب ساعاتها في الحقل الذي تطلق فيه خيالاتها تشاركها صديقتها سعاد التي تركت الدراسة في الثاني الابتدائي اذ تبدأ رحلتهما في الساعات الاولى من الصباح الباكر وتنتهي مساءا باعمال تخص المنزل لكن حياة ابتسام تغيرت مع ظهور احمد في حياتها اخو صديقتها سعاد , فقد كانت تراه بين الحين والاخر في حقل اهل صديقتها سعاد وفي كل مرة يدور بينها حديث قصير كانت تود لو انه يطول اكثر , كانت تنظر له باعجاب كونه طالبا جامعي وتساله عن الجامعة وماذا يدور خلف اسوارها وماذا يدرس , وقالت له, كم كنت احب المدرسة وكنت اتمنى ان ادرس في الجامعة , فقال لها احمد ولماذا تركت الدراسة قالت له مثل اختك سعاد اهلنا هم من يمنعون من الذهاب الى المدرسة ولكن انا احب القراءة وقالت له بثقة ومباهات انا اقرأ الصحف كلما توفرت , لقاءات عابرة تحولت بمرور الوقت الى حبا عارم في قلبها وكان الوقت يمضي بصعوبة وهو بعيد عنها ووجدت الحل في الموبايل للتواصل مع حبيبها احمد ولكنها كانت تخاف من اخوتها ان يعرفوا بالامر اذ يرفض اخوتها ان يكون لها هاتفها الخاص ولكن احمد اشترى واحدا لها لا تستعمله الا للحدبث معه والتقيا بعيدا عن العيون فاعطاها الموبايل واقترحت عليه ان يزرعا فسيلة نخلة وقالت له هذه النخلة ستكبر معنا وسنسميها نخلة احمد وابتسام فاستجاب احمد لطلبها وغرس الفسيلة واتفقا على ان لاتكون لقاءات بينهم خوفا من فضح الامر فقط الاتصال بالموبايل والتلاقي من بعيد بلا كلام ,استمرت علاقتهما سنتين الى ان قرر احمد التقدم لخطبتها فاتصل بها وقال لها يجب ان نعيش معا لذا ساتقدم لخطبتك من اهلك , لم تجب ابتسام باي كلمة اذ تسابقت الافكار امامها وترأت صورة ابن عمها الذي يصر على الزواج بها رغم انه يكبرها بثلاثة عشر سنة وترائت وجوه اخوتها ترى هل سيوافقون ام يرفضون صورة بعد اخرى لم تصحو منها الا على صوت احمد ( الو ... الو ) فقالت له حدد موعدا لتزور اهلي انا موافقة .
ذهبت النساء من عائلة احمد وتفاجئن بالرفض لان ابن عمها يريدها للزواج , ولكن الجواب لم يقنع ام احمد التي علمت ان ولدها يحب ابتسام فقالت اننا مستعدون لكل ما تطلبون حتى نتتم الزواج فكررت امها اذا كان الامر بيدي ما كنت تسمعين غير ( هلهولة فرح ) لكن الامر بيد والدها اخوتها , فاخبرت الام زوجها ان بيت ابو احمد يريدون خطبة ابتسام لابنهم احمد فرد الاب ( ماعندنا بنات للزواج ) وابتسام لابن عمها فقالت الام ان ياسين ابن اخيك اكبر من ابتسام بثلاثة عشر سنة وانت تعرف ان ابتسام لا تريده ابدا فقال الاب اكسر راسها وتتزوج ياسين ابن اخي وفي اليوم الثاني بلغت الام رد زوجها لام احمد , لم يقنع اهل احمد بهذا الرد فاخذوا جاهة ( شخصيات لها وزنها في المجتمع الريفي ) للتأثير عليهم , استقبل اب واخوة ابتسام الجاهة وبدأوا الحديث عن الرجولة والتفاخر بالقيم الجميلة ثم مزيا الدين الاسلامي في التاكيد على اهمية اكمل نصف الدين بالزواج وانتهوا بان بنت الشرق للغرب وبنت الغرب للشرق واصلكم الطيب يا ابو محمد يشرفنا ونريد بنتكم المحروسة لابننا احمد وهنا نهض ياسين ابن عمها وقال( انا ابن عمها وانهي عليها والي يقرب منها اذبحها واذبحه ) وهنا صمتت افواه من كانوا في الجاهة لانهم هم انفسم يقرون بعرف النهوة العشائري فنهضوا بدون مجادلة لان الاحق بابتسام ابن عمها حسب الاعراف العشائرية .
لم يمر موضوع ( الجاهة ) بسلام فقد تباحث الاب والاخوة في هذا الامر ووصلوا الى ان هناك شيء بين ابتسام واحمد ولكن عبد الهادي الاخ الثالث لابتسام قال لماذا نزوجها لياسين مادام موضوع احمد انتهى ولكنهم رفضوا رأيه بغضب, وهنا تبرع احد اخوة ابتسام للوصول الى الحقيقة فنادى ابتسام واخذها الى غرفته وقال لها عرفنا علاقتك باحمد فاعترفي فأنكرت واصرت على انكارها ولكن بعد ان تحول التحقيق الى سجين وسجان قاسي يضربها بطريقة وحشية فكانت تصرخ وتصرخ ولا احد يفتح باب الغرفة ويجرها منه فكانت الامم تتوسل ابناءها وتقول انها اختكم الصغيرة وانت ابوها ( ابتسام راح تموت بيدكم ) فتدخل اخوها عبد هادي ودخل الغرفة وجر ابتسام من يدي الاخ الاكبر فقد تحولت الى كرة بين رجليه فكانت تصرخ نعم احبه واريده ولن اتزوج غيره وياسين ابن عمي نفسي ما تريده اشوفه مثل اخي , فرد الاخ الاكبر اذبحك فضحتينا وجعلتينا امام جاهة من اجل احمد حبيب الروح وخرج وتركها على الارض ليبدأ اجتماعا بين الاب وابناءه وياسين ابن عمهم فقرروا ان يبدأوا باجراءات الزواج وباسرع وقت ممكن لكي يقطعوا السنة الناس اما امها فقالت لهم انتم لاتريدون قطع السنة الناس لان ابتسام اشرف من الشرف ولكنكم تخافون على المال ان يشارككم به غريب لو تزوجت ابتسام من احمد فاذا كنتم مصرين على قراركم لاتتهموا ابتسام باخلاقها , فحددوا موعد عقد القران ولكن ابتسام عندما سمعت دخلت عليهم بجنون وقالت لااريد الزواج باحمد او ياسين لااريد ... لااريد وسارفض امام القاضي فنهض احد اخوتها ولطمها على وجهها وقال ( سويها وشوفي غير اذبحك واغسل عارك وما احد يلومنا )
فردت ابتسام اذبحوني ولكن لن اتزوج ياسين ابن عمي والتفتت الى ياسين وقالت له ( اكرهك واشوفك مثل ماشوف اخواني ) فقال لها (اتزوجك واكسر خشمك) , نهض احد اخوتها وصفعها وقال لها لن تتزوجي احمد فقالت لم اعد اريد احمد ولكن لااريد الزواج من ابن عمي ليس من اجل احمد ولكن انا احسه اخي ونفسي لا تقبله ولا اتخيل نفسي معه في فراش واحد وبدأت بالصراخ والله ساقتل نفس ... ساحرق نفسي ان اجبرتموني على الزواج من ابن عمي .... لم يسمع احد بل تحولوا الى ذئاب بشرية عليها الى ان صاح الاب اتركوها .
ليلتان وابتسام تفكر في حل يمنع زواجها من ياسين ابن عمها , هل اهرب وحينها سيقتلونني غسلا للعار وان قبلت فساموت وانا حية اذ لايمكن ان يمسني هذا اللعين ماذا افعل ياربي كرهت حياتي وماعدت اريدها والموت ارحم من هذه الحياة , لماذا انا اعيش وانا لعبة ليس بيد ابي واخوتي بل حتى ابن عمي اما احمد فهو رجل قد يمر زمن ويتزوج من اخرى اذن لامفر من الانتحار لايمكنهم ان يقتلوني حية لايمكنهم وساودع احمد فاتصلت به في الرابعة صباحا فقال لها ان سوف يرسل جاهة اخرى لاهلها وسوف يرضي ابن عمها فقالت له لن تستطيع انهم قرروا كل شيء وانا اعرف كيف سامنعهم وسيندمون على ما فعلوا ندما مر المهم انت ماذا ستفعل بدوني اذا انتهى كل شيء فقال لن ينتهي كل شيء انا احبك واحببتك اكثر عندما واجهتي اهلك ولن اتركك ابدا فقالت له وانا احببتك جدا ولن اسمح لهم ان يزوجوني من غيرك ويجب ان تعرف اني احببتك وتذكر النخلة التي زرعناه سويا كل ما اشتقت لي انظر الى نخلتنا فهي انا احبك ياحمد .... وانا يابتسام ...
لم تغمض عينيها الا ساعتين فقد صحت على صوت امها وهي تقول , ابتسام ... ابتسام انهضي وارتدي ملابسك لتذهبي مع ابوك واخوتك الى المحكمة لعقد قرانك على ياسين ابن عمك , بنتي هذه قسمتك ونصيبك ارضي بها لانك بنت وما تقدرين على مواجهة ابوك واخوتك بل حتى الناس فقالت ابتسام بل ساواجه الجميع ولن اكون نعجة يقودها الى القصاب وسترين يامي وتذكري انني احبك جدا ... جدا .
في الطريق الى المحكمة قال لها اخوها الكبير لاترفضي ان سالك القاضي واذا فعلت سنقتلك عند العودة الى المنزل وندفن عارك فقالت لهم صدقوني لااريد الزواج من احمد ولا من ياسين ابن عمي ولن اتزوجه فلطمها خوها قائلا تريدين تنكسين ( عقالنا ) فقالت انا لن اجعلكم تطأطئون روؤسكم ولكن لن اتزوج ياسين . سالها القاضي كم عمرك فقالت سبعة عشر سنة , سالها هل انت موافقة على الزواج , صمتت ثم قالت نعم فكررها ثلاث مرات وهو بؤكد عليها اذا كانت مجبرة على الزواج فنظرت الى ابوها واخوتها وقالت انا موافقة على الزواج .
خرجت ابيسام من المحكمة متزوجة وفي الطريق جلس ياسين بجانبها وحاول ان يتودد لها ويلمس يدها فردت بعصبية ( دير بالك انت مو زوجي ) فصاح احد اخوتها اخرسي ان ياسين زوجك , وصلوا البيت فقال الاب عقدنا القران واريد اسمع الزغاريد لكي يسمعوا الناس ويعرفوا اننا عقدنا القران ولكن احد من نساء البيت لم تفتح فمها فصرخ الاب بهن فانطلقت الزغاريد تدوي في البيت ولكن الزغاريد تحولت الىصراخ لاينتهي فتوجه الكل الى الحمام وما ان وكسروا بابه المغلق حتى هاجمتهم كتلة من النار تركض بين ارجاء البيت لم يوقفها الا عندما القى عبد الهادي بطانية على كتلة النار فأنطفئت فرفع البطانية التي كشفت عن جسد ووجه التهمته النار فتعالى الصراخ يدوي في البيت ابتسام ... ابتسام ونطقت ابتسام كلماتها الاخيرة : قلت لكم لن انكس رؤوسكم ولكن لن اتزوج من ابن عمي ... فقال اخوها هادي ابتسام احرقت نفسها واحرقت معها رجولتكم الكاذبة وصفعتكم بقدر ماصفعتوها واذلتكم ولم تسمح لكم ان تجعلوها فدية من اجل المال والخوف عليه من الغريب....
اقاموا مجلس العزاء وكان كل من يعزيهم يلومهم ويحملهم السبب اما المعزيات كن يشتمن الاهل بمرارة وحسرة على ابتسام التي يصفنها طفلة في ربيع العمر ... احمد صمت كالحجر عندما سمع الخبر كان يرى ابتسام تحترق وهو لايعلم , هرب من العيون التي تواسيه الى النخلة التي زرعاه سويا وهناك اطلق العنان لدموعه وصراخه ... ابتسام ... ابتسام كنت تودعيني يانخلتي ... ابتسام ...

كاتبه عراقيه .. المصدر : المركز التقدمي لدراسات و ابحاث مساواة المراة.

www.deyaralnagab.com