logo
الحل المراوغ لقضية الصحراء "المغاربية"!!

بقلم : نقولا ناصر* ... 14.12.2009

(*الحل "العربي" البديل لأي حل دولي لقضية الصحراء الغربية يكمن في توافق مغربي جزائري على الحل أولا وثانيا وأخيرا، أو في حل في إطار كيان عربي أوسع كالاتحاد المغاربي)
بعد ما يقارب أربعة وثلاثين عاما على خروج الاستعمار الإسباني من الصحراء الغربية، ما زالت قضيتها دون حل، لتتحول دوليا من قضية "إزالة استعمار" يبحث شعبها وأمته عن حقه في تقرير المصير، إلى قضية عربية – عربية بين دول التجزئة العربية لم تحرص أطراف النزاع العربي فيها على بقاء النزاع حولها في الإطار العربي، بل أبدت كل الحرص على تحويلها إلى ثغرة واسعة للتدخل الأجنبي في شان يجب أن يكون عربيا خالصا، بالرغم من العجز العربي حتى الآن عن إيجاد حل عربي لها، بحيث لم يعد الاصطراع المغربي – الجزائري عليها وحولها على كل من القطرين الشقيقين وعلى أهل الصحراء نفسها وعلى المغرب العربي بخاصة والوطن العربي بعامة إلا بما يزيد الفرقة ويعيق التنمية.
من حيث المبدأ، لم تعد القضية قضية إزالة استعمار، فقد مضت قرابة ثلاثة عقود ونصف من الزمن على رحيل الاستعمار، وإذا كان مناسبا قبل رحيله رفع شعار تقرير المصير من أجل التحرر الوطني فإن رفع هذا الشعار في حينه كان يلقى شعبية عربية واسعة لأنه كان أولا موجها ضد الاستعمار ولأن العرب ثانيا كان يرون فيه تمهيدا لتحرر جزء من الوطن العربي يقود إلى انضمامه لوحدة قومية يطمحون إليها.
كما انهار مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وانتهاء حقبة القطبين على الصعيد الدولي الاستقطاب العربي بين ذينك القطبين بين الدول العربية التي كانت تصنف "تقدمية" وبين تلك التي كانت تصنف "رجعية" بحيث لم يعد مقنعا الدعم السابق لحق الصحراء الغربية في تقرير المصير باعتباره دعما للجزائر المعادية للولايات المتحدة ضد المغرب المتحالفة معها.
لذلك أصبحت وحدة الصحراء الغربية مع المغرب أو الجزائر أو موريتانيا محبذة شعبيا وعربيا على استقلالها، لأن استقلالها وإن كان سيزيد عدد الأصوات العربية في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية صوتا جديدا فإن تعدد الأصوات العربية في هذه المحافل لم يعد مظهر قوة عربية بقدر ما أصبح ينظر إليه كمظهر ضعف عربي، بينما أصبح ينظر إلى أي اتحاد أو وحدة بين أي قطرين عربيين من أقطار التجزئة باعتباره توجها في الاتجاه الصحيح الذي يزيد الأمة حصانة ومنعة، وربما لهذا السبب أيد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين انضمام الصحراء الغربية للمملكة المغربية، بالرغم من شعبيته الواسعة في الجزائر، ولهذا السبب أيضا لم يعد استقلال الصحراء يحظى بالشعبية العربية التي كانت له.
والحل "العربي" البديل لتوحيد الصحراء مع أي واحدة من الأقطار الثلاث يكمن في توافق مغربي جزائري على الحل أولا وثانيا وأخيرا، أو في حل في إطار كيان عربي أوسع كالاتحاد المغاربي، الذي تحول الصراع المغربي – الجزائري حول الصحراء إلى العقبة الرئيسية أمام وقوف هذا الاتحاد على قدميه ليكون بدوره رافعة للأمة وقضاياها. لكن "الواقعية السياسية" تحول دون مثل الحلول العربية المنطقية والبسيطة لقضية الصحراء.
لقد لجأ المغرب بعد استقلاله إلى "المسيرة الخضراء" الشعبية ثم إلى القوة المسلحة لتحقيق مطالب تاريخية بدعوى "استكمال" الوحدة الإقليمية لترابه الوطني في الصحراء الغربية ، ولجا العراق بعد استقلاله إلى التهديد بالحرب ثم إلى الحرب المباشرة لتحقيق مطالب مماثلة في الكويت ، وخاضت سوريا بعد استقلالها معارك مباشرة أو بالوكالة للغرض نفسه ، وفي الحالات الثلاث الأهم للنزاعات الحدودية بين دول التجزئة العربية، التي انبثقت عن تقسيم الاستعمار الغربي للوطن العربي بعد نجاح هذا الاستعمار في تفكيك الخلافة العثمانية وتفتيت ولاياتها، فشل اللجوء إلى القوة المسلحة في حل أي منها.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى المفارقة الكامنة في المدرسة السياسية "الواقعية" التي تحكم دول التجزئة العربية التي جعلتها مجمعة على مبادرة "استراتيجية" عمادها "نبذ العنف" واستبعاد الخيار العسكري واعتماد التفاوض بدلا منه وسيلة وحيدة للتوصل إلى حل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتحويل الصراع العربي معها من صراع وجود إلى نزاع حول الحدود، لكنها حتى الآن تعطي للخيار العسكري الأولوية على التفاوض للتوصل إلى حلول للنزاعات الحدودية البينية الموروثة من الاستعمار المباشر، ويأتي النزاع المغربي الجزائري في رأس هذه النزاعات المدمرة ، حيث تتضخم الميزانية الدفاعية للبلدين على حساب تنمية اقتصادية توجد حاجة ماسة لها لدى الشعبين من أجل تمويل قوات مسلحة هي أقرب إلى القوات الأمنية مهمتها تكاد تنحصر في الحفاظ على الأمن الداخلي من جهة وموازنة القوات المماثلة عبر الحدود الثنائية من جهة ثانية.
فعلى سبيل المثال، تضاعفت الميزانية الدفاعية المغربية لعام 2009 بالمقارنة مع العام السابق إلى أكثر من ثلاث مليارات يورو ، وارتفعت الميزانية الدفاعية الجزائرية بنسبة تزيد على عشرة في المائة إلى ما يقل قليلا عن أربع مليارات يورو، وتم تعزيز نقاط المراقبة العسكرية الجزائرية على الحدود مع المغرب المغلقة منذ عام 1994 ، بينما حذر زعيم جبهة البوليساريو من أن الجمود الراهن في قضية الصحراء يهدد بإعادة إشعال الصراع المسلح الذي أوقفته هدنة عام 1991 .
وفي سياق الدعوة المتكررة التي يوجهها العاهل المغربي محمد السادس إلى الجزائر ل"تطبيع" العلاقات الثنائية كمدخل لحل قضية الصحراء اتهم الجزائر ب"بلقنة" المنطقة، بينما ما تزال تصر الجزائر على أن حل قضية الصحراء هو المدخل إلى تطبيع العلاقات الثنائية وفتح الحدود، لا العكس، لتستمر الحرب الكلامية في التصاعد فتهدد بتجديد حرب فعلية سبق أن وقعت فعلا بين البلدين، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة ،بان كيمون، إلى الإعراب عن قلقه في الرابع والعشرين من الشهر الماضي من التوتر المتنامي بينهما.
بيد أن فرقاء الصراع على "الصحراء الغربية" أو "الصحراء المغربية" أو "الساقية الحمراء ووادي الذهب" – أو أي اسم آخر يختاره هؤلاء الفرقاء ل"الصحراء الاسبانية" كما كانت المنطقة التي تبلغ مساحتها مساحة بريطانيا تعرف قبل انسحاب الاستعمار الاسباني منها عام 1975 – يتجهون كما يبدو نحو الاحتكام إلى واشنطن وتسليمها ملف حل هذه القضية دون أن يفكروا هم أنفسهم في ما بينهم بحل "مغاربي" أو يفسحوا المجال لتحكيم عربي عبر حل "عربي" للقضية التي ما زالت مدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة باعتبارها من قضايا إزالة الاستعمار. وقد كانت "الحلول الأميركية" للقضايا العربية مراوغة دائما.
ويبدو أن هؤلاء الفرقاء قد اختلفوا على كل شيء لكنهم اتفقوا على الاستقواء بالولايات المتحدة الأميركية على بعضهم البعض دون أن يعتبروا، مثلا، من الصراع العربي – الإسرائيلي ولا من النزاع التركي – اليوناني حول قبرص حيث أطراف الصراع في الحالتين على علاقات تحالفية استراتيجية معها لكنها بدلا من استثمار إجماع الأطراف المعنية كافة في الحالتين على الانضواء تحت قيادتها للتوصل إلى حل في ما بينهم فإنها تطيل أمد الصراع وتكتفي بإدارته في كل حالة منهما من أجل توثيق انصياعهم جميعا لاستراتيجيتها ضمانا لاستمرار هيمنتها في مناطقهم .
وإذا كانت العلاقات المغربية – الأميركية الاستراتيجية عريقة ، والعلاقات الجزائرية – الأميركية تبني سياسيا على ما يزيد على عشرين مليار دولار من التبادل التجاري حاليا ، فان جبهة البوليساريو التي استمدت قوتها تاريخيا من اليسار الشيوعي وحركة عدم الانحياز وحركات التحرر الوطني في العالم قد غيرت اتجاهها مائة وثمانين درجة لكي تعقد آمالها مؤخرا على واشنطن ، وتحديدا على إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما الجديدة . "إن توقعاتنا عالية جدا لأننا نتوقع بأن ... إدارة أوباما سوف تركز أكثر على إفريقيا وعلى حل المشاكل الإفريقية (ومنها) الصحراء الغربية" كما قال زعيم الجبهة محمد عبد العزيز.
غير أن أي مراقب جاد لا يتوقع أن تكون القضية -- التي سنختار في ما يلي تسميتها ب"قضية الصحراء المغاربية" نسبة إلى الاتحاد المغاربي تفاؤلا بخير قد يأتي في إطار هذا الاتحاد الذي تمنعه قضية الصحراء من الانطلاق وحتى نغلق الباب أمام أي اتهام بالتحيز بين الفرقاء – هي قضية تسعى أي إدارة أميركية إلى حلها حلا يستهدف حقا إزالة العقبة الأكبر أمام انطلاق الاتحاد المغاربي ، لان المصالح الأميركية التي وجدت في استمرار الصراع العربي الإسرائيلي طوال أكثر من ستين عاما أفضل عصا تشهرها في وجه العرب حتى ينصاعوا مختارين أو كارهين لاستراتيجيتها الإقليمية في الشرق الأوسط هي مصالح تقتضي تفجير الأزمات في الوطن العربي الكبير ، لا تسويتها ، في إطار سياسة "الفوضى الخلاقة" التي تفتح لها ثغرات متواصلة للتسلل إلى المنطقة وضرب حكامها وأنظمتها وقواها السياسية وأحزابها ومكوناتها العرقية والطائفية والمذهبية بعضها ببعض ليتاح لها الاستمرار في لعب دور الوسيط غير النزيه الذي عرفه العرب في صراعهم مع دولة المشروع الصهيوني في فلسطين.
وهكذا، ومثلما انحازت واشنطن في الصراع العربي الإسرائيلي انحيازا شكك في أهليتها للوساطة وقاد بالتالي إلى الطريق المسدود الحالي الذي يواجه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون انحياز بلادها لاقتراح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الحل الواقعي الوحيد المجدي ولا بد من التفاوض عليه في إطار الأمم المتحدة، ولم تنجح زيارة وزير الخارجية الجزائري الأخيرة لواشنطن في تغيير هذا الموقف، وبالتالي تحول الانحياز الأميركي إلى عقبة جديدة في طريق الحل. وقد انعكس هذا الموقف على موقف الأمم المتحدة.
فيوم الجمعة الماضي تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون اقتراع بالأصوات، قرارا كرر دعم عملية التفاوض حول الصحراء المغاربية ودعا "كل الأطراف ودول المنطقة إلى التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي ومع بعضها"، مع ملاحظة "قوة الدفع التي خلقتها المبادرة المغربية لمنح المنطقة حكما ذاتيا"، والترحيب بجهود المبعوث الشخصي لبان كيمون لاستئناف الجولة الخامسة من مفاوضات المغرب مع بوليساريو، مما يشير بصورة واضحة إلى تخلي الهيئة الأممية عن قرارها السابق بإجراء استفتاء حول تقرير المصير وهي المهمة التي انتدبت الأمم المتحدة لها بعثتها في الصحراء المنوط بها تنظيم هذا الاستفتاء لتقتصر مهمة هذه البعثة اليوم على مراقبة وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أيلول / سبتمبر عام 1991، والذي يبدو اليوم هشا قابلا للانهيار في أي لحظة.
ومن التجربة العربية المعاصرة، يجب أن يتطير العرب عندما تلتقي الولايات المتحدة والأمم المتحدة على موقف موحد من أي قضية عربية.

* كاتب عربي من فلسطين

www.deyaralnagab.com