logo
السياسة الدولية وغياب المساهمة العربية!!

بقلم : د.خالد الحروب ... 02.12.2009

ليس ثمة جديد في القول بأن التأثير العربي في السياسات الدولية منفردا أومجموعا يكاد يؤول إلى الصفر. أي استعراض سريع للقضايا العولمية الكبرى التي تواجه العالم اليوم يشير، ضمن أشياء أخرى، إلى الموقع القيادي المتقدم لمجموعة من الدول والقوى الكبرى وإلى الموقع المتأخر التابع لبقية دول وقوى العالم. من غير المنطقي بطبيعة الحال افتراض تأثير متساويتجاوز الفروق الهائلة بين الدول، مثلاً في المكانة والقوة السياسية والاقتصادية لدولة مثل الولايات المتحدة ودولة مثل سيراليون. ثمة حالات تفارق في الحجم والتأثير لا تحتاج إلى نقاش وتُستنج بالبداهة. لكن النقاش يثور ويصبح ملحا جداً في الحالات الخاصة بالدول ذات الحجوم المتوسطة والتي تقع في المنطقة الرمادية، ولا يُستنتج تصنيف موقعها بالبداهة، ضعفا أوقوة، ويُضاف إليها الدول التي يمكن افتراض أنها تأتي في الطبقة الثانية من ناحية القوة الاقتصادية والتأثير المتوقع. في هذه الحالات يصبح قياس التأثير وافتراضه أمراً مشروعاً ومطلوباً. وفي السياق العربي لا نتوقع ولا نطلب أن يكون تأثير أي دولة من الدول العربية ومساهمتها في السياسة الدولية مواز لتأثير ومساهمة الولايات المتحدة أوبريطانيا أوإسبانيا، لكن من غير المقبول أن يكون ذلك الدور والتأثير بمستوى دولة مثل بينين أوسوريام أوألبانيا.
الدول العربية الكبرى مثل السعودية ومصر والجزائر والمغرب والإمارات يُتوقع منها أن تكون على نفس مستوى النشاط والتأثير السياسي لدول مثل البرازيل والهند والمكسيك وإسرائيل. في صوغ السياسات العالمية سواء في الاقتصاد أوالبيئة أوالتسلح أوغيرها تتأثر الدول بخلاصات تلك السياسات بحسب حجومها وعدد سكانها واقتصاداتها المتشابكة، ولهذا تحرص على أن يكون لها نصيب مهم في صناعة القرار. الدول التي لا تصارع بما فيه الكفاية لتأمين المساهمة في صناعة القرار (وليس فقط الحضور لحظة التوقيع عليه) تفرّط بشكل أوبآخر بمصالحها القومية وتواجه خسارات مباشرة ومستقبلية. ليس هذا فحسب بل إن تداخل المصالح وتشابك السياسات المحلية والإقليمية والدولية صار يحتم على الدول والقوى المختلفة الاهتمام ومحاولة التأثير في مسار سياسات وتوجهات تبدوللوهلة الأولى بعيدة جغرافيا ومصلحيا عنها. لماذا تهتم دول مثل البرازيل والهند والمكسيك وإسرائيل بالقرار النهائي في الاتحاد الأوروبي حول من سيرأس الاتحاد ومن سيكون وزير خارجية الاتحاد في حين نعلم جميعا أن المنصبين سيكونان أقرب إلى البروتوكولية منهما إلى الفاعلية السياسية الحقيقية؟ ولماذا لم نر أي اهتمام عربي رسمي جدير بالملاحظة خلال مرحلة التنافس الشديد بين المرشحين على تولي تلك المناصب؟ كم هوحجم المصالح العربية الاقتصادية والمالية والسياسية بل وحتى الرساميل الخاصة في دول الاتحاد الأوروبي، وألا تستحق تلك المصالح جميعا تبني سياسات ناشطة وهجومية وتتجه نحوالتأثير في السياسات المستقبلية للاتحاد؟ كثير من الخبراء الذين يعملون في الأقسام الخاصة بالشرق الأوسط في مقرات الاتحاد الأوروبي في بروكسل واللكسمبورغ يتعجبون من الغياب العربي المذهل ليس فقط في محاولة التأثير في سياسات الاتحاد العامة كما تحاول بقية الدولة الكبرى والمتوسطة، بل وأيضا في السياسات الخاصة بالشرق الأوسط نفسه.
ربما يبدوالسؤال حول غياب العرب عن السياسات الدولية الكبرى مُبالغا فيه ذاك أنهم يغيبون عن تلك السياسات الإقليمية والمحلية التي تؤثر مباشرة في مستقبل منطقتهم وبلدانهم، ويظهرون عجزا ولامبالاة صاعقة. من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان يستقيل العرب بشكل شبه تام تاركين القرار في هذه القضايا الثلاث الساخنة بيد القوى الكبرى، التي تقرر وتنفذ تبعا لمصالحها هي، وكأن ما يحدث الآن وما قد تتطور إليه الأمور في المستقبل لا يعني الدول العربية. ولسنا بحاجة لأن نتذكر ونقارن العجز واللامبالاة العربية بالفاعلية التركية والإيرانية على المستوى الإقليمي وملاحظة منحيات الصعود هنا والانحدار هناك.
هل يمكن فعلاً إيجاد جواب على السؤال التقليدي والممل الخاص بغياب العرب وتحولهم إلى أصفار في معادلة السياسات الدولية والإقليمية؟ أم أن السؤال يعاني من خلل بنيوي يقوم على فرضية غير صحيحة أصلا تقول بمواصلة انتظار "موقف عربي" أو"قرار عربي" أو"تحرك عربي" موحد تجاه القضايا المختلفة. هناك بطبيعة الحال مستويين من المواقف والتحركات: "مواقف عربية" و"قرارات عربية" و" تحركات عربية" تجاه أي قضية مطروحة إقليميا أودوليا، وهناك مواقف خاصة بكل دولة عربية على حدة، وهي مواقف تكون خلاصات تقدير المصلحة الخاصة بهذه الدولة أوتلك. لكن الافتراض البراغماتي هنا يقول بأن الدول المنتمية لأي إقليم جغرافي واحد لها مساحة من المصالح المشتركة تفوق المساحة التي قد تنشأ مع الدول والكتل الأخرى، أوعلى الأقل تتساوى معها أهمية. ومن هذا المنطلق لا من غيره يتم افتراض وجود حدود دنيا من التأثير والحرص على الدفاع عن تلك المصالح المشتركة.
إذا رفضنا حتى هذا الافتراض الأخير الذي يقوم على أسس براغماتية بحتة، بعيدا عن شعارات الأخوة والقومية العربية والهوية المشتركة وسوى ذلك، فإننا ننتهي إلى تحليل واحد فقط هوالتالي: مجموعة الدول التي تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط مُعرّفة بمصالحها الوطنية فقط، وكل دولة تتدافع مع الدول الأخرى، المجاورة أولاً، لتحقيق تلك المصالح. كما أن هذه الدول تعبر عن نفسها في الساحة الدولية منطلقة من تلك المصالح الوطنية فحسب، من دون اعتبارات كتلوية غير مصلحية. ليس هذا بالجديد بطبيعة الحال وهوالأكثر تبنيا في الوقت الراهن والتحليل السائد. لكنه هوالآخر يعجز عن تفسير العجز واللامبالاة وإدارة الظهر للمصالح الحيوية.
مرة أخرى يطرح مثال الاتحاد الأوروبي حالة دراسة طافحة بالمرارة. فهنا تزدحم مكاتب السفارات والممثليات العربية في العاصمة البلجيكية، لكن حاصل جمع التأثير لا يتعدى الصفر بكثير. أحد الخبراء المتعاطفين مع العرب وقضاياهم كاد ينفجر وهويقارن بين نشاط السفارة الإسرائيلية وموظفيها القلائل مع السفارات العربية وجحافل موظفيها.


www.deyaralnagab.com