العراق :إستباحة وطن وأمة الفكه نموذجا!!
بقلم : علي الكاش ... 27.12.2009
كتب بعض المحللين السياسيين والباحثين العراقيين بشكل خاص عن موضوع الإحتلال الأيراني الأخير لآبار النفط العراقي في منطقة الفكه في محافظة ميسان وكانت معظم تحليلاتهم منطقية وواقعية تتناسب وأهمية الموضوع سيما أن بعضها أستندت على الخلفية التأريخية للأطماع الإيرانية في العراق وهي أطماع ليست جديدة ولكنها لم تكن تأخذ شكل التحدي السافر وتلك العجرفة والغطرسة الفارسية المعروفة إلا بعد الإحتلال الأمريكي ـ الصهيوني ـ الإيراني للعراق.
الموقف الأمريكي من الإحتلال الجديد لبئر الفكه لايقبل سوى إحتمالين فهو أما تصعيد إيراني ضد الأمريكان بالدرجة الاولى وليس العراق أي تحدي جسور وضربة في مكان موجع! أو إتفاق ضمن صفقة بين الشيطانين الأكبر والأصغر وهي التي تفسر عدم تفعيل الإتفاقية الأمنية المشبوهة التي عقدتها حكومة المالكي مع إدارة الإحتلال والتي حملت قوات الإحتلال مسئولية المحافظة على سيادة العراق و أرضه وأمنه، وهذا ما سنستشفه من خلال الأسطر القادمة.
جاء أول تعليق الإدارة الأمريكية بأنها تراقب الإحتلال الإيراني عن كثب, من ثم عبر عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن قلقهم من ما أطلقوا عليه "الخرق العسكري الإيراني للأراضي العراقية" ويلاحظ أنهم تجنبوا تسميته بإحتلال وأعتبروه خرقا عسكريا مما يوفر لهم الحجة بعدم تطبيق نصوص الأتفاقية الأمنية التي عقدت مع حكومة المالكي.
لو رجعنا قليلا إلى الخلف وأستذكرنا بعض التصريحات بشأن الغرض من الإحتلال الأمريكي للعراق لأنتابنا العجب من الموقف الأمريكي أزاء إحتلال البئر الرابع في ( الفكة)! على سبيل المثال قبل ثلاثة أعوام من الغزو ذكر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق هارولد براون وهو يدلي بشهادته أمام الكونغرس" أن التراجع المتنامي لأمن مصادر الطاقة يمثل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة على المدى البعيد" . وهذا الأمر ليس جديدا لأن معظم الساسة الاميركان يركزون على أمر النفط وقد تحدث صراحة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في آخرخطاب له كرئيس بأن" أية محاولة تقوم بها قوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعتبر تحديا ضد المصالح الحيوية للولايات المتحدة وتستلزم مواجهتها بكافة الوسائل بما في ذلك القوة العسكرية". كماصرح نائب وزير الدفاع الامريكي بول ولفوفيتز في حزيران عام3200 " لم يكن أمامنا أي خيار اقتصادي في العراق فالبلد يسبح على بحر من البترول".
وهذا الكلام يتفق مع تصريح نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني بأن" الرئيس العراقي صدام حسين يتربع على 10% من احتياطات العالم من النفط" وكذلك إعترافات رئيس وزراء أستراليا بأن النفط وراء الغزو. وقد ذكر روبرت فيسك في مقال نشر له في الاندبندنت عام2003 " يعتقد كل عربي بأن البترول وحده يفسر حماسة بوش لغزو العراق وكذلك يعتقد الاسرائيليون وانا أعتقد ذلك أيضا". ووصف المحلل السياسي غور فيدال(Gore Vidal ) في عام 2003 حكومة الرئيس بوش بأنها " عصابات غير منتخبة من رجال البترول والغاز". في حين أضاف جوناثان راندل" وحده النفط جدير بأن يموت الأمريكان من أجله". وعليه نتساءل لطالما إن النفط هو السبب الرئيس من وراء الغزو فما الذي يكتف أيدي الأمريكان أمام الإحتلال الإيراني لنفط الفكه ويجعلهم يترقبون عن كثب ولا يتدخلون على عجل؟ أليس من الأولى بهم أن يدافعوا عما جاءوا من أجله وقدموا عددا هائلا من القتلى والجرحى وصرفوا البلايين من الدولارات؟ أم يدخل موقفهم الشاذ هذا ضمن سياسة الرئيس كلينتون" في بعض الاوقات يكون غض النظر امرا وليس خيارا"! أو هو جزء من صفقة ضخمة لا يعلم بها إلا الشياطين في واشنطن وطهران؟ ما يزيد الطن بلة أن مستشار الكونغرس لمكافحة الإرهاب( وليد فارس) أكد بأن أعضاء في المجموعة التابعة للكونغرس" توجهوا إلى الإدارة الأمريكية لحضها على أن يكون لها موفق حازم حاسم وواضح فيما يتعلق بهذا الحادث"! في حين إستبعد (مايك مولن) رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة أن يكون الاحتلال الإيراني لبئر الفكة النفطي العراقي" جزءا من خطة معدة في طهران لتهديد جيرانها" وهو موقف دفاع عن إيران أكثر منه موقف ردع ضدها! على أية حال مهما كانت دوافع الموقف الأمريكي المشبوهة، فأنها تمثل إستهانة كبيرة بالحكومة العراقية والشعب العراقي الذي مازال البعض منه يدافع عن النظام الإيراني بكل إستهتار وسفالة، ويرفض الإعتراف بتدخلهم السافر في شئونه الداخلية بل كطرف ثالث يحتل العراق بعد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
أما الحكومة العراقية وبرلمانها العتيد والكتل السياسية والأحزاب الجاثمة على رقاب العراقيين فقد إلتزمت الصمت باسثناء بعض النواب من جبهة التوافق الذين تشتت أصواتهم هنا وهناك، وتمثل جعجعة غير مؤثرة! في حين قللت الأحزاب المنطوية تحت جناح نظام الملالي من أهمية الموضوع وأعتبرت البعث والقاعدة كالعادة وراء التصعيد الإعلامي ضد الأحتلال الإيراني الجديد! وهو موقف يخدم البعث حيث يؤكد توجهه الوطني والحفاظ على سيادة العراق وكرامته، ويؤكد أيضا مصداقية أطروحات البعث بشأن النزعة التوسعية الفارسية سواء في ظل حكم الشاه المقبور أو نظام المعممين. كما أنه يمثل إعتراف صريح بأن البعث ما زالت له قوة شعبية مؤثرة في الشارع العراقي وتمكن بسرعة مذهلة من تعبئة الرأي العام العراقي للتظاهر ضد الإحتلال الإيراني الجديد. علاوة على الإعتراف بفشل رسالة الإعلام الأيراني وأبواقه المحلية في العراق رغم ضخامته والملايين التي تنفق عليه وسرعة إكتساحه من قبل إعلام البعث الذي ما زال في طوره الجنيني.
المواقف الرسمية العراقية المتذبذبة دائما وأبدا، تمثلت بثلاثة أشكال متباينة أولهما: موقف الحكومة العراقية على لسان ناطقها الببغاوي علي الحوزوي الذي إعترف بالإحتلال باديء الأمر! من ثم أطل في اليوم التالي مشيرا لإنسحاب القوات الإيرانية المحتلة من بئر الفكه وإنزال العلم الإيراني في الوقت الذي يؤكد النائب في البرلمان كريم الماهود بأن القوات الإيرانية ما تزال جاثمة على الموقع ولم تبارحه. ولم يمنع هذا الإحتلال رئيس الوزراء المالكي من إستئناف زيارته الفاشلة لمصر! ولا يستبعد مطلق وجود تنسيق مسبق بينه وبين أسياده في قم في توقيت الزيارة وتفسير تلك اللامبالاة تجاه مصالح العراق العليا! والرجل لا ينتظر منه شيئا فهو يدرك جيدا أن مصيره بيد الملالي, لذلك ترك إحتلال الفكه خلف مؤخرته في طريقه للكنانة مخلصا نفسه من التصريحات والمسئولية تاركا الساحة لغيره.
الموقف الثاني: تمثل في صمت أبو الهول الذي إتخذه الوزير حسين الشهرستاني(إيراني الجنسية ـ عراقي المنصب) ازاء موضوع مهم يتعلق ببئر نفطي (يضخ 12000 برميل يوميا) وهو من أختصاص وزارته كما يفترض! ومع هذا فأن هذا الآخر لا ينتظر منه شيئا، فهو من أكبر منفذي الإجندة الإيرانية في العراق مع توأمه في العمالة باقري صولاغي وزير المالية الحالي وهما مبتدعا الفكرة الجهنمية( الآبار المشتركة)! ذلك المصطلح الوليد الذي لم نسمع به إلا بعد الغزو المشئوم على لسان باقري صولاغي والشهرستاني وبقية أزلام إيران. وما كان أحد من دول الجوار ليتجرأ بأن يتفوه بمصطلح الخسة( الآبار المشتركة) في عهد النظام الوطني السابق وإلا لكان ألقم فردة حذاء تملأ فمه الثرثار.
الموقف الثالث: يتعلق بوزارة الخارجية وهي الوزارة التي تعبر عن مصالح إقليم كردستان فقط سواء أتفقت أو تعارضت مع إرادة الحكومة المركزية, والوزارة كما عهدناها عندما أحتل الإيرانيون بعض آبار مجنون وزخرت تصريحاتها بالتناقضات بين الزيباري من جهة ووزير النفط الشهرستاني من جهة ثانية، والزيباري من جهة ووكيله الحاج حمود من جهة أخرى فكل منهما عبر بضراوة عن وجهة نظر حزبه وولاءاته وليس مصلحة العراق! والوزارة كما يفترض كأي وزارة محترمة في العالم وتعرف حدود مسئولياتها عند مواجهة مثل هذه الأزمة. أن تفاتح فورا رئاستي الجمهورية والوزراء لتشيكل غرفة عمليات مشتركة بالإشتراك مع وزارتي النفط والدفاع, وأن تفتح قناة مباشرة عبر سفيرها في طهران( المصيبة هو الآخر إيراني الجنسية) والسفير الإيراني في بغداد للقيام برحلات مكوكية للوقوف على آخر التطورات.
ولكن الوزارة ولت دبرها بعيدا عن الإحتلال باديء ذي بدء، ولم تتحرك إلا بعد أن وصل السيل الزبى وبدأ الرأي العام العراقي يتساءل: وأين وزارة الخارجية من كل هذا العدوان؟ وبعد إطلاق شائعات بأن القوات الإيرانية إنسحبت( 50 مترا عن البئر أي ما تزال في أراضي عراقية لأن البئر يبعد أكثر من300متر عن الدعامة الحدودية الفاصلة بين البلدين) ظهر السوبر ستار أكاديمي هوشيار الزيباري معلنا إنتصاره الدبلوماسي الماحق في القاهرة حيث يقضي ليالية المخملية! في الوقت الذي أشارت فيه الأخبار ألى إصرار نظام الملالي على التمسك بالبئر المحتل وإحتلال بئرين آخرين بصلافة لا مثيل لها. وهذا ما أكده رئيس مجلس محافظة ميسان محمد المحمداوي بقوله" زحفت القوات الإيرانية لإحتلال بئرين آخرين ويحملان الرقمين 11 و13 في حقل فكة النفطي، الذي يضم 23 بئرا" مؤكدا أن القوات الإيرانية الغازية تحاول الإستحواذ علي جميع الآبار العراقية في تلك المنطقه".
وهناك مواقف أقل أهمية كالبرلمان حيث أن السادة النوام سيناقشون الطبخة على نار هادئة! ولكن ما الذي نتوقعه منهم في ظل تبعية معظمهم لنظام الملالي في طهران؟ وكي لا نطيل على القراء الأفاضل إقرأوا هذا التصريح النشاز وبعد ذلك نقيم موقف البرلمان" هناك استفزاز وتحركات عراقية سبقت التطورات فهناك من قام برفع العلم العراقي على البئر رقم 4 وقبلها إقتربت ثلاث دبابات عراقية من الحقل وهذا إستفزاز للقوات الإيرانية التي قامت برفع العلم الايراني عليه" بربكم هل تتصوروا ان هذا التصريح يمكن أن يتفوه به مواطن عراقي لديه ذرة من الشرف المواطنة؟ فما بالكم وان هذا الكنيف خرج من فم نائب رئيس البرلمان الشيخ ( العائد إلى صباه) همام حمودي وهو في نفس الوقت رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الضرير؟ ولكن المفاجأة تبطل إذا عرف السبب فالشيخ (إيراني الجنسية)! ولكن لنسأله أصلح الله عقله: هل تحرك دبابات عراقية في أرض عراقية يعتبر إستفزازا للقوات الإيرانية؟ أم وضع علم عراقي على بئر عراقي يعد إستفزازا؟ أن كان الأمر كذلك فماذا تسمي إحتلال حقل مجنون من قبل قوات موطنك الأصلي إيران؟ والمناورات الإيرانية المستمرة في الخليج العربي! ألاتعتبر ذلك إستفزازا للعراق وبقية دول الخليج أم لا؟
وكذلك موقف وزير الدفاع الذي أوكل المهمة للحل الدبلوماسي وهو أمر منطقي بلا شك لكنه لا يلغي دوره توضيح مدى إستعداد وزارته المهيبة للدفاع عن سيادة العراق, وأين كان حرس الحدود أمام التوغل الإيراني؟ وكيف لم تتمكن قواته الجسورة التي أشرفت على تدريبها إسطورة الرقص الشرقي( الراقصة مينا)من مواجهة(12) جندي إيراني؟ وهل هذه الوزارة تستحق المليارات التي أنفقت عليها؟ لا يفهم من كلامنا إننا بصدد إعلان حرب على نظام الملالي! لأننا لسنا من دعاة الحرب هذا من جهة! وبأية قوات نحارب من جهة ثانية؟ وهذه وزارة الدفاع تفشل في عدة أختبارات لها أمام العدوان. ولكن من المفترض ان تعلن حالة الطواريء في صفوف الجيش على أقل تقدير في مثل هذا الأزمات لحين الوقوف على نتائج الجهود الدبلوماسية لإحتواء الأزمة والتي سبق أن تكررت في منطقة مجنون، وستكرر بلا شك في المستقبل طالما أنه لا يوجد رادع ولا إستعداد للدفاع عن الأرض والسيادة الوطنية.
والحمد لله وقد وجهت عشائر الجنوب البطلة صفعة كبيرة لوزير الدفاع بإعلانها عن تشكيل كتيبة مسلحة بإنضمام (126) عشيرة من محافظات البصرة وميسان وذي قار وديالى والأنبار وواسط لإسترجاع البئر والدفاع عن المنطقة ضد الإحتلال الإيراني! وذكر الشيخ المجاهد محمد الزيداوي بإن"مجلس عشائر التحرر والبناء في الجنوب شكل كتيبة تحمل اسم (أسد الله الغالب) ستتولى تحرير البئر (4) في حقل الفكة، وطرد القوات الإيرانية الغازية من أي شبر يقع ضمن حدود العراق"! فقرة عين وزارة الدفاع ووزيرها الهمام الذي فشل في التصدي لإثنى عشر غازي! فكيف سيتمكن من مواجهة جيوش؟
عدد ضئيل من الكتاب دافعوا عن الإحتلال ولسنا بصدد مناقشة تلك الطفيليات التي تعتاش على فتات الطغاة, وهذه أقلام مأجورة تعبر عن ولاء طائفي يطفو فوق الولاء الوطني أو هي مدفوعة الأجر ولسنا بحاجة إلى مناقشتها فأمرها محسوم لدينا. وهناك عدد من الكتاب والمحللين أعتبروا ألإحتلال الإيراني تصرفا طائشا وأحمقا وبعضهم إعتبره غير مدروس أو غير مقصود أو تهورا وغيرها من التسميات أو التبريرات! والحقيقة ان الإدارة الإيرانية التي تتعامل بمتنهى الذكاء في ملفها النووي مع الأسرة الدولية وأفشلت كل المشاريع التي صاغتها الأمم المتحدة لمعاقبتها أو تأديبها على أقل تقدير, هي نفس الإدارة التي فرضت هيمنتها على فلسطين ودول الخليج واليمن ولبنان ودول أفريقيا والتي تدير لعبة المذهبية في هذه البلدان إضافة إلى السعودية والبحرين والسودان والمغرب وموريتانيا ومصر بشكل مثير يدعو للدهشة, تتعارض مع وجهة النظر أولئك الكتاب والمحللين, فهكذا إدارة أبليسية لا يمكن أن تتهور أو تتصرف بشكل عفوي أو طائش! فكل شيء محسوب لديها بمنتهى الفطنة والذكاء، وكل خطوة مدروسة بدقة! وإلا كيف تمكنت من فرض إرادتها على الأمريكان وتكون لهم الند بالند وتشاركهم الكعكة العراقية؟ ومقارنة بسيطة بين أزمة اسلحة التدمير الشامل في العراق وأزمة المفاعل النووي الأيراني وكيفية تعامل الشرعية الدولية ودول أوربا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني مع الطرفين تزيل كل إلتباس.
ظروف العراق الداخلية لا يمكن أن نتجاهلها, فشهر محرم والإنشغال بمراسيم عاشوراء, إضافة إلى إثارة موضوع نقل سكان معسكر أشرف إلى منطقة نائية في محافظة المثنى, علاوة على إنشغال الحكومة والبرلمان بالصراعات الإنتخابية وتشرذم مواقف الكتل المرتبطة بالأجندة الإيرانية. وظلال التفجيرات الأخيرة التي عصفت بحكومة المالكي والتي تقف إيران ورائها. وموضوع العقود النفطية التي وقعتها حكومة المالكي مع بعض الشركات الإجنبية دون موافقة الجانب الإيراني، ولإختبار فعالية القوات العراقية التي صرفت عليها مليارات الدولارات, وجس نبض الشارع العراقي(الشيعي بشكل خاص) وردود فعله تجاه الغزو الجديد! ومعرفة فيما إذا الحس المذهبي مايزال منتصرا على الحس الوطني؟ كذلك الإختبار العملي لفاعلية الإتفاقية الأمنية بين الحكومة العراقية وقوات الإحتلال الأمريكي، كل هذه الأمور مهدت لإحتلال الآبار العراقية. أما موضوع أن الغزو الإيراني الجديد أحرج الأحزاب العراقية العميلة لإيران فهذا محض هراء, فالعمالة فوق مستوى الإحراجات! وإلتزام الصمت من قبل تلك الأحزاب هو أقصى ما يطمح إليه نظام الملالي من عملائه وهو كفيل بمعالجة الموقف؟ أما أن يؤثر ذلك الغزو على مسيرة الإنتخابات فتلك إرهاصات أيضا لأن الإنتماء المذهبي ما زال غالبا على الإنتماء الوطني في العراق, والتظاهرات المحدودة التي جرت في محافظتي كربلاء والأنبار وبغداد ضد الغزو هي صحوة رائعة ومهمة لكنها ما تزال في طورها الجنيني ولم تتكامل بعد! فأشباه رجالات إيران هم الذين يديرون دفة البلاد سياسيا(برلمان وحكومة وأحزاب) ودينيا وإقتصاديا وثقافيا وهذه حقيقة كالشمس لا تخفى بغربال.
الموقف الأيراني بدى متذبذبا كالعادة ولكن بقصد وسوء نية، فالملالي دائما يضيعون الحقيقية عبر تصريحات مختلفة من عدة معممين وما أن يستقروا على موقف نهائي حتى يعتبروا من أدلى بتصريحات تتنافى وموقفهم الأخير بأنه كان يعبر عن رأيه الشخصي وليس الحكومة الإيرانية! والوضع الإيراني الداخلي يستلزم توجه الإنظار للخارج إي خلق مشكلة خارجية وأفضل ساحة لمشاكلهم بالطبع العراق حيث يفرضون هيمنة كاملة على الحكومة والبرلمان مما يمكنهم من إنجاح خططهم. فالإضرابات الطلابية العنيفة ما تزال تلقي بظلالها على الشارع الأيراني وتمزيق صور الخميني والخامنئي أظهر حقيقة موقف الشعب الإيراني من حكم الملالي. في الوقت الذي تستقطب فيه المجاهدة مريم رجوي الرئيسة الإيرانية في المنفى إهتمام الرأي العام العالمي والأوربي بشكل خاص وهذا ما تمخضت عنه بوضوح زياراتها الأخيرة. كما أن مجاهدي الأحواز يوما بعد آخر يسطرون المزيد من الملاحم البطولية ويثبتون مكانتهم الرفيعة على الساحة الإيرانية رغم الإعدامات التي يتعرض لها المجاهدون على أيدي الملالي الطغاة والموقف العربي الباهت تجاه هذه المقاومة الشريفة. حتى أن السيناتورالأمريكي ( جون ماكيين) طالب الإدارة الأمريكية بقوة أن تقدم" الدعم للمعارضين الإيرانيين الذي قال إنهم يتظاهرون ويضحون بحياتهم من أجل الحرية في شوارع طهران".
كما شهدت هذه الفترة إغتيال أهم شخصية دينية في طهران بعد الخميني وهو آية الله منتظري الذي كان تحت الإقامة الجبرية منذ حوالي عشرين عاما، ولم يسمح له بالإتصال بالعالم الخارجي وقد فضحت مذكراته التي سربها أبنه الكبير من مغالطات نظام الملالي ومنها الحرب على العراق وتأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وتشكيل فيلق بدر من قبل المخابرات الإيرانية. ولا يمكن أستبعاد دور النظام الإيراني في إغتياله عبر دس السم له! وهي الطريقة المفضلة لنظام الملالي. في غضون ذلك تصاعدت التهديدات الأمريكية الصهيونية ضد نظام الملالي وتدل المؤشرات الحالية عدم إستجابة الملالي للوساطات التي قدمتها اللجنة الدولية للطاقة ومجموعة السبع بشأن برنامجها النووي، سيما أن المهلة المتبقية هي نهاية العام الحالي. وقد حذر (ديفيد إكسلروود)مستشار الرئيس الأمريكي" بأن دول العالم متفقة على تصعيد الموقف ضد النظام الإيراني في حال عدم إذعانه للإرادة الدولية والإستجابة لمطالبها". وإنهالت تصريحات صهيونية توميء إلى توجيه ضربة قاصمة لنظام الملالي! وهذه التهديدات كطنين الذباب لا جدية لها حيث نسمع عنها منذ أربع سنوات! وهي تتنافى مع أبسط شروط الضربة الإستباقية ( المباغته) لكنها أدت الغرض منها في توجيه أنظار الشعب الإيراني إلى الخارج بإعتبارها تهديدات جدية. لذلك فأن ظروف العراق وإيران الداخلية ساعد على أتخاذ تلك الخطوة الجريئة في إحتلال البئر الرابع.
سنعود لمناقشة الموضوع وتطوراته من وجهة نظر القانون الدولي تحت بند العدوان بإذن الله.
كاتب ومفكر عراقي
www.deyaralnagab.com
|