logo
فلتنحن الهامات: زهرة تمضي عمرها في تربية الأيتام!!

بقلم : يثرب سيدا  ... 24.08.2009

زهرة.. أحبت ككل النساء القرويات الألوان الزاهية. تميزت بمرحها ونكاتها عندما كانت تجلس مع نساء القرية أمام باحة الدار. كان غاية فرحها ورفاهيتها أن تشارك في الدبكة عندما تقام الأفراح في القرية.
كانت حاملا بولدها الخامس، ذلك الصباح المشؤوم، عندما أفاقت على أصوات أهل القرية قريبا من دارها. قفزت زهرة من فراشها مذعورة وركضت لترى ما الأمر. كان الخبر الصاعق بانتظارها فقد قتل زوجها، وهو يرعى بأغنامه من الفجر، بانفجار لغم من الألغام التي مايزال عدد منها مزروعا على طول الحدود السورية التركية خلف سكة الحديد التي تفصل البلدين.
ويبدو أن هذا الراعي المسكين الذي يسكن هذه القرية الحدودية قد أغرته الخضرة التي وراء السكة ليرعى بأغنامه بها وما هي إلا لحظات حتى انفجر به اللغم وتناثرت أشلاؤه في الهواء.
كانت زهرة في السادسة والعشرين عندما تعلمت كيف تحفر في الصخر لتؤمن العيش لأولادها الخمسة. تعلمت كيف تحب الألوان الداكنة بدلا عن الزاهية في قرية لا تبيح للأرملة لبس الجمال. تعلمت كيف ترافق النساء المسنات وكيف تتخلى عن الضحك وعن جلساتها في ساحة القرية كي لا تتعرض للغمز واللمز. تعلمت كيف تقاطع كل مكان للفرح وكل الدبكات بعد أن كانت أجمل من يؤدي الدبكة في القرية. والأهم أنها تعلمت كيف تقمع وتتحكم بأي رغبة طبيعية في داخلها للحياة، وركزت كل عواطفها في أمومتها.
ولبست ثوب التضحية من أجل أولادها في بيئة تجعل التضحية حكرا على النساء لأنها كلمة تنتهي بتاء مؤنثة. ساعدها في ذلك شبابها وقوة جسدها وخيط الأمل الذي كان يصور لها شكل أولادها شبابا أصحاء.
لسنوات طويلة لم تبت زهرة ليلة واحدة دون أن تبلل مخدتها بدموعها التي كانت تواريها في النهار من كثرة ما كانت تعانيه من القهر وقسوة العيش.
فجأة وكأنه كابوس وانتهى أفاقت زهرة لترى الأولاد وقد أصبحوا شبابا والبنت صبية. وتحسنت أوضاعهم المعيشية لأن أغلبهم أصبح يعمل وينتج.
أرادت زهرة أن تفرح بابنها البكر وآلت على نفسها أن ترقص في عرسه حتى الصباح.
أحست زهرة أن الأقدار بدأت تضحك لها بعد أن ملأت الكنة عليها الدار بأربعة أطفال في بضع سنين وأصبح الأطفال يملؤون البيت حركة وحيوية. ولم تدرك زهرة أن الدهر لا أمان له أبدا إلا بعد أن علمت في أحد الأيام أن الأطباء قد أكدوا إصابة الكنة بسرطان في الدماغ. لم تكد زهرة تفيق من الصدمة التي هزتها في الصميم حتى كانت الأيام تمر سريعا وتموت الكنة.
هاهي القصة تعيد نفسها وزهرة تصبح أما لأيتام. لم أدر بأي عبارات العزاء أواسيها وأنا أرى البؤس في عينيها بعد أن عدت الخمسين والأطفال الأربعة يلتمون حولها والصغرى تستقر في حجرها محتمية بها.
وبكلمات مختصرة علقت زهرة: الحزن هدني.. ولا أدر إن كان العمر سيمتد بي هذه المرة حتى أوصل هؤلاء لبر الأمان.

المصدر : موقع نساء سوريه

www.deyaralnagab.com